الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ​ماذا وراء استقبال أوروبا للأعداد الكبيرة من المهاجرين؟

​ماذا وراء استقبال أوروبا للأعداد الكبيرة من المهاجرين؟

22.09.2015
علي بشار بكر أغوان



القدس العربي
الاثنين 21/9/2015
أصبحت ظاهرة الهجرة البشرية الجماعية عبر قوارب الموت المطاطية شيئا طبيعي يمكن مشاهدته يومياً على سواحل مدينتي إزمير وبودروم التركية.
يمثل العراق وسوريا مصدرين رئيسيين يشكلان أكثر من 90 في المئة من نسبة عدد المهاجرين إلى أوروبا، تليهما كل إيران وافغانستان وليبيا واليمن والصومال، من ثم باقي الدول الأفريقية والآسيوية.
هذه الظاهرة بدأت تتضاعف بشكل كبير تدريجيا خلال الشهرين الماضيين بعد تقديم التسهيلات الكبيرة من قبل الحكومة التركية، عبر السماح للمهاجرين العراقيين والسوريين بمغادرة البلاد بصورة غير رسمية، عبر البحر متوجهين إلى أوروبا، فضلا عن التسهيلات الكبيرة التي قدمتها كل من اليونان وألمانيا وبلجيكا والنمسا وبولندا للمهاجرين، الأمر الذي شجع بشكل كبير أعدادا غفيرة من المواطنين في سوريا والعراق إلى السفر إلى تركيا، ومن ثم العبور إلى أوروبا. مسار الرحلة ينطلق من مدينة بودروم أو إزمير التركية، والانطلاق بالبحر نحو اقرب جزيرة يونانية، غالبا ما تكون جزيرة «كوس» من ثم الذهاب إلى اثينا وإكمال الطريق بعد ذلك إلى مقدونيا، ثم صربيا فهنغاريا وصولاً إلى النمسا كمحطة لبعض المهاجرين الراغبين بالاستقرار فيها بشكل نهائي، بيد ان بعضهم يفضل التقدم والمسير قدماً نحو ألمانيا وبلجيكا وبولندا.
هذه الظاهرة تم بحث أسبابها والحديث عن دوافعها، وأجمع غالب المحللين والمتابعين على ان الحرب تمثل محرك نفور هؤلاء الأفراد من بلدانهم الأصلية. بيد ان لهذه الظاهرة وجها آخر لم يتم بحثه ونقاشه باستفاضة، وهو أسباب التسهيلات الأوروبية التي تقدم للمهاجرين القادمين من بلدان النزاع في الشرق الأوسط. ربما النقاط التالية تلخص نسبياً أهم الأسباب التي تقف وراء فتح أبواب وأحضان أوروبا للمهاجرين بصورة كبيرة وتلخص جزءاً من السياسة الأوروبية المتبعة حيال هؤلاء اللاجئين:
اولاً: أوروبا قارة عجوز من الناحية البشرية ونسب الإنجاب فيها قليلة للغاية مقارنة بمناطق الشرق الاوسط والوطن العربي ودول افريقيا (المصدر الرئيس لتصدير المهاجرين)، حيث تتراوح النسبة بين دولة وأخرى بين 2.4 طفل لكل عائلة إلى 1.5 طفل، لتصل بالمجمل العام على نطاق أوروبا بشكل كامل إلى 1.95 طفل لكل اسرة وهذا الرقم قليل جدا في حسابات النمو الاقتصادي والحضاري الأوروبي.
ثانياً : النسب السكانية في أوروبا تتراوح أعمارها حول المعدلات التالية:
أ. الأطفال بين العام الواحد و 15 عاما من كلا الجنسين: 12 في المئة
ب. الشباب بين 16 عاما و30 عاما من كلا الجنسين: 27 في المئة
ج. المتجاوزون لسن الثلاثين عاما من كلا الجنسين 61 في المئة
د. نسب المتجاوزين لسن العمل في أوروبا مرتفعة للغاية، مقارنة بقلة الوفيات وقلة الولادات حيث تتراوح اعمار المتجاوزين لعمر 60، (17 في المئة من 61 في المئة العابرين لسن الثلاثين المذكورة أعلاه).
ملاحظة : نسبة الخطأ والصواب بهذه الإحصائيات ( زائدا 4 و- 4 (.
ثالثاً: العنصر الآسيوي الأصفر مفقود بشكل كبير في أوروبا مقارنة بالعنصر الأفريقي الأسمر الموجود بكثافة فيها، حيث ان التوجه الحالي لأوروبا يستقطب العنصر الآسيوي بشكل كبير لغرض إجراء توازن جيني وخوفا من طغيان العنصر الأسمر خلال 50 إلى 75 عاما المقبلة.
رابعاً : معادلة الهجرة بالنسبة لأي دولة أوروبية تكون على النحو التالي:
عدد سكان الدولة الأوروبية زائدا الناتج القومي الاجمالي زائدا معدلات البطالة، زائدا عدد فرص العمل الفعلية والمستقبلية زائدا أمورا أخرى يساوي العدد الكلي المطلوب من المهاجرين للدولة الأوروبية المستعدة لاستقبالهم. هذه المعادلة تمت صياغتها وفق بنود اتفاقية دبلن أو ما يسمى (بمنظمة أو تجمع دبلن) التي تنظم حركة المهاجرين داخل أوروبا وتوزعهم على البلدان وفقا لاحتياجاتها على أساس المعادلة أعلاه.
خامساً: في ما يتعلق بالجانب السكاني الديموغرافي، أوروبا، وحسب دراسات علمية منشورة، تشهد عملية انقراض سكاني كبير بسبب ثقافة وسياسات تحديد النسل، فهناك بلدان في أوروبا يتوقع ان تزول من الخريطة خلال 150 إلى 200 عام، اذا تم الاستغناء عن سياسات استيراد المهاجرين، مثل آيسلندا وبلجيكا وبولندا والنمسا وألمانيا.
سادساً: في ما يخص الجانب الاقتصادي فإن الفئة الصناعية العمالية تمثل قاعدة الاقتصاد الأوروبي، وهذه القاعدة عمودها الفقري الشباب، فأوروبا تفتقر بشكل كبير لفئة الطبقة العاملة التي تكون عماد الاقتصاد الأوروبي وروحه، لهذا تستقطب عنصر الشباب وتدعمهم. (مفهوم العامل يختلف اختلافاً كلياً عن مفهومه في بلدان الوطن العربي. من جانب آخر فإن دول الاتحاد الأوروبي وأوروبا بشكل عام، مقبلة على انفتاح اقتصادي عالمي جيوقاري يتجاوز حدودها الجغرافية، قاعدة هذا الانفتاح تكمن في قوة اقتصادها المتنامي القائم على أساس الصناعة بمختلف مجالاتها، فتعزيز القاعدة الصناعية الأوروبية هدف رئيس يعمل الأوروبيين الان عليه، لتعضيد مكانة أوروبا في النظام الدولي كبوابة أولى، من ثم التخطيط للعمل على أساس قيادة النظام الدولي. كل هذا الأمر يتطلب إعادة ترميم ديموغرافية السكان وطبيعتهم ونوعهم وتكثيف إعدادهم، لاسيما ما يتعلق بالعمالة، لهذا فإن استقطاب مهاجرين صناعيين عماليين سيكون واحدا من أهم دعامات هذا الانبثاق الأوروبي، لأن أوروبا تفتقر للأيدي العاملة المواطنة، وسياسة استيراد المهاجرين وتجنيسهم ستسهم بشكل كبير في تدعيم الاقتصاد الأوروبي.
سابعاً: أما ما يتعلق بالجانب العسكري، فنسبة كبيرة من المهاجرين الحاليين سيعملون بعد تأهيلهم وإعادة ترتيبهم اجتماعياً وفكريا في مؤسسات الجيش والأمن والدفاع العسكري (في المراكز غير الحساسة كجنود عاديين). وهذه القضية محبذة جدا بالنسبة للمهاجرين، لأنها تؤهلهم بصورة أسرع للحصول على الجنسية، كما ان بعض الدول تبحث في أن يكون جنودها العاديين من غير المواطنين الأصليين، كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ربما يتساءل البعض ويقول هل أوروبا تحتاج لزيادة عدد جنودها وتطوير جيوش، وهي تعيش بسلام وأمن منذ اكثر من 70 عاما؟ والجواب هو : لا توجد دولة تستغني عن سياسات الأمن والدفاع وإن تمتعت بقدر كافِ من الأمن والسلام. زيادة الجنود بنسب معينة لا يعني أنها عملية للاستعداد نحو الحرب بقدر ما هي حالة من حالات التطور الطبيعي للنظريات الأمنية في العلاقات الدولية، وحتى إن لم تحدث مشاكل وحروب داخل أوروبا أو المناطق القريبة، فالناتو كفيل بتوزيعهم في مناطق ساخنة حول العالم، فموت جندي ألماني الأصل على سبيل المثال في عمليات للناتو في افغانستان يختلف كثيراً عن موت جندي ألماني من اصل سوري او عراقي، في المكان نفسه. وليس بالضرورة ان يكون هؤلاء المهاجرون هم المستهدفين، لكن ربما يكونون أبناءهم أو أجيالهم القادمة. لكن الفرصة أمام هؤلاء اكثر إغراء للإسراع في الحصول على الجنسية، لاسيما اولئك الذين تقل أعمارهم عن 20 عاما .
ثامناً: النقطة السلبية التي تخشاها أوروبا – وهي تحاول علاجها بطريقة او بأخرى – ان نسبة 98 في المئة من المهاجرين الحاليين، يعتنقون الدين الإسلامي، وهذا سيؤثر بشكل كبير على ديموغرافية أوروبا، حيث ان بعض الدول الأوروبية، التي يتوقع أن تتجاوز نسبة المسلمين فيها 47 في المئة خلال الـ50 عاما المقبلة، وفي دول أخرى قد يتجاوزون الـ 60 في المئة خلال المدة المذكورة نفسها. بيد ان قضية الدين يمكن تجاوزها ببرامج إعداد اجتماعية تتم من خلالها تهدئة الأشخاص الذين قد يولد لديهم فكر متطرف من المهاجرين داخل أوروبا، وهي سياسات ناجحة رغم وجود شذوذ يظهر هنا وهناك بين الحين والآخر .
تاسعاً: السؤال الأهم لماذا لا يستورد الأوروبيون أيادي عاملة رخيصة؟ والجواب هو: ان الأوروبيين يسعون لتقوية الناتج القومي الإجمالي داخل أوروبا، فاستيراد العمالة الآسيوية او الأفريقية الرخيصة يعني خروج عملة صعبة كبيرة خارج أوروبا، وهذا ما يضعف الاقتصاد ويرهله، لكن سياسة استيراد العمالة وتجنيسها تسهم بشكل كبير في بناء وتعضيد الناتج القومي الإجمالي داخل البلدان الأوروبية. فالأوروبيون بالتأكيد يفكرون بالمستقبل . لكن من الصعب ان نقارن مهاجر مسلم قدم إلى أوروبا الآن بحفيده بعد اكثر من 50 عاما من حيث العادات والتقاليد، وحتى الدين حيث ان هؤلاء سينصهرون بالنسيج الأوروبي وعائداتهم المالية ستبقى داخل أوروبا، ولن يخرج إلى بلدانهم الأصلية الا القليل منها وهذا سيزيد متانة الاقتصاد الأوروبي والنواتج القومية الإجمالية، وفق فكرة بدل ان اجلب عاملا أجنبيا، اجلب مهاجرا وجنسه لكي تبقى العائدات داخل البلد.
عاشراً وأخيراً: أوروبا قائمة ومتعاقدة على اتفاقيات مهمة تتعلق بحقوق الإنسان ومساعدة اللاجئين في أوقات الحرب والنزاعات المسلحة، كما انها ملتزمة، سواء بصفتها الرسمية كدول للاتحاد أو منظمات مستقلة عن الدولة بدعم المهاجرين وتوفير فرص جيدة للحياة لهم بعيدا عن بلدانهم التي مزقتها الحرب. وربما جزء كبير من هذا الجانب يدخل في تجميل صورة أوروبا امام العالم كقارة تدعم الانسانية، وكشعوب تقف مع المجتمعات التي تعاني من العنف والاقتتال المذهبي والعرقي، وهذا يندرج كجزء من القوة الأوروبية الناعمة التي تحاول ترويجها حيال الآخرين، في النهاية أوروبا قالت كلمتها وتغلبت عليها إنسانيتها وأنصفت شعوبا مزقتها الحروب على عكس الكثير من البلدان العربية والإسلامية التي لم تحرك ساكنا حيال هذا الموضوع.
أخيرا ان اكثر من 750 الف نازح وصل أوروبا خلال الثمانية اشهر الماضية، وتضاعف عدد النازحين إلى أوروبا خلال الشهر الماضي 8 مرات عن الشهر الذي سبقه. وتشير التقديرات إلى ان هناك عددا يوازي العدد الذي دخل أوروبا خلال العام الماضي يرغبون بالدخول إلى أوروبا خلال الثلاثة اشهر المقبلة.
 
٭ كاتب عراقي