الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في ضرورات الوحدة حول "جنيف2"

في ضرورات الوحدة حول "جنيف2"

23.10.2013
فايز سارة


المستقبل
الثلاثاء 22/10/2013
رغم ان ثمة حركة دبلوماسية نشطة تتواصل عبر عواصم كثيرة من اجل عقد مؤتمر جنيف 2 الخاص بمعالجة القضية السورية، فانه ليس من تأكيد بان المؤتمر سيعقد في وقت قريب، والسبب الاساسي في ذلك عدم توفر البيئة المناسبة لانعقاد المؤتمر، ولعل الابرز في ذلك موقف نظام دمشق الذي وان كان قد اعلن موافقته على حضور المؤتمر استجابة لمطالب شريكه الروسي، فانه يضع اشتراطات من بينها ان المؤتمر لن يبحث في انتقال السلطة في سوريا، وان النظام لن يحاور الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، ولا الجيش السوري الحر، وسيحاور فقط احزاب المعارضة المرخصة في دمشق.
وتشكل اشتراطات نظام دمشق تحدياً، ليس لهدف المؤتمر برفض الدخول في اطار حل سياسي للوضع السوري فحسب, بل لجهود رعاة جنيف2، وللمجتمع الدولي الساعي الى معالجة الوضع في سوريا، وقد تجاوزت تردياته السياسية والامنية والانسانية حدود سوريا الى محيطها والى الدول الابعد من ذلك، التي اصابتها بعض تداعيات الوضع في سوريا.
واشتراطات النظام على اهمية اثرها في تأخير عقد مؤتمر جنيف2، او في افشال عقده، لاتمثل العقدة الوحيدة امام جنيف2. ذلك ان وضع المعارضة السورية وموقفها، قد يعيق انعقاد المؤتمر او يؤجله، وبين الاسباب ان المعارضة ليست موحدة في موقفها من المشاركة، وهذا سوف يؤثر على شكل مشاركتها، اذا يطرح فكرة مشاركة عدة وفود للمعارضة بخلاف ما ينبغي ان يكون عليه الحال في حضور وفد موحد للمعارضة مقابل وفد النظام.
ثم هناك انقسام المعارضة ازاء جنيف2، حيث هناك ثلاثة مواقف رئيسية، تبدو مختلفة، اولها موقف اعلن موافقته على الذهاب قريباً مع تصورات الداعين للمؤتمر في امكانية الوصول الى معالجة للوضع السوري، وهذا هو موقف هيئة التنسيق وقوى اخرى قريبة منها، والثاني موقف يرفض المشاركة في المؤتمر لانه لايضمن رحيل النظام ورئيس النظام، ويتبنى الجيش السوري الحر هذا الموقف، وقد انضم اليه المجلس الوطني السوري في قرار امانته العامة الاخير، والموقف الثالث، هو للائتلاف السوري الذي يفترض ان يقرر موقفه في دورة جمعيته العامة بعد ايام بما يتوافق مع توجهاته الاساسية، التي سعى رئيس الائتلاف الى تأكيد جوهرها في امكانية مشاركة الائتلاف، اذا توفرت ظروف من بينها ضرورة تأمين غطاء عربي واسلامي للمشاركة، ووجود ضمانات دولية لحكومة انتقالية وبرنامج زمني يؤديان الى رحيل النظام.
وسط تلك التعقيدات في مواقف المعارضة السورية، يبدو موقف المعارضة ضعيفاً، وهو ضعف يضاف الى ضعفها العام ممثلاً في تشتتها وانقسامها ونمو جماعات التطرف القومي والديني في البلاد وخاصة لجهة توسع قوة ونفوذ الدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش" وجبهة النصرة المحسوبتين على تنظيم القاعدة، بالتزامن مع اختلال توازنات القوة القائمة على الارض بين قوى المعارضة العسكرية وقوة النظام، وفي ضعف الدعم الاقليمي والدولي السياسي والمادي للمعارضة مقارنة بما يقدمه حلفاء النظام له من دعم سياسي وعسكري ومادي يجعله قادراً على الاستمرار في حربه على السوريين لاخضاعهم، وكلها عوامل تضاف الى الانهاك الشديد الذي يصيب القطاعات الاوسع من السوريين نتيجة تدهور اوضاعهم المادية والمعاشية والانسانية، التي وصلت حد الكارثة، مما اضعف الحاضنة الشعبية للمعارضة بكل تنظيماتها وقواها.
الشيء الاساسي في مؤتمر جنيف2، انه يطرح بوصفه ممراً اجبارياً لبداية حل سياسي للوضع السوري بعد ان كثرت التأكيدات على عدم وجود حل عسكري للوضع، وقد استحكمت قواه المحليه في مواقع سياسية وعسكرية لا تمكنها من النصر، ولاتسمح بهزيمتها الى حد انتصار فريق على آخر بالقوة المسلحة.
والامر في الخلاصة يفرض على المعارضة تعاملاً مسؤولاً مع جنيف2، لان مابعده (اذا عقد) سيكون مختلفاً عما قبله، وهذا يفرض على المعارضة بكل تجمعاتها وجماعاتها التدقيق في موضوع جنيف2، ومايحيط به وبها وبالقضية السورية من ظروف وبيئات بحيث يمكنها اتخاذ القرار الصائب والافضل حول المشاركة في جنيف2 او عدم المشاركة.
ان التدقيق في تفاصيل ومايحيط بالقضية السورية، يبين على نحو واضح، ان ثمة توافق اقليمي ودولي على فتح حل للوضع السوري، وهذا مايمثله جنيف2، او اي جهد اخر سيأتي بعده اذا فشل جنيف2، بمعنى ان امراً كهذا سيكون ممراً مفروضاً للحل في المدى المنظور، مما يعني ان حضور جنيف او غيره، وان كان لا يلبي طموحات المعارضة واهداف ثورة السوريين، فان الغياب عنه سيكون اكثر ضرراً، وسيعطي النظام قوة اكبر في حربه ضد الشعب والثورة وضد المعارضة، ويعزز فرص بقائه في الفترة القريبة القادمة.
ويتطلب الوضع السابق بمافيه من اكراه سياسي للمعارضة في الذهاب الى بوابة الحل السياسي سواء في جنيف او غيره وحدتها او وحدة برنامجها وتكتيكاتها، وكلها امور ممكنة اذا توفر فهم عميق وارادة صادقة في اخراج الوضع السوري مما صار اليه من انسدادات، تدفع لاستمرار النظام في مسار القتل والتهجير والتدمير، وفي تصاعد الصراعات المسلحة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، التي يتنامى فيها التطرف الديني والقومي الموازي لتطرف النظام.
واذا كان من الصعب في ضوء التجربة توحيد المعارضة وتوحيد برنامجها، فان من الممكن الانطلاق من اقامة توافق لها حول بوابة الحل السياسي على نحو ماتمت صياغة برامج ومواقف سابقة في المجلس الوطني وهيئة التنسيق والائتلاف السوري، وهذا سيساعد في تقريب مواقفها وتعزيز علاقاتها، ويمهد لعمل مشترك رغم الاختلافات الايدلوجية والسياسية القائمة بين مختلف الاطراف فيها.
ان المحتوى الاساسي لمؤتمر جنيف2، يقوم على مضمون جنيف واحد بنقاطه الست المعروفة، التي تؤكد الانتقال نحو نظام ديمقراطي جديد، يوفر الحرية والعدالة والمساواة للسوريين، وكلها بين المسلمات، غير انه وللوصول الى ذلك عبر المفاوضات، لابد ان تتوفر بيئة مناسبة، تقوم على اربع عناصر اساسية، اولها حاضنة دولية لرعاية المؤتمر، وثانيها ضمانات دولية بتنفيذ مقررات المؤتمر وفق جدول زمني، والثالث وفد موحد للمعارضة اساسه الائتلاف باعتباره اوسع تمثيل سياسي سوري، والرابع خطوات تنفيذية من النظام، توحي بانه سيتعامل بصورة جدية مع جنيف2 ومقرراته، وابرز الخطوات اطلاق المعتقلين وفك الحصار عن المناطق المحاصرة والسماح بادخال المساعدات وبدء عودة المهجرين الى مناطقهم.
ووفق هذا المحتوى لبوابة الحل السياسي، يمكن تشكيل فريق موحد يمثل المعارضة، يكون مسؤولاً عن ادارة ملف الحل السياسي والتعامل معه انطلاقاً من التوافقات المحددة، والتي ينبغي ان يتم الاحتكام اليها في تقدير الموقف من القضايا المستجدة وفي طريقة التعامل معها، بل ان المطلوب في هذا الجانب توفير طواقم من الخبرات السياسية والدبلوماسية والاعلامية لتدعم فريق العمل الموحد، وتساعده في ادارة الملف حيث دعت الحاجة.
ان المعارضة السورية امام تحدي حقيقي يطرحه جنيف2 باعتباره بوابة لحل سياسي للقضية السورية. والسؤال الطبيعي عما اذا كانت المعارضة ستكون بمستوى هذا التحدي ام لا؟. لقد عاشت المعارضة اوضاعاً بائسة في العامين والنصف من عمر الثورة، وعجزت عن مواجهة تحدياتها، والمطلوب اليوم ان تأخذ زمام المبادرة بصورة مختلفة وبعقلية وادوات مختلفة في ظروف ليست اقل صعوبة عما كانت عليه ظروفها السابقة.