الرئيسة \  مشاركات  \  ‏الأزمة الراهنة في أمريكا من منظور يساري أمريكي

‏الأزمة الراهنة في أمريكا من منظور يساري أمريكي

19.10.2013
د. محمد أحمد الزعبي



عرض بتصرف : د.محمد أحمد الزعبي
تمثل الآراء التي سنوردها هنا ، وجهة نظر السياسي والاقتصادي الأمريكي "روبرت رايش" ،الذي كان وزيرا للعمل إبان رئاسة بيل كلنتون ، والذي وصفته مجلة " دير شبيجل " الألمانية ، بـ " إيقونة اليسار الأمريكي " ، وذلك في عددها رقم 41 تاريخ 7.10.13 ، الذي يتضمن الحوار الذي أجراه معه محررين فيها ، حول الأزمة السياسية والاقتصادية بين الرئيس أوباما والكونجرس ، والتي ترتب عليها تعطيل معظم مؤسسات الدولة ( كلياً أو جزئياً ) بعد إرسال 800000 موظف وعامل إلى بيوتهم وإلى أجل غير معلوم . هذا مع العلم أن السيد رايش ، قد أخرج بنفسه فلماً وثائقياً يدور حول عدم المساواة في الولايات المتحدة الأمريكية
 (Ungleichheit für alle ) ويتم التعامل معه الآن، كفلم مرشح لجائزة الأوسكار ( حسب ماورد في أحد الأسئلة الموجهة إليه ). وسوف نقتصر في عرضنا هذا على إيراد أبرز وجهات نظر السيد رايش حول هذا الموضوع ،وكما وردت على لسانه في أجوبته على أسئلة المجلة مع بعض التصرف الذي اقتضته عملية الترجمة والتلخيص وتجاوز الأسئلة إلى الأجوبة :
يقول السيد رايش تعقيباً على النتائج المأساوية التي ترتبت على الأزمة الراهنة بين السلطة التنفيذية (أوباما ) والتشريعية ( الكونجرس)
+ لقد مارست بنفسي مثل هذا العمل الرهيب ، في أزمة عام 1995 عندما كنت وزيراً للعمل إبان فترة الرئيس بيل كلنتون ،حيث أرسلت 15000 موظف حكومي إلى بيوتهم ، دون أن أكون قادرا على إخبارهم متى سيعودون إلى عملهم وكان السبب في كل هذا
اليمين الراديكالي في واشنطن .
+ وفي رده على سؤال : منذ متى أصبحت الثقافة السياسية في أمريكا على هذا النحو من الراديكالية ؟ ، أجاب بأن حزب الشاي ( Tea Party ) هواليوم أكثر راديكالية ممن سبقه من اليمين . ويشرح رايش أسباب ظهور وتنامي هذه الراديكالية في أمريكا بقوله:
+ إن عدم المساواه الموجودة في أمريكا الآن ، هي أكبرمن مثيلاتها في أي بلد من البلدان الصناعية الأخرى . حيث ان الهوة
Graben الإقتصادية ( يقصد بين الدخلين الأعلى والأدنى )نادرا ماكانت أكبر مما هي عليه الآن . ففي عام 1978 كان متوسط دخل المواطن الأمريكي العادي ( Durchschnttsamerikaner ) 48078 دولار في العام ،أما الفئة العليا من المجتمع ، فقد كان متوسط دخل الفرد منها 390000 دولار . أما اليوم فإن متوسط دخل المواطن الأمريكي العادي انخفض إلى 33000 دولار ، بينما ارتفع دخل المواطن من الفئة العليا إلى ( 1.1) مليون دولار ، أي عملياً أن 400 من الأمريكان الأغنياء ، يملكون اليوم أكثر مما يملكه 150 مليون أمريكي مجتمعين . ويوضح رايش هذه الأرقام بخط بياني ، يظهر أن نسبة من يحصلون على الدخل الكبير ويدفعون الضرائب القليلة، كانت بزمن الرئيس " كارتر " 9% ، وهي تصل اليوم ( بوش الإبن وأوباما ) إلى 22.5%.
+ وفي رده على حجة عادة ما يطرحها المنظرون الرأسماليون ، والتي صاغها " جون كندي " كالتالي : " إن مياه الفيضان ترفع كافة الزوارق " ( Flut hebt alle Boote ) ، يقول رايش : إن هذا قول جميل ، ولكنه غير صحيح ، بل وتكذبه كافة الحقائق الملموسة
التي تبين أن تخفيف الضرائب على الشركات ( الكبرى ) ، لم يؤد إلى زيادة الوظائف ( التشغيل ) ، وأن تخفيف الضرائب على الفئة الغنية العليا ، لم يؤد إلى مزيد من الإستثمارات الكبيرة ، وبالتالي إلى تحسين الاقتصاد . واقع الحال أن الطبقة المتوسطة ، وذوي الدخل المنخفض هم من يتحملون اليوم هذا العبء ، وإن عدم دعم هذا الجزء من المجتمع ، سوف يعود بالضرر على الجميع . ويتابع الاقتصادي رايش : إنه من غير المعقول ، أن تؤدي الضرائب المرتفعة على الفئات الغنية العليا ، إلى تقليل الطلب ، و تبطيء النمو الإقتصادي ( كما يدعون ) . ففي العقود الثلاثة الأولى ، التي أعقبت الحرب العالمية الثانية ، كانت الشريحة الضرائبية العليا لاتقل عن 70% ، ويومها شهد الاقتصاد نمواً كبيراً ، ذلك أننا استثمرنا الاحتياط النقدي في تطوير البنية التحتية والتعليم ، أما اليوم فإن نسبة الشريحة العليا من دافعي الضرائب هي فقط بحدود 22% ، أي أن متوسط دخل المواطن الأمريكي قد تراجع عملياً ، وزادت الأعباء على الطبقة الوسطى أكثر فأكثر .
+ وفي رده على سؤال ( مادام المواطن الأمريكي العادي Durchschnttsamerikaner يعرف هذا الواقع ، فلماذا لايوجد في أمريكا مواطنون غاضبون ينزلون إلى الشارع ؟ ) أجاب رايش : إنهم موجودون في الشوارع ، وحركتهم إسمها "احتلوا وول ستريت" ( Occupy Wall Street ) . إن التغير الاجتماعي سيبقى مابقيت الهوة واسعة بين مايطمح إليه المواطنون ، وبين واقعهم المغاير،
+ ويرى رايش أنه يتوجب على الرئيس أوباما أن يعيد العمل ثانية بـقانون " Glass-Steagall-Act " ، والذي يفصل بنوك التمويل Inwestmentbankenعن بنوك الأعمال Geschäftsbanken . وفي إجابته على سؤال المجلة " لماذا لايستطيع الرئيس أوباما القيام بذلك ؟ " ، أجاب رايش : لأن فريقه الحكومي كان قريباً من وول ستريت ، من جهة ، ولأن وول ستريت لم يكن يرغب أو يحتاج إلى أن يصغي لمثل هؤلاء الأمريكيين العادين durchschnittliche Amarikaner .
+ وفي رده على ماأوردته المجلة حول أن وول استرييت ، لم يعد وحده يسيطرعلى الصناعة الأمريكية ، إذ أن هناك الآن الفروع التكنولوجية Google, Appel und Facebook التي أصبحت تضاهي أصحاب البنوك في وول ستريت ، يقول رايش : إنني لست متأكداً ، من أن مثل هذا التطور هو جيد أم لا ( يقصد التطور التكنولوجي الدقيق ) . وخاصة عندما يتطلع المرء ، كم عدد الوظائف التي ستخلقها مثل هذه المؤسسات ؟، وإلى أين ستذهب أرباحها ؟. فمكروسفت ( مثلاً ) تمتلك أموالاً طائلة ، ولكنها مخزنة في الخارج ، كي لاتدفع هنا الضرائب المستحقة عليها ،وهي تجد أنه من الأفضل لها أن تشتري بهذه الأموال " نوكيا " Nokia !! .
إن مثل هذا السلوك لايخدم ـ بطبيعة الحال ـ أية عائلة من عائلات الفئات المتوسطة هنا ، وإنما يعمق هوة عدم المساواة .
+ نعم إن قليلاً من عدم المساواة ،يؤدي إلى التقدم ، ولكن لابد من وضع حدود لهذه اللامساواة . فأنا لاأعتقد أن مارك تسوكربيرغ قد أسس الفيسبوك من أجل أن يصبح مليارديرا ً .
+ إن أمريكا تفتقر إلى العمود الفقري السياسي ، و إن واحدة من أكبر المشاكل التي تعاني منها أمريكا ، أن المنظمات السياسية الوسيطة مثل نقابات العمال ، لم تعد تلعب أي دور . إن 11% فقط من عمالنا مايزالون منظمين في النقابات ، وبدلاً من ذلك ، لدينا أحزاب ، هي ليست أكثر من آلات لجمع المال ، ولبيع كبار الموظفين ( الخبراء ) إلى الأثرياء بأغلى الأسعار .