الرئيسة \  مشاركات  \  في دفع تمجيد القتلة

في دفع تمجيد القتلة

10.01.2016
إبراهيم العجلوني



كان من المنتظر، بحسب طموحات المخرج السينمائي الفرنسي «أبيل جانس» ان يكون فيلمه عن «نابليون» ملحمة من أربعة اجزاء، لكن العرض الأول للفيلم سنة 1938م، في اوبرا باريس وبحضور الجنرال ديغول واندريه مارلو ونخبة من الفرنسيين اقتصر على الجزء المتعلق بحملة نابليون الايطالية التي يرى مؤرخو هذا الطاغية انها مففتتح ما جاء بعدها من انتصارات!.
لقد تمخضت الثورة الفرنسية عن وقائع وشخصيات لا يمكن لنا بحال ان نضعها تحت لافتاتها المرفوعة عن الحرية والاخاء والمساواة، وان مما نجزم به انه لو اتيح للمسيو جانس مخرج الفيلم المذكور آنفاً ان يمضي فيه الى آخر اجزائه، وكان امينا او موضوعياً في تقديم هذه الشخصية العجيبة؟ لأمكن للفرنسيين قبل غيرهم ان يروا صورة بشعة قوامها الخداع والمكر والوحشية، ولا سيما ما كان في مذبحة يافا، حيث أمر نابليون بدم «ثوري بارد، بابادة ثلاثة آلاف يافاوي على شاطئ المتوسط، والتي ستظل انموذجاً ماثلاً على كيفية تمثل هذا الطاغية للمبادئ المعلنة للثورة الفرنسية، ناهيك به أنموذجاً لنقض العهود قلّما يعثر المؤرخون على ما هو اكثر منه دموية او احطّ منه في الأخلاق تسفلاً..
اننا لا نتوقع ان يجرؤ المخرج الفرنسي على تصوير هذه المذبحة «الهولوكوست» التي يمضي الاسرائيليون على آثارها، ويجددون العهد بدلالاتها، كما أننا لا نتوقع من المؤرخين الفرنسيين المعاصرين ان يعيدوا النظر في حملة نابليون على المشرق العربي الاسلامي، في ضوء ما يفترض بهم اعتماده من اعتبارات انسانية وحضارية أو أن يمتلكوا من صحوة الضمير، ما يؤهلهم لذلك.
واذا كان هذا افتراضاً بعيداً او مقصداً تحول دونه الحوائل، فان ثمة امكاناً قائماً لاعادة كتابة تاريخ حملة نابليون من وجهة نظر عربية، وهو امكان صدع بأوجهٍ منه إلياس طعمة في كتابه «الصحائف» الذي حققه (الاستاذ الدكتور زياد الزعبي، والعلامة محمود محمد شاكر) في كتاب: «رسالة في الطريق الى ثقافتنا»، وهي أوجه تملك استئناف الحديث بعدها في ضوء ما يُتاح لنا الظهور عليه من وثائق ومن حقائق لم يكن متاحاً الاطلاع عليها من قبل.
وبقدر ما نجد اعادة قراءة حملة نابليون واجبة على المؤرخ العربي الحديث، فاننا نرى الوجوب نفسه في قراءة «حملة بوش» على العراق او «حملة الناتو» على ليبيا، وكل حملة اخرى تستهدف أوطاننا تحت مؤتفك الشعارات ومختلف التعِّلات.
إن تحرير التاريخ من رؤى المستعمرين وتحكماتهم، ومن أوهام الذاهلين منا والمضاهئين دون أدنى تدبر، كل اولئك مسؤولية ينبغي ان يضطلع بها المستبصرون من أبناء هذه الأمة التي تتداعى الأمم عن أقطارها الواهنة، ثم يُطلب اليها، بكل صَلَفٍ، او تمجّد قاهريها، او أن تذوب غراماً بممزقي اوصالها الممعنين فيها، من البر والبحر والجو قصفاً وتقتيلاً.