الرئيسة \  مشاركات  \  في سوريا : داعش أم دواعش؟

في سوريا : داعش أم دواعش؟

17.11.2015
د. محمد أحمد الزعبي





1.
لابد من الإشارة بداية إلى أن " داعش " ( الدولة الإسلامية المزعومة ) كتعبير وكتنظيم ، إن هو إلاّ أحد مخرجات التلاقي والتلاقح الطائفي والسياسي المشبوه ، من جهة بين مثلث نظام عائلة الأسد في سورية ، وحزب حسن نصر الله في لبنان ، ونظام ولاية الفقيه في طهران ، ومن جهة أخرى ، نظام " اليوم التالي " لسقوط الاتحاد السوفييتي في نهاية ثمانينات القرن المنصرم ، أي النظام العالمي الجديد ، ومفكريه الاستراتيجيين أمثال صوموئيل هنتنجتون ( صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي الجد يد ) وفرانسيس فوكوياما( نهاية التاريخ والإنسان الأخير) الذين يرون في العلمانية الغربية وفي الاقتصاد الحر والديموقراطيىة الأوروأمريكية المثل الأعلى الذي على كافة دول المعمورة اتباعه ، لتصبح دولاً متطورة مثل أوروبا وأمريكا .
لايخفي الكاتب انحيازه وتبنيه لكل من العلمانية والديموقراطية ، بل والسوق الحر أيضاً ، ولكن هذا الانحياز وهذاالتبني لايمكن أن يصل به حد القبول بعلمانية أوديموقراطية مشروطة تلغي الآخر المختلف ، وهو مايمثل طعنا بمبدأ كل من العلمانية والديموقراطية في آن واحد. كما لايمكن أن يصل به ( الكاتب ) هذا الإنحياز والتبني ، إلى قبول أن تفتح أبواب ونوافذ وسماء بلده سوريا وتحت أية ذريعة ، لكل من هب ودب ، سواء لنصرة أهل الشام ، أو لتأسيس دولة إسلامية في العراق والشام ماأنزل الله بها من سلطان ، أو للمحافظة على مرقد الست زينب ( كي لاتسبى الست مرتين!!) ، أو حتى لمحاربة الإرهاب أو محاربة داعش .التي بات متفقاً على إدانتهما ( داعش والإرهاب ) من قبل كافة الأطراف ، بل وعلى النظر إليهما كتعبيرين مترادفين ، ولا سيما بعد أحداث باريس المؤسفة والمؤلمة يوم 13/14 نوفمبر الجاري .
2.
 إن رفضنا كمواطن سوري عربي مسلم ل " داعش " ، إنما يعود بصورة أساسية إلى كونها فصيل متعصب سلفوي تكفيري ، وبالتالي خارج عن مبادئ وقيم الإسلام . إننا لانقرأ الإسلام لا بعيون داعشية حولاء ، وعقول يابسة صماء ، ولا بعيون من تحوم طائراتهم في سمائنا ليل نهار، وتسقط براميلها وقنابلها المحرمة دولياً فوق رؤوس الجميع ( من مع داعش ومن ضدها ) ولا سيما الأطفال الأبرياء ، وإنما نقرأ الإسلام بعيون وعقول مفتوحة ومنفتحة على مبدأ " الاجتهاد" الذي هو ركن من أركان الإسلام دون منازع .
لقد سمحت لنا تلك الضجة العالمية الكبرى ، التي أثارها بداية النظام السوري ومن يشد على يديه من العرب والعجم ، ولاحقاً أمريكا وأوربا وروسيا ، حول داعش ،( سواء تحت هذا المسمى ، او تحت مسمى " العصابات المسلحة "، أو " الإرهاب " ) أن نتوقف عند هذه الظاهرة المثيرة للجدل ، لنقول فيها رأياً يمكن أن يكون بدوره مثيراً للجدل أيضاً .
يدخل في إطار مابات معروفا ( في سوريا خاصة ) ب " داعش " ـ وهذا حسب رؤيتنا الخاصة ـ ثلاث مجموعات ، متداخلة ومتماثلة من حيث الشكل ( اللباس ، الذقن ، الراية ) ، ولكنها متباينة من حيث المضمون ، سواء في موقفها ( المعلن أو المضمر ) من نظام عائلة الأسد وشبيحته ومناصريه ، أو في فهمها الخاص لتعاليم الاسلام ، سواء في عموديهً الأساسيين : القرآن والسنة ، أو في عموديه الفرعيين : الإجماع ، والقياس القائم على الاجتهاد . هذه المجموعات الثلاث هي :
أ) داعش النظام ، وهي مجموعة تابعة للنظام السوري ، وتتلقى الأوامر منه ، فيما ينبغي فعله أو عدم فعله. ولعل هذه المجموعة " المصطنعة " الدخيلة على الثورة، ربما تكون المسؤولة عن قسم أساسي من تلك الأفعال المدانة أخلاقياً ، والتي جرى ويجري تسويقها عالمياً على أنها أفعال إسلامية !!. إنها واقع الحال لعبة النظام وأنصاره المعروفين ، وهدفها الأساسي ، هو تشويه صورة ثورة آذار 2011 السورية ، بل وثورات الربيع العربي كلها داخلياً وخارجياً .
ب) مجموعة الإسلاميين المتطرفين الذين كانوا في سجون بشار الأسد ، وأطلق سراحهم وهو يعلم أنهم سيقاثلونه ، بما هم جماعة سلفية متطرفة ومتعصبة ومرتبطة بالماضي على حساب الحاضر والمستقبل ، بحيث يمكن للنظام توظيف مواقفهم وآراءهم المتطرفة في تبرير مشروعه الطائفي ، ولاسيما تحالفه المشبوه مع إيران وحسن نصر الله ، ولاحقاً بوتين ، وفي تقديم هذه الآراء والمواقف المتطرفة والمتعصبة والبعيدة عن وسطية الإسلام ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس / البقرة 143) للعالم عامة وللغرب خاصة على أنها هي الإسلام .
ج) مجموعة الإسلاميين السلفيين المتطرفين ، أي الذين يعتبرون الكمال في الماضي وليس في الحاضر ولا في المستقبل . وهم من هذه الزاوية مسلمون "رجعيون" أي يدعون إلى الرجوع إلى الوراء بدل التقدم إلى الأمام ، ولكنهم يعتبرون مع ذلك أقل تطرفاً وتعصباً في آرائهم ومواقفهم من داعش السجون . إن مايجمع بين هذه المجموعة و المجموعة التي قبلها ( داعش السجون )، هو عداؤهما للآخر المختلف ، سواء أكان هذا المختلف من أتباع المذاهب والديانات الأخرى ، أو أكان مسلماً مخالفاً لهما في الرأي والموقف ، وهو ما سمح للعالم بإدخالهما معاً في توصيف إجتماعي وسياسي واحد هو " الإرهاب" وجعل بالتالي كلمة داعش مرادفة لغوياً لكلمة لإرهاب . وجات أحداث باريس ليلة 13 / 14 الجاري لتؤكد صحة هذه المرادفة .
3.
إن الإشكالية التي يطرحها موضوع داعش هي ـ وفق تصورنا ـ أن وحدة الشكل ( اللباس ، الذقن، الراية السوداء ) بين أتباع المثلث الداعشي الذي مر ذكره، قد جعلت الأبواب والنوافذ مشرعة بين أتباع هذا المثلث ، وسمح بالتالي للنظام ولأعوانه في الشرق والغرب أن يوظفوا هذه الورقة الداعشية في مشاريعهم المعادية لثورات الربيع العربي ، ولا سيما في تكوين دواعش مضادة لهذه الثورات ، على قاعدة " لكل شيئ آفة من جنسه " مثل : ( الحشد الشعبي في العراق ، قوات الدفاع الوطني في سورية ، الحوثيون ( أنصار الله ) في اليمن ، حزب الله في لبنان / حالش ، سرايا قاسم سليماني الإيرانية ، بعض الفصائل الكردية .. الخ ) وذلك بغض النظر عن الفارق الكمي والنوعي بين هذه الجماعات والمجموعات ، وعن الفارق في أهدافها الظاهرة والمضمرة . كما أن عدداً من الدول الغربية ( الغزو الأوروأمريكي للعراق عام 2003 ، الغزو الروسي لسوريا 2015 ، الدعم الأوروأمريكي للأنظمة االاستبدادية في الوطن العربي ولا سيما في سورية والعراق ومصر ) ، جعلت من " داعش " الجسر الذي تعبر عليه ومنه إلى سماء وأرض العرب ، تحقيقاً لمصالحها الاقتصادية والسياسية المعروفة للجميع .
إننا واقع الحال في سورية ، أمام عدو واضح المعالم ، يمثله مثلث بشار الأسد والخامنئي وبوتين ، وتمثل داعش بالنسبة إليهم الثلاثة القاعدة التي تنطلق منها صواريخهم وطائراتهم لتقتل أطفالنا ونساءنا ، بينما تقف في الضفة الأخرى معارضة مشتتة عاجزة مرتبكة الرأي والرؤية ، تنتظر براميل النظام المتفجرة تنزل فوق رؤوسها كل صباح ، ثم تقضي سحابة يومها في دفن من قتلتهم هذه البراميل ، ولكن أيضاً ، في البحث عن مناطق أو بلدان آمنة تؤوي مابقي من عائلاتهم ، وتحميها من جحيم براميل بوتين وبشار الأسد ، القادمة إليهم في اليوم التالي ، ولا يهم أن تكون هذه البلدان عربية أو أجنبية ، وأن يكون الطريق إليها آمناً أو غير آمن .
نعم إن داعش ( الدولة الإسلامية المزعومة ) هي من أعطى الدول الأخرى ، البعيدة عن العراق والشام الحجة والتبرير لحشد جيوشهم في سمائنا وفوق أرضنا ، وعليها أي داعش إن كانت صادقة في ادعاءاتها الإسلامية ، أن تتخلى عن رموزها المحزنة التي عفا عليها الزمن ، ولاسيما الراية واللباس ، بل وعن تنظيمها الذي بات مداناً عربياً وإسلامياً وعالمياً ، والذي جلب إلى بلداننا وإلى ربيعنا العربي معظم المتاعب التي نعاني منها اليوم ، وأن تنضم إلى الجيش السوري الحر ، الذي أخذ شرعيته من رفض عناصره من الضباط وضباط الصف والجنود إطلاق النار على إخوانهم المتظاهرين وانشقاقهم عن جيش بشار الأسد " العقائدي "!! أي الطائفي على هذا الأساس ، وتعمل تحت رايته الوطنية المعروفة ، راية استقلال سوريا عام 1946 .