الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في فضائل الذهاب إلى جنيف

في فضائل الذهاب إلى جنيف

09.10.2013
ثائر الزعزوع


المستقبل
الثلاثاء 8/10/2013
قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، وبات لزاماً على الأطراف جميعاً أن تشد الرحال، وتسير هوناً باتجاه جنيف، جنيف المدينة السويسرية الجميلة، الآسرة، ستفتح أبوابها من جديد لاستقبال ممثلي "الشعب السوري" بعدما حسم الرعاة الأمر، وأوعزوا أن لا حل ممكناً إلا في جنيف، ثم لماذا ليس في القاهرة مثلاً، ولا في جدة أو دبي، لماذا جنيف؟ ليس مهماً، لكن ربما ليؤنسوا وحشة بحيرتها في بداية الشتاء، وقد غادرها السائحون.
ولكن قبل الذهاب إلى جنيف، أفرغ كل من الطرفين ما في جعبته، هذا لن يتخلى، وهذا لن يتخلى، وكأن الذهاب هو رحلة استجمام أو استعراض عضلات، وليس مؤتمراً طال الحديث عنه أشهراً، وينبغي الخروج منه بنتيجة تكون كفيلة بإيقاف النزيف الذي لم تعد نيرانه تطال سوريا فقط بل هي تمتد إلى دول الجوار وجوار الجوار أيضاً، وقد تصل آثارها إلى أوروبا وربما الولايات المتحدة الأميركية في حال قرر الملثمون إسلامياً العودة إلى بلادهم، وممارسة هوايتهم في التكفير والتفجير، كل هذا يلخص الوضع السوري، ولكن ما لا يلخصه أبداً هو ابتسامات يجود بها الحاكم الجالس على كرسيه مطمئناً خلال لقاءاته التلفزيونية الكثيرة في الفترة الأخيرة، حتى أنه بات ينافس محللي قنواته التلفزيونية ويسابقهم في عدد مرات الظهور، بين القنوات الصينية والأميركية والإيطالية والروسية بطبيعة الحال، وهنا ينبغي التوقف قليلاً فالروس تحديداً تبدو ضحكتهم أكثر تألقاً فقد كسبوا الجولة الكيميائية واستطاعوا تجنيب "فتاهم المدلل" ضربة عسكرية كانت قاب قوسين أو أدنى، وقد أجبروا الأمريكيين الغاضبين على سحب كلامهم والتراجع خطوتين إلى الوراء ليقولوا بشيء من الحياء، نحن لسنا هواة حروب، ونبحث عن فرصة للسلام، وكأن الجمل بما حمل تختصره ضربة كيماوية مقصودة، بل كأن مئة وخمسين ألفاً غادروا الدنيا منذ الثامن عشر من آذار مارس عام 2011 وحتى الآن هم أشخاص وهميون، وربما يكونون أكاذيب.
وبالعودة إلى جنيف، فلا بد هنا من ذكر حسنات المدينة التي قد تكون قادرة على تهدئة أعصاب المتخاصمين، بسبب هوائها النظيف، وجوها العابق بنسائم لطيفة، ما سيؤدي بالضرورة إلى نشر الجو المأمول، كي تزول إلى غير رجعة الخلافات والاختلافات وتفتح صفحة جديدة يسودها الحب والوئام، بعيداً عن خبث الخبثاء والمحرضين، وبما أن الدعوة مفتوحة فسيذهب الجميع، مائدة كبيرة يجلس حولها كل من هب ودب ليقرر وينظّر، ويبحث عن حل، من هنا اقتراح ومن هنا رأي، وسيكون لزاماً على الجميع أيضاً أن يهزوا رؤوسهم أمام الكاميرات في مؤتمر صحافي لاحق ليعلنوا أن الأمور بخير، كل شيء بخير..
فهل كل شيء بخير؟
سبعة ملايين نازح ولاجئ هم عبء ثقيل لا تتحمله جنيف، ولا قاعة مؤتمرها المنتظر، كما أن الدمار الكبير في كل شيء تقريباً يمكن إرجاؤه ريثما يقرر "سيادته" الطريقة التي سيترشح بها لرئاسة ثالثة تمكنه من البقاء سبع سنوات إضافية، عندها سيسعى لإعمار البيوت، وإعادة المهجرين والنازحين، وستعود سوريا أفضل مما كانت من قبل، والكلام قاله وهو يبتسم، مشكلة هذا الرجل أنه لا يكف عن الابتسام، وكي لا نظلمه فمعارضوه أيضاً يبتسمون، ويرتدون وفق ما تشير صورهم الكثيرة بزات أنيقة، وهم يهتمون بلياقتهم الشخصية بعد أن تحولوا إلى نجوم تلفزيونيين، فترى الواحد منهم أنيقاً، قادراً على تمرير دعابة في أثناء حديثه التلفزيوني، وهل يعقل أن يطلوا على جمهورهم مكشرين؟ ولماذا يكشرون؟
كل هذا في الطريق إلى جنيف، هي أيام قليلة وتبدأ الدعوات تتسرب، وستمنح جنيف، المتمنعة عن منح اللاجئين بطاقة دخول جنتها، تأشيرات براقة للجميع أن هلموا واجتمعوا، تعالوا فكل شيء متاح لكم، اصرخوا، واغضبوا، واعترضوا، ثم وقعوا بصمت، ومن دون صوت، وغادروا قاعة المؤتمر باسمين، ابتسموا للعدسة فثمة طفل هناك في مكان ما من الكوكب المسمى سوريا غير قادر على الابتسام لأن فوهة بندقية موجهة نحو وجهه الصغير... لا تبالوا به، فبعد جنيف ستكتمل الحكاية، ليس إلا جنيف قادرة على إكمال الحكايات، دائماً تستطيع جنيف أن تجد الحلول، وإزالة التعب، وقد أخطأت اسمهان حين غنت لـ"فيينا" ولم تغنّ لجنيف...