الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أخطاء المعارضة وخطايا النظام… حلب والحصاد المر

أخطاء المعارضة وخطايا النظام… حلب والحصاد المر

10.05.2016
سامح المحاريق


القدس العربي
الاثنين 9-5-2016
ترزح مدينة حلب تحت قصف وحشي منذ أيام، وقبل ذلك تذهب المدينة ضحية تواطؤ غير مفهوم، أهدى للنظام السوري فرصة الهدنة في مناطق واسعة، وكأنه يفرغه لمهمته في حلب.
وفي الوقت ذاته تبدو استجابة المجتمع الدولي مترهلة وضعيفة تجاه مجريات الأوضاع في المدينة المنكوبة، وفي هذه الحالة يظهر وبوضوح مدى بؤس السياسة الأمريكية في المنطقة ومدى عجزها عن إيجاد حلول لمشكلة أسهمت هي أصلاً في تفاقمها خلال السنوات الماضية، فلا هي حسمت في الوقت المناسب، ولا دفعت بالحل السياسي في اللحظة الممكنة، أما الأوروبيون فأثبتوا بالبينة القاطعة بأنهم لا يمتلكون نظرية للسياسة الخارجية إلى اليوم، وأن حدود مخيلتهم ومبادرتهم تصنع أساساً في البيت الأبيض، أو أنهم فقط يتصرفون بانتهازية عندما تكون الحصة المخصصة لهم واضحة وفي المتناول، كما كانت الظروف في الشأن الليبي.
حلب هي آخر فصول الثورة في سوريا، فالمعارضة فقدت قدرتها على المبادرة في أي مكان على الأرض السورية، والرقعة الاستراتيجية أمام قادتها تتمثل في فنادقهم في جنيف، وعلى الرغم من الضحايا الذين تتابع سقوطهم على امتداد الأيام الماضية، لا تبدو معركة حلب إلا في المقدمات، ويبقى الرعب مرشحاً للتصاعد والتفاقم، أمام إصرار النظام السوري على إخضاع المدينة الأكبر والأكثر أهمية في شمال البلاد، وبعد حلب ستتغير المعادلة كثيراً، فالأمر الواقع سيفرض نفسه ليكون العامل الحاسم في التفاوض على مستقبل سوريا.
كيف تغيرت المعادلة في سوريا؟ فبعد اقتراب المعارضة من دمشق وتخومها، ووصول ضرباتها إلى مسافات قريبة من القصر الرئاسي، أصبحت القوات الحكومية تمتلك وحدها المبادرة واستطاعت أن تنتزع تدمر وأن تسيطر على الجنوب السوري، القصف الروسي يعتبر إجابة مريحة، ولكنه يختزل في داخله عوامل أخرى تتعلق بتركيبة المعارضة السورية، فإذا كانت الشكوى بعد الثورة المصرية والتونسية من افتقاد الحركة الشعبية للرأس الذي يمكنه أن يقود مرحلة ما بعد الثورة، فإن المحنة التي واجهتها الثورة في سوريا كانت في تعدد الرؤوس التي طرحت نفسها لتتزعم ثورة واجهت منذ اللحظة الأولى ردة فعل عنيفة من النظام، الذي كانت تعني الثورة بالنسبة له تقويضاً شاملاً ووقوعاً في براثن انتقام مؤجل منذ بداية الثمانينيات.
الثورة تخلت عن سلميتها مبكراً، وأصبحت الجماعات المسلحة تستقطب الدعم من الأطراف الإقليمية والدولية المختلفة، وهو ما أعطى الجيش السوري الفرصة لتعزيز وضعه القتالي تجاه الحركة الاحتجاجية الشعبية الوطنية، ولو تأخرت المعارضة السورية في اختلاق ظروف العسكرة لكانت الدول المتفرجة اليوم والمدعية وصايتها على حقوق الإنسان، تحركت بفاعلية تجاه النظام في دمشق، والمشكلة أن الدعم العسكري لفصائل المعارضة اتخذ شكلاً من سلوك المقامرة، ففي لحظات كثيرة بدت لحظة سقوط النظام وشيكة، وهو الأمر الذي أعطى الدول التي دعمت المعارضة ايحاء بتكثيف الدعم، ولكنه في المقابل أعطى الدول التي دعمت الأسد الإشارة إلى رفع وتيرة المراهنة عليه، وفي هذه الوضعية كان السوريون يدفعون الثمن قتلى ومشردين ومشوهين ومهجرين.
المعارضة السورية لم تكن مسؤولة، فمن ناحية لم تستطع أن تحسم مسألة شكل قيادتها السياسية أو الميدانية، ومن ناحية أخرى، سمحت للتنظيمات المتطرفة بالدخول إلى المشهد لتصبح هذه التنظيمات هي المشكلة والأولوية التي أتاحت الفرصة لنظام الأسد أن يطرح نفسه شريكاً للمجتمع الدولي في مواجهة هذه التنظيمات، بدلاً من أن يكون هو أساس القضية، وهذه الوضعية أضرت أصلاً بفكرة التحالف لإسقاط الأسد، فجعلت الخلاف على الأولويات يضعف الحلفاء ويعتبر نقطة افتراق بينهم.
المعارضة التي تصورت أن دخول الجماعات ذات الصبغة الإسلامية، في صالحها، وتخلت عن حلم السوريين بدولة مدنية غير طائفية تستطيع أن تؤسس لفكرة التسامح، أحبطت السوريين، وجعلتهم يرون التوازنات الطائفية والعرقية قائمة حتى في بنية المعارضة السورية ذاتها، وإذا كان النظام السوري يحمل في داخله بذرة الطائفية كأحد عناصر تكوين الحلقة الضيقة حول الرئيس، فإن المعارضة لم تتطهر من هذه الفكرة، ولم تعتبرها طاعوناً يسهم في انفضاض الناس من حول المعارضة، عدا بالطبع عن أن استعداد السوريين للالتحاق بالثورة تراجع مع طول أمدها، والمقارنة التي أصبحت تجري لا على لسان المواطن العادي، ولكن أيضاً على المستوى الدولي حول الفرق الجوهري بين المعارضة والنظام في سوريا؟
هل أمام المعارضة فرصة لإعادة تأهيل ذاتها، لا يبدو ذلك ممكناً في المدى المنظور، ولكن المعارضة السورية بدون وجود حل سياسي مقنع على الأرض يشخص مشكلة سوريا المرحلة منذ حسني الزعيم إلى اليوم، ستظل عبئاً مثل النظام ذاته، والمطلوب هو إطلاق عملية سياسية تنهي النظام السوري كاملاً، النظام الأسدي الذي يقف هو أيضاً على أرضية أسستها أنظمة سابقة غير ديمقراطية ومستبدة بطرق مختلفة، جعلت من الرعب والقمع أدوات في الإدارة، بحيث لم يستنكف السوريون وقوعهم ضحية مقولات النظام الحالي حول شرعنة دولة الخوف والطاعة للتفرغ للاستعداد للمعركة الكبرى التي لم يطلقها النظام إلا على الشعب.
المجتمع الدولي بأسره، من موسكو إلى واشنطن مسؤول عما آلت إليه الأوضاع في سوريا، فالروس وجدوا سوريا تعويضاً مناسباً عن خيبتهم الأوكرانية، ووجدوا منطقة تائهة خرجت، أو تكاد، من العباءة الأمريكية وتتردد كثيراً في الدخول تحت العباءة الروسية، بينما اعتبر الأمريكيون الشأن السوري هامشاً لصفقتهم الكبرى مع إيران، التي تفيدهم مستقبلاً في أي مواجهة آسيوية، فسوريا يمكن أن تجعل ايران أقوى، وايران القوية ستكون حليفاً مناسباً للأمريكيين في مواجهة الصينيين مستقبلاً، أو على الأقل، سيدخلون في تحالف مع قوة متجانسة وعميقة مثل ايران، بدلاً من ارهاق أنفسهم مع فريق من الدول غير متجانس ومتباين في وجهات نظره ومصالحه، خاصة في المرحلة التي أعقبت الربيع العربي، حيث توزعت الدول العربية إلى دول مع وأخرى ضد التغير الجذري الذي أحدثته ثورات تونس ومصر وليبيا، في إطار يشبه الاصطفاف في عصر عبد الناصر بين دول تقدمية وأخرى رجعية، والأقرب للصواب أن جميع الدول العربية تعاني من الرجعية بصورة أو بأخرى، والفرق هو في درجة الرجعية وليس في وجودها من عدمه.
سوريا محطة أخيرة في الربيع العربي، ولكن دروس سوريا ستبقى حاضرة أكثر من غيرها في مرحلة مقبلة، فالخوف المتبادل وتوازن الرعب لا يمكن أن يصنع مجتمعاً متماسكاً وقابلاً للحياة والاستمرار، عدا بالطبع عن الاستقرار والازدهار، فالنظام السوري، مثل المعارضة تماماً، تحركا من عقدة الخوف ذاتها، ومن عقيدة الخراب نفسها.