الرئيسة \  تقارير  \  في خريطة الشرق الأوسط الجديدة إسرائيل هي الحلقة الضعيفة

في خريطة الشرق الأوسط الجديدة إسرائيل هي الحلقة الضعيفة

10.04.2022
تسفي برئيل


هآرتس -تسفي برئيل
الغد الاردنية
 السبت 9-4-2022
بتأخير كبير وصل الأسبوع الماضي وفد وساطة من الجامعة العربية الى موسكو للالتقاء مع وزير الخارجية الروسي، سرجيه لافروف، وكي يعرض أمامه موقف الدول العربية من الحرب في أوكرانيا. هذا الوفد ضم وزراء خارجية مصر والجزائر والأردن والسودان والعراق والسكرتير العام للجامعة، الذين طالبوا الأطراف بوقف النار والتوصل الى حل دبلوماسي.
في الشبكات الاجتماعية العربية كتب في مدونة بأنه لا يوجد للجامعة العربية أي موقف أو أي قدرة على التأثير على الحروب في الشرق الأوسط، فكيف في المعركة بين الدول العظمى. “لدينا كل دولة تدير سياسة خارجية مستقلة، توقفوا عن إزعاجنا بـ”الموقف العربي”، طلب أحد المتصفحين في الانترنت.
هو على حق. فعندما تقوم دول عربية وتركيا وإيران وإسرائيل بنقل الرسائل بين أوكرانيا وروسيا، كل واحدة على حدة وحسب مصالحها، فإنه لن يبقى أمام الواجهة العربية ما تقترحه. أيضا في هذه المعركة تم رسم الخط الفاصل بين الدول الرابحة والخاسرة؛ من جهة، دول الخليج الغارقة في الأرباح الضخمة التي تجبيها من ارتفاع أسعار النفط والغاز، ومن الجهة الأخرى الدول الفقيرة التي تتسول مصادر الطاقة وتطرق أبواب الدول التي لديها قمح من أجل إطعام وتدفئة مواطنيها بأسعار مرتفعة، أدت الى انخفاض دراماتيكي آخر في مستوى الحياة.
على الرغم من ذلك، ما يزال يوجد للجامعة العربية دور تمثيلي مهم. مثلا، هي التي عليها أن تقرر إذا كانت ستعيد سورية الى الحضن العربي أو إبقاء بشار الأسد خارج الجدار. كما يبدو هذه قضية هامشية في كل النزاعات التي تنتظر الحل. ولكنها تمثل تردد الدول العربية، المطلوب منها ملاءمة نفسها مع الظروف الجديدة التي فرضت عليها في موسكو وفي كييف، في واشنطن وفي طهران.
في منتصف الشهر الماضي، زار بشار الأسد أبو ظبي والتقى هناك مع ولي العهد والحاكم الفعلي محمد بن زايد. هذا اللقاء الذي ابتلع بين تقارير المعارك في أوكرانيا، هو استمرارية لاستئناف العلاقات بين اتحاد الإمارات وسورية، وبين سورية والبحرين. هذه الزيارة أغضبت واشنطن التي عبرت عن خيبة أمل عميقة من هذا التجمع الذي اعتبر شرعنة عربية للأسد. والأكثر من ذلك، دعم الإمارات لسياسة روسيا التي تسعى الى إعادة الأسد الى مكانته العربية وغرس مخرز في عين الولايات المتحدة التي تطبق قانون العقوبات الشديدة ضد سورية.
أبو ظبي لم تتأثر فقط من غضب أميركا، بل هي أوضحت أيضا أنها لا تنوي الانضمام لفرض العقوبات على روسيا. العكس هو الصحيح، فرع العقارات في الإمارات يحظى بالاستثمارات الجديدة التي أحضرها معهم الأثرياء في روسيا. اليخوت والطائرات الخاصة يمكنها مواصلة الهبوط والرسو في موانئها كما تشاء. أيضا عرض الإخوة الذي جرى في الشهر الماضي في إسرائيل، الذي شارك فيه أربعة وزراء خارجية عرب ووزير الخارجية الأميركي، انطوني بلينكن، لم يقدم لواشنطن النتائج المأمولة. يجب التمييز، أوضح وزراء الخارجية العرب، بين مصالحهم وبين المصالح المشتركة بينهم وبين إسرائيل والولايات المتحدة. التشابه التقليدي المطلق بين دول الخليج ومصر وبين واشنطن لم يعد تشابها أعمى. روسيا في الحقيقة ليست حليفة استراتيجية، لكنها دولة عظمى ضرورية، حتى لو كسوط مهدد بواسطته تأمل الدول العربية الرائدة بجعل واشنطن تتعامل بجدية مع مطالبها.
من فهم جيدا الرياح الجديدة التي تهب من دول الخليج هي تركيا. بعد استئناف العلاقات بينها وبين اتحاد الإمارات الذي أثمر زيارات متبادلة لبن زايد وأردوغان، الواحد لدى الآخر، وتعهد الإمارات باستثمار عشرة مليارات دولار في الاقتصاد والبنوك في تركيا، يتوقع أن يكون لها استمرارية في هذا الشهر، أردوغان يمكن أن يزور للمرة الأولى الرياض، العاصمة السعودية.
النغمة الجديدة التي تصل من أنقرة تعكس انقلابا إزاء موقف تركيا التقليدي الذي طالب بإزاحة الأسد عن الحكم قبل أن توافق على التحدث حول مصالحة مع سورية. ولكن يبدو أنه لم يعد هناك أي شيء يمكن أن يفاجئ في عروض الأكروبات التركية الأخيرة. في هذا الأسبوع نشر في “ميدل ايست آي” أن تركيا قررت تعيين ساليا موتلو- شن سفيرة في القاهرة، وأنها تنتظر الآن مصادقة مصر على هذا التعيين. إذا كان هذا التقرير صحيحا فإنه بذلك سيصل الى نهايته النزاع بين الدولتين، الذي استمر أكثر من تسع سنوات ونتج عنه عداء عميق بين عبد الفتاح السياسي وأردوغان، الى درجة أنه كان يصعب تخيل أنهما يمكن أن يتصالحا في فترة حياتهما.
تحسين العلاقات مع مصر سيزيل أحد العوائق التي أعاقت استئناف العلاقات بين تركيا وإسرائيل. بسبب العلاقات الوثيقة مع القاهرة، فإنهم في القدس (المحتلة) انتظروا تسوية الخلافات بين مصر وتركيا قبل البدء في احتفال المصالحة مع أنقرة.
المكاسب الاقتصادية المتوقعة لمصر وإسرائيل وتركيا من إزالة السم الذي ميز علاقاتها، موضوعة تحت البحر. الدول الثلاثة تأمل بأن تستغل الدول الأوروبية التي ستقلص اعتمادها على موارد الطاقة التي تستهلكها من روسيا، وأن تتحول الى الدول المصدرة الرئيسية للغاز من الحقول الإسرائيلية والمصرية عبر تركيا وإلى أوروبا. من أجل تحقيق هذه المكاسب فإن تركيا مطلوب منها أن تبني مكانتها كعضوة مرغوب فيها في الشرق الأوسط العربي، وإذا كان الثمن حتى هو التصالح مع السيسي واسحق هرتسوغ وحتى مع الأسد، هذا يعد ثمنا مناسبا لإنقاذ تركيا من الأزمة الاقتصادية الشديدة التي توجد فيها في السنتين الأخيرتين.
من شأن هذه المكاسب أن تنعكس أيضا في استطلاعات الرأي العام التي قد تعيد لأردوغان البيانات الداعمة له، التي تراجعت عند انهيار سعر الليرة التركية.
الميكروسكوب الشرق أوسطي الذي يغير بصورة متواترة منظومة الصور المألوفة، ينتظر الآن التطورات في السعودية وفي إيران. الاتفاق النووي، الذي تمت صياغة مسودته، عالق الآن حول مسألة إزالة حرس الثورة من قائمة منظمات الإرهاب، لكن هذا التأجيل، الذي يمكن التخمين بأنه سيجد له صياغة ملتوية ومقبولة، لا يعيق رحلة استئناف العلاقات بين إيران والسعودية.
أربع جولات للمفاوضات جرت بين هذه الدول منذ العام 2020. وقبل ثلاثة أسابيع كان يتوقع إجراء جولة خامسة، التي تم تأجيلها بشكل أحادي الجانب من قبل إيران، التي لم تقدم أي تفسير للتأجيل. المتحدث بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، كتب بأن إيران حولت الى السعودية طلباتها خطيا وأنها تنتظر الرد من المملكة. في موازاة ذلك، باركت طهران وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بواسطة الأمم المتحدة بين الحوثيين في اليمن وبين قوات التحالف العربي، الذي أساس مكوناته هو الجيش السعودي والميليشيات التي هي برعاية ودعم اتحاد الإمارات. وقف إطلاق النار الذي تم اختراقه لم يتحطم، ويمكن أن يستمر لشهرين، خلالها سيسمح بدخول 18 ناقلة نفط الى ميناء الحديدة، ورحلتين لنقل الغذاء والدواء. هذا ما يزال لا يضمن انتهاء الحرب المستمرة منذ 2014، لكنه يمكن من القيام بخطوة دبلوماسية وإجراء مفاوضات بين الحوثيين وقوات التحالف.
يبدو أن الحوثيين يديرون أجندة خاصة بهم ليست دائمة متساوقة مع مصالح إيران. هكذا، يصعب حل التناقض بين أعمال الحوثيين ضد دول الخليج وبين سياسة طهران الحازمة من أجل إقامة علاقات جديدة مع السعودية وأبو ظبي. كل ذلك الى جانب إعدادات إيران لإعادة الدخول الى سوق النفط العالمية التي ستجبرها على تنسيق نشاطاتها مع الدول المنتجة للنفط في الخليج.
نسيج هذه الحركات ما يزال لم يكتمل، لكن الآن يمكن أن يعطي دول الخليج وتركيا ومصر مكانة جديدة أمام التطورات العالمية من خلال استغلال تداعيات الحرب في أوكرانيا من أجل بناء كتلة إقليمية لها أهمية مستقلة وغير مرتبطة بالضرورة بالولايات المتحدة أو روسيا. كتلة سيكون على الغرب، وبالأساس أميركا، أن تحسب حساب مواقفها وقوتها الاقتصادية. تصالح دول كانت حتى فترة متأخرة خصوما ألداء وحتى أعداء وضم إسرائيل كمركب أساسي في تنسيق سياستها وليس كعدوة، ستلزم إسرائيل بالتكيف وملاءمة نفسها مع “عمل الطاقم” بصورة يمكن أن تقيد حرية عملها وإلغاء لامبالاتها تجاه الرد العربي.
هذا لم يعد التحالف الموهوم للحرب ضد إيران، مثلما عرضه بنيامين نتنياهو عندما عقد “اتفاقات إبراهيم”، وأيضا ليس هو “ناتو عربي- إسرائيلي”. سيكون من الأكثر صحة أن نعتبر هذه البنية تحالفا لأصحاب مصالح، الذي عضويته ستقتضي رسم خطوط حدودية يمكن داخلها بناء تعاون حتى في إطار صراع. المشكلة هي أنه لكل دولة من دول المنطقة، الشريكة في بناء الخريطة الجديدة، توجد قيادات وأنظمة غير مرتبطة بائتلافات وأعضاء برلمان من شأنهم أن يتسببوا بانهيار حكوماتهم، في حين أن إسرائيل هي الحلقة الضعيفة، التي حتى إذا أرادت تسليم البضاعة المطلوبة منها فإنها بحاجة الى حكومة مستقرة يمكنها إنتاجها.