الرئيسة \  واحة اللقاء  \  في قلب النار على سوريا

في قلب النار على سوريا

02.07.2017
حنا صالح


الشرق الاوسط
السبت 1/7/2017
مخيف المشهد وسوريالي. سباق محموم إقليمي ودولي في سوريا، والهدف ملء الفراغ الناشئ عن هزيمة "داعش".
كلما أمعنا النظر بما يدور فوق الميدان السوري، وكيفية انتشار القوى الخارجية، التي تتبدل مواقعها كل يوم، يثور السؤال طارحاً نفسه: أين سوريا اليوم؟ الجغرافيا ممزقة، الدولة بكل ما ترمز إليه جرى الإجهاز عليها، أما السكان فأكثر من الثلثين هم اليوم بين نار الاقتلاع الديموغرافي والهجرة القسرية، ونار القهر خضوعاً لميليشيات - ماريونات، من رعاع الأرض الذين اختصروا الإجرام في ذواتهم، لا يتورعون عن ارتكاب أبشع الموبقات خدمة لأسيادهم من طامحين محركين وممولين.
كل المباحثات التي تدور، في "آستانة" حول مناطق "تخفيض التصعيد" أو "مناطق آمنة" كما هو مطروح بشأن الجنوب السوري والجنوب الشرقي، أو في "جنيف" حول جدول الأعمال أو "سلال" دي ميستورا، تتجاهل واقعياً الأساس، وهو وجود بلد اسمه سوريا وله أهله وطموحاتهم وأحلامهم.
في "آستانة" مباحثات بين "الدول الضامنة"، تسفر عن اتفاقيات فيما بينها وآخرها مناطق "تخفيض التصعيد"، ولا أحد يسأل عن بلد موجود أو عن رأي من يمثل أهله من السوريين، سواء أكانوا نظاماً متجبراً أو معارضة متهالكة متفسخة. الأولوية في "آستانة" تتمحور حول حجم نفوذ القوى المتدخلة وكيف يجب ضمان أولويات حصصها ودورها... وفي "جنيف" حلقة مفرغة ضاعت معها عمداً كل عناوين "المرحلة الانتقالية" وضرورة إنجاز التسوية السياسية... وباختصار فإن هاجس كل الأطراف المتدخلة زيادة حصتها من الكعكة السورية، بعدما باع النظام البلد بوهم تأبيد البقاء، يقابله معارضة سهّلت السقوط عندما وقعت في فخ العسكرة الطائفية على وجه التحديد، وفتتها تناحر أمراء الحرب المتطرفين على الإتاوات والسعي للتملك والاستئثار بالثروات.
على الأرض، لم تعد القوى المتدخلة بحاجة لمجرد غطاء من الأطراف السورية المشتتة. "الحرس الثوري" يدفع بأذرعه الميليشياوية الآتية من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان نحو عمق البادية، مطمئناً إلى السيطرة على القلمون الغربي والتغييرات الديموغرافية في محيط دمشق، والهاجس الوحيد ضمان الممر البري بين طهران والمتوسط عبر سوريا والعراق. الجيش التركي يحشد الألوية ويستعد لإطلاق "درع العاصي" رداً على الانتشار الإيراني، لتوسيع السيطرة التركية باتجاه الشمال الغربي في ريف حلب الغربي وفي إدلب بعرض يبلغ 35 كلم وعمق يتجاوز الثمانين كلم... وأميركا القلقة من تقدم تركي باتجاه مناطق السيطرة الكردية تدفع بأرتال من قواتها إلى تل أبيض أقصى الشمال السوري... والروس الموجودون بكثافة في كل "سوريا المفيدة" لم تعد قاعدتا "حميميم" و"طرطوس" على الساحل السوري تكفيانهم ووجودهم شرق حمص، فينشئون قاعدة جديدة في "خربة رأس الوعر"، تمكنهم من الإمساك متى أرادوا بالجنوب السوري، من خط وقف النار في الجولان وعلى امتداد الحدود السورية مع الأردن حتى التنف. وكل ذلك ارتباطاً بالمفاوضات مع الأميركيين لإقامة منطقتين آمنتين، الأولى من القنيطرة إلى السويداء والثانية من درعا حتى التنف، أبرز مناطق الوجود الأميركي المباشر شرق سوريا، حيث زجّت واشنطن منظومة "هيمارس" الصاروخية الاستراتيجية لحماية الانتشار الأميركي والقوات الحليفة له. وتراهن موسكو على أن الوجود المباشر لوحداتها هو ضرورة، إذا ما تم إبرام اتفاقية المناطق الآمنة التي تفترض إبعاد الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له مسافة 50 كلم إلى الشمال.
من المناطق الآمنة بين الجولان والحدود مع الأردن، وتزامناً مع رسائل إسرائيلية واضحة عبر الضربات المتلاحقة ضد وحدات من أذرع "الحرس الثوري" في القنيطرة لفرض إجلائها، تبدو الأولوية الأميركية الإمساك بالحدود بين سوريا والعراق، مقدمة بذلك هدف تحجيم الوجود المادي الإيراني، وارتباطاً بذلك الدور الإيراني، على ما عداه، وهو الذي تحمله واشنطن مسؤولية كبرى عن زعزعة استقرار كل المنطقة.
كل ما يجري من معارك مباشرة وبالواسطة فوق الميدان السوري، خلفيته واحدة مفادها أن التسوية معلقة، وما يتم أشبه بتقسيم سوريا لمناطق نفوذ بين القوى المتدخلة في المقتلة السورية. والجديد تقدمٌ في المساعي والضغوط لتحجيم الدور الإيراني، وبروز مؤشرات عن وضع ميليشيات نظام طهران أمام احتمال مواجهة مباشرة مع الأميركيين، فسمعنا جزءاً من الرد الإيراني من لبنان، في احتفال يوم القدس، عندما هدد السيد نصر الله باستقدام مئات ألوف "المجاهدين" من اليمن والبحرين وإيران والعراق وأفغانستان وباكستان للمواجهة مع إسرائيل (...)، وبمعنى آخر، لفتح حرب لها وظيفة محددة، خدمة المشروع الفارسي الزاحف، ولو أدى ذلك إلى خراب عميم، وجعل لبنان كله جزءاً من المقتلة السورية، فتلتهم نارها أخضره واليابس... تمهيداً لاختطافه. هذا الدور الذي يتجاوز في مخاطره حرب العام 2006 الكارثية، لم يجد له بعد أي رد رسمي من جانب الحكومة اللبنانية، حيث "حزب الله" أحد أبرز مكوناتها، أو من جانب الذين يتغنون بالبيان الوزاري وخطاب القسم عن النأي بلبنان بعيدا عن حرائق المنطقة.
لا يفيد دفن رأس السلطة في الرمال، ولا يفيد السكوت الحكومي المريب، وكل لبنان الرسمي على محك إعلان رفض هذه الاستباحة حرصاً على البلد وحقناً لدماء أبنائه، ولا أحد يستخف بأهمية سلاح الموقف وتأثيره عند اللجوء إليه في الوقت المناسب.