الرئيسة \  واحة اللقاء  \  آفاق التحالف التركي الروسي دوليا

آفاق التحالف التركي الروسي دوليا

01.10.2017
محمد زاهد جول


القدس العربي
السبت 30/9/2017
تواجه السياسة التركية المعاصرة تهمة الابتعاد عن الغرب، بداية عندما يتهم البعض تركيا بما يصفونه مشروع الأسلمة، وأن حزب العدالة والتنمية يعمل على أسلمة تركيا، ويبعدها عن الغرب، ويتناسى أصحاب هذا الرأي أن الشعب التركي مسلم بنسبة 99%.
والتهمة الثانية التي تواجه السياسة التركية هي التقارب مع روسيا على حساب الابتعاد عن الغرب أيضاً، ويتجاهل أصحاب هذا الرأي أن تركيا بقيت تقف على أبواب أوروبا أكثر من نصف قرن من دون ان تقبل عضوا في الاتحاد الأوروبي، حتى طفح الكيل عند الشعب التركي وهو يصبر على التعنت الأوروبي، وقد كان الانقلاب العسكري الأخير 15 يوليو 2016 نقطة فارقة في التاريخ التركي الحديث، فالغرب متهم بتأييد الانقلاب، إن لم يكن مشاركا فيه، وهذا من وجهة نظر الشعب التركي، وإن لم تسع السياسة التركية الرسمية لإثبات ذلك، رغبة منها لجعل الطرف الغربي والأوروبي أقرب إلى السياسة التركية، ضد المتهم الرئيسي بتخريب العلاقات التركية الغربية في السنوات الأخيرة، وهو فتح الله غولن وحركته وعناصره المنتشرين في أمريكا وأوروبا. السياسة التركية أرادت حصر الخلاف مع المتهم الرئيسي بالانقلاب بوصفه واجهة العقل المدبر للانقلاب، وعدم البحث عن العقل المدبر الأكبر، لأن السياسة الحكيمة لا ترفع من وتيرة العداء ولا الأعداء مع الدول الكبرى، وتعمل لجعل العقل المدبر يقتنع بأنه أخطأ كثيرا، عندما اعتمد على أدوات واهية وضعيفة ومتهورة، وفشلت في إسقاط سرقة الارادة الشعبية الديمقراطية المتمثلة بالحكومة التركية، لأنها حكومة الشعب وليست انقلابية.
إن السياسة التركية وجدت نفسها أمام هذه التحديات الداخلية والخارجية غير مضطرة للاستمرار مع الحلفاء غير المطمئنين، وانها مضطرة في الوقت نفسه للبحث عن توجه سياسي دولي جديد، فكان الطرف الدولي الآخر وهو الطرف الروسي في الانتظار، بل يتحين الفرص لكسب صديق كبير وقوي مثل تركيا، ولكنه بانتظار أن يسمع النوايا، ويشاهد الأعمال التي تؤكد انه أمام صديق هو محل ثقة وتقدير ومصداقية، وهو ما تأكد منه من تقارب تركيا من روسيا بجدية ولأكثر من سبب، ولذلك نظر الأوروبيون والأمريكيون إلى درجة التعاون العسكري بين تركيا وروسيا بقلق، وبالأخص بعد أن وصلت إلى تزويد تركيا بأحدث منظمات الدفاع الصاروخية في العالم س400، فهذا من دون مبالغة انقلاب في السياسة الدولية الأوروبية والغربية.
إن أول ما يتوقعه المحللون الغربيون من التحالف التركي الروسي، أن تركيا سوف تحقق قدرة دفاع مستقلة في منظومة الدفاع الجوي، لم يكن لها مثيل من قبل، وثانيهما أن دول الناتو سوف تجبر على تقليص التعاون العسكري مع تركيا، خشية تسرب معلومات أمنية حيوية إلى أياد روسية، فالغرب يدرك أن سياسة تركيا ليست في تغيير الحليف من الغرب إلى الشرق، وإنما بناء الدولة التركية، التي لا تبقي روحها بيد الشرق ولا بيد الغرب، وأن تركيا مصممة على أن تبني قوتها الدفاعية بنفسها في الحاضر والمستقبل، وطالما أن كل السنوات والعقود الماضية لم تتمكن تركيا من بناء قوتها الدفاعية الخاصة بها بنفسها، ولم يقف الغرب إلى جانبها عند حاجتها إليه في أزمة إسقاط الطائرة الروسية سوخوي بتاريخ 24 نوفمبر 2015، فلماذا تتمسك بالحليف الغربي غير الوفي؟ بل عكس الناتو مواقفه وواصل سحب أنظمة صواريخ الباتريوت الدفاعية التي كانت موجودة في تركيا في أدق الأوقات الخطرة على تركيا.
إن تقارب السياسة التركية من روسيا، يعني أن السياسة التركية خطت أولى خطواتها بالابتعاد عن الغرب، لأن الغرب قد خطى من قبلها خطوات كثيرة وعديدة بالابتعاد عن الحليف التركي، فهذا هو المبعث الأول للسياسة التركية بهدف بناء علاقاتها مع اوروبا على غير الأسس السابقة، فهو بدافع معالجة أخطاء المرحلة السابقة، التي كانت قائمة على ثقة من طرف واحد فقط، وبالتالي فإن توجه السياسة التركية لن يكون بتكرار التجربة الأولى الخاطئة مع روسيا هذه المرة، فالتقارب التركي الروسي ليس بديلا عن التحالف التركي الغربي، وإنما هو أداة سياسية لتحقيق التوازن في العلاقات التركية الدولية مع الشرق والغرب، فآفاق التعاون بين تركيا وروسيا كبيرة، ولكنها ليست تحالفا بالمفهوم القديم للتحالفات العسكرية أو السياسية، فهي ليست تحالفا عسكريا ضد الغرب إطلاقاً، ولكن المصالح التركية الأمنية والعسكرية والاستراتيجية تتطلب أن تنظر تركيا إلى مستقبلها بآفاق جديدة في التعاون مع كافة دول العالم، وبالأخص مع الدول الكبرى، التي تتحكم في السياسة الدولية، فتركيا من حقها ان تبني سياستها الدولية بحرية واستقلالية، وبما يخدم مصالح شعبها قبل كل شيء، وجاءت مواقف الناتو مقرة بحق تركيا بذلك، وإن كانت قلقة وغير راضية، فقالت مصادر رفيعة المستوى في الناتو بدبلوماسية شديدة بأنه: "مع أن الحلف لا يمنع أعضاءه من شراء أسلحة من دول ليست أعضاء فيه، ولكنه لا يوصي بشراء أسلحة لا تتطابق والأسلحة التي لدى باقي أعضاء الحلف. كما أنهم في الناتو غير راضين عن أن تركيا لم تكلف نفسها عناء إطلاع شركائها في برامج مشترياتها"، فردود الفعل الغربية غير راضية عن هذا التحرك الحر للسياسة التركية، بدليل أن مجلس الشيوخ الأمريكي منع بيع السلاح لحراس الرئيس التركي أردوغان، وقامت ألمانيا بإيقاف بيع أسلحة ألمانية إلى تركيا، فضلا عن المواقف السياسية والإعلامية المعادية للسياسة التركية، كما تعمل ألمانيا من خلف الكواليس لمنع انعقاد قمة الناتو المقبلة في 2018 في تركيا.
أما نقاط الاختلاف التركي الروسي فهي، وإن بدت كبيرة في بعض المسائل، ومنها الموقف من بشار الأسد والاحتلال الروسي لجزيرة القرم وأوكرانيا وغيرها، إلا أن هذه المسائل قابلة للحل في بعض تفاصيلها، وبالأخص أن التفاصيل المهمة منها متفق عليها بينهما، فاللقاء الأخير بين بوتين وأردوغان في أنقرة مؤخرا، أكدا فيه على وحدة الأراضي العراقية والسورية، فقد جاء اللقاء بعد استفتاء إقليم شمال العراق على الانفصال بعدة أيام فقط، وهذا يعني أن روسيا تشارك تركيا منع التقسيم أولاً، وعدم السماح للأحزاب الكردية الانفصالية العراقية والسورية استغلال المطامع الغربية والاسرائيلية لإقامة دول مستقلة ومعادية على الحدود التركية الشرقية والجنوبية، بل إن السياسة التركية استطاعت أن تحقق مصالح لها في سوريا ما كان لها أن تحققها لولا التفاهم والاتفاق مع روسيا، بداية في عملية "درع الفرات"، التي أدت إلى تحرير الحدود التركية من تنظيم "داعش"، وكذلك المحافظة على أرواح الآلاف من سكان المنطقة، وفي حلب في نهاية العام الماضي، والعمل على حفظ أرواح سكان إدلب بعد أن تجمع المدنيون ومقاتلو المعارضة المعتدلة فيها، فالسياسة التركية ترى في التقارب مع روسيا تحقيقا لمصالح الثورة السورية مقروناً بضرورات الأمن القومي التركي في سوريا والعراق والمنطقة، فضلا عن آفاق التعاون الاقتصادي الكبير بينهما، وبالأخص في مجال السيل التركي لخطوط الطاقة الدولية، وإنتاج الطاقة النووية السلمية في تركيا بتعاون وتمويل روسي قريباً.
كاتب تركي