الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ‘انثروا القمحَ فوق رؤوس الجبال.. كي لا يقال جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين’

‘انثروا القمحَ فوق رؤوس الجبال.. كي لا يقال جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين’

18.12.2013
أ. د. علي الهيل



القدس العربي
الثلاثاء 17/12/2013
هل يا ترى يحمل العنوان حنيناً أو’نوستالجيا’ إلى حقبة مضيئة من تاريخ الأمة البعيد، وسط كل هذه الظلمات التي تداعت فيها على الأمة العربية الأمم دانيها وقاصيها كما تتداعى الأكلة على قصعتها؟ قطعاً ليس لأنها نفرٌ قليل بل إنها نفرٌ كثير؛ غير أن كثرتهم كغثاء السيل، كما أخبر بذلك عنهم نبيهم (صلى الله عليه وسلم ) أم أنه نكوص قسري أو اضطراري يفرضه القهر القسري الجمعي إلى الماضي و’النكوص’ في علم النفس الحديث، حالة نفسية غير محمودة بفعل إحباطات حاضر الأمة و’الإحباط’ في علم النفس الحديث، هو وجود عائق بين الهدف والغاية، أي غاية تحقيق الهدف، أم أنه إعلان بالانفصام عن الواقع المر والانسحاب الجبري من الحاضر والعيش في الماضي الحلو، أي الهروب إلى الماضي، وكلتا الحالتين في علم النفس الحديث تنبئان بوجود حالة مرَضية لدى الأمة نتيجة الفشل في مواجهة الواقع الذي يؤدي بها في كثير من الأحايين إلى تناول حبوب مسكنة أو مخدرة متمثلة في تذكُّر، مثلاً، مقولة مدعومة بالفعل (أي أفعال لا أقوال) لشخصية عربية مثل شخصية عمر بن عبد العزيز، وهي تشهد كل هذا ‘الزبد الذي يذهب جُفاءً’ في الخطاب السياسي الرسمي العربي، الذي لا يمكث منه في الأرض من شيءٍ لأنه لا ينفع الناس بل يضرهم، والذي يستحق بامتياز أن نطلق عليه بالظاهرة الصوتية السلبية أي من قبيل جعجعة لا يُرى لها طِحنا.
لعل في تشخيص حالة الأمة مزيجاً من كل ذلك أو أكثر أو يُحتملُ أنه حيلة العاجز فردا ومجموعاً إزاء كل هذا الذي يعصف بالأمة من كل حدب وصوب ولا تكاد تستطيعُ أن تردَّهُ فقد ‘ تكالبت على خُراشها الضباعُ فما يدري خراشُها ما يَصُدّ’. نسمع على سبيل المثال ـ لا الحصر عن مآسٍ وكوارثَ عربية مثل عرب في سوريا يأكلون القطط والكلاب، وعن عرب في غزة يعيشون على الكفاف وما دونه ونسمع عن عرب فقراء فقراً مدقعا، وعن عرب دون خط الفقر، وعن عرب في اليمن تقتلهم طائرات أمريكية بدون طيار بشكل يومي تقريباً، تعينهم حكومات في الأمة على مضض ربما، وغيرها من ويلات ومصائب على امتداد الوطن العربي ‘الممدد من الخليج إلى المحيط’ والذي لا يملك الكثيرون فيه ‘ثمن المنديل كي’ يرثوه كما كان يزأر ملء عقيرته محمد الماغوط – يرحمه الله.
ماضي أي أمة لا قيمة له إلا بقدر استفادة الأمة منه مستلهمة العبر ليزدهر حاضرها ويشتعل عزةً وكبرياء ككل الأمم من حول الأمة العربية. فهل استفادت الأمة من ‘كان وكنا’ مع أنه في ‘نحو’ العرب فعلٌ ماضٍ ناقص سوى، ترداد أمجاد ماضيها من دون بذل أي جهد يُذكر لاستعادة تلك الأمجاد الغابرة. حتى ماضيها القريب لم تحاول الأمة أن تستفيد منه دعك عن ذلك الماضي القابع خلف القرون والألفيات وبين صفحات كتب التاريخ. فأنظمة الحكم العربية لم تستفد من درس العراق واستفادت منه إيران وشيعت العراق وضمته لهلالها الشيعي، ولم تستفد أنظمة الحكم العربية من درس سوريا واستفادت منه إيران وشيعتها وفاوضت أمريكا وروسيا والغرب كله لإبقاء نظام الأسد الحليف الإستراتيجي لها، وهو الآن جزء من هلالها الشيعي. ولم تستفد أنظمة الحكم العربية من درس لبنان واستفادت منه إيران ليبقى حزب الله الأقوى والرقم الأصعب في المعادلة اللبنانية، لدرجة أن السنَّة والطوائف الأخرى بدأوا يهاجرون حيث يعتقدون ألا وجود لهم في لبنان الشيعي واقعاً والمتعدد ثقافيا ودينيا وعرقيا من الناحية النظرية فقط، ولم تستفد أنظمة الحكم العربية من أكثر من سبعين عاما عمر علاقاتها مع أمريكا والغرب ولا في أي ملف أو قضية أو شأن، بينما إيران استطاعت في ظرف عام أو زهائه أن تضع أمريكا والغرب في جيبها الأيسر، مفاوضة أمريكا والغرب، على أن إيران، لا الخليجيين أو غيرهم من العرب، قادرة على حماية المصالح الأمريكية والغربية، ومن خلالها الصهيونية بطبيعة الأحوال، لأن الخليجيين سلفيون وفيهم العقيدة الجهادية وهم خطر على أمريكا والغرب، ومن خلالهم الصهيونية، وأن القاعدة وتصرفات الجهاديين في سوريا واليمن والعراق وغيرها خير دليل وإنْ أبدى الخليجيون غير ذلك .
يبدو أن الشاعر العربي في عصر الجاهلية الذي كان يبدأ قصيدته بالبكاء على الأطلال ما تزال جيناته في جينات خلفائه العرب الذين ما يزالون يحتفلون ‘بشاعر المليون’ ويبكون على أطلال الماضي وتحارب حكوماتهم العربي الناجح صناعيا وتقنيــــا وتكنولوجيا حتى يفشل كما قال مرة الدكتور أحمد زويل. وسبب محاربتهم له لأنها أو لأنه يشعرهم بمدى تفاهتهم وعقد النقص التي لديهم ومركَّباتها التي لا يفتأون ينفثونها في شعوبهم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
‘ أستاذ جامعي وكاتب قطري