الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أردوغان بين بوتين و أوباما

أردوغان بين بوتين و أوباما

08.10.2016
الدكتور عماد بوظو


القدس العربي
الخميس 6/10/2016
يجمع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان و الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الكثير من الصفات المشتركة رغم خلافهما السياسي "السابق" و الّذي أدّى إلى أسوأ علاقة بين روسيا و تركيّا منذ قرن كامل.
الرئيسان من عمر واحد بين ولادتهما أشهر و ليس سنوات، بوتين و أردوغان رياضيّان بمستوى أعلى من الهواة، بوتين رياضته الجودو و أردوغان رياضته كرة القدم، و لكنّهما يتّفقان معا مرّة أخرى من خلال إدّعاء الشباب الدائم لأسباب سياسيّة، فما زال بوتين يمارس الجودو لليوم و يقوم مساعدوه بترتيب إنتصاراته على خصومه في مبارياته الإستعراضيّة، مثل نظيره التركي الّذي يشترك لليوم في مباريات إستعراضيّة و يسجّل فيها أهدافا من دون صعوبة شديدة.
صعد بوتين و أردوغان للسلطة بسرعة كبيرة و خدمتهما ظروف مناسبة لصعودهما و منها تبنّي بوريس يلتسين لبوتين و تسليمه مهمّات متزايدة، و كذلك الثقة الّتي حصل عليها أردوغان من أستاذه نجم الدين أربكان و الّتي دفعته لواجهة الحركة السياسيّة الإسلاميّة في تركيّا.
وصل الرئيسان إلى السلطة و هما بعمر 48 سنة. ترافقت فترتا حكمهما بإستقرار سياسي غاب عن بلديهما لسنوات طويلة قبل وصولهما للسلطة، كما
تميّزت سنوات حكمهما الأولى بإنتعاش إقتصادي كبير و غير مسبوق و إرتفع الناتج الوطني لبلديهما بشكل حاد وإرتفع متوسّط دخل الفرد لدرجة جيدة، و
ترافق ذلك مع تحسين علاقات بلديهما الدوليّة، علاقات روسيا الأوروبيّة كانت على أحسن المستويات السياسيّة و الإقتصاديّة و كذلك علاقات روسيا الدوليّة، وفي الوقت نفسه كانت سياسة أردوغان الّتي أسماها : صفر مشاكل، على أحسن ما يرام، علاقات ممتازة مع دول لا تتّفق فيما بينها : الدول العربيّة، إيران، إسرائيل، أوروبا، الولايات المتحدة وآسيا علاقات حسنة مع كل هؤلاء في جمع للمتناقضات.
وصل الرئيسان إلى نهاية فترتهما القانونيّتين وكان صعبا عليهما التخلّي عن السلطة بعد كل هذه النجاحات الّتي تحقّقت خلال فترة حكمهما. إبتدع بوتين فكرة تبادل المناصب بتعيين ميديفيديف رئيسا للدولة و أن يقوم هو بمنصب رئيس الوزراء آخذا معه جميع الصلاحيّات لفترة إنتخابيّة ثم ليعود بعدها بوتين نفسه رئيسا بعد أن قام برفع مدّة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات ويحق له فترة أخرى أي أنّه ضمن بقاؤه في السلطة من عام 2000 حتّى عام 2024 بشكل "قانوني" و قد ساعد بوتين على تحقيق ذلك غياب الإرث الديمقراطي في روسيا في تاريخها الحديث.
معركة أردوغان في تركيّا لم تكن بهذه السهولة فتركيّا رغم حداثة عهدها بالديمقراطيّة الغربيّة إلّا أنّ هناك برلمانا منتخبا و صحافة حرّة، كانت أوّل خطوة لأردوغان مع قرب إنتهاء ولايتيه كرئيس وزراء و رئيس السلطة التنفيذيّة هي جعل رئيس الجمهوريّة ينتخب مباشرة من الشعب بدل أن ينتخب من البرلمان كما كان سابقا و نجح في ذلك، كانت خطوته الثانية زيادة صلاحيّات رئيس الجمهوريّة بإعتباره منتخبا من الشعب مباشرة و كذلك نجح في ذلك، و هو الآن يخوض معركة صعبة جدّا بهدف تحويل النظام التركي إلى نظام رئاسي بدل النظام البرلماني الحالي و بالتالي البقاء في السلطة و ربّما تكون محاولة الإنقلاب الفاشلة قد أعطت دفعة لمشروعه هذا.
يشترك الرئيسان أيضا في أنّه بعد السنوات الأولى السمان في السلطة أتى وقت السنوات العجاف فقد وصلت الفورة الإقتصاديّة إلى أوجها و بدأت المتاعب الإقتصاديّة للبلدين لكن هناك ميزة لأردوغان أنّه قد أتمّ بناء قاعدة إقتصاديّة مقبولة خلال فترة النهوض الإقتصادي في عهده، بينما لم تشهد روسيا أي نهضة صناعيّة و بقيت تعتمد على تصدير المواد الخام مثل بقيّة الدول المتخلّفة بينما إرتفع الفائض النقدي عندها. كذلك بدأت المشاكل بين الدولتين و الكثير من دول العالم فعلاقات بوتين الأمريكيّة و الأوروبيّة و في الشرق الأوسط تواجهها تحديّات كبرى، و سياسة "صفر مشاكل" الأردوغانيّة لم يعد من السهولة ملاحظتها كما كانت في السابق، و الإجراءات الّتي قام بها أردوغان بعد محاولة الإنقلاب، مثل تسريح عشرات الآلاف من المدنيّين و العسكريّين من مختلف الوظائف من التعليم للقضاء للصحافة و غيرها بتهمة دعم "الكيان الموازي" قد أثارت إستياء بعض الدول الأوروبيّة و أمريكا ممّا دفع أردوغان بإتّجاه روسيا و إيران. كما يخوض بوتين و أردوغان حاليّا تحديّات مع المعارضة ببلديهما، و يجب الإعتراف أنّ معركة بوتين أسهل بكثير و يده حرّة حتّى أنّه متّهم بتصفية بعض معارضيه جسديّا داخل روسيا و حتّى خارجها.
على الطرف الآخر تجمع أردوغان مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما أيضا الكثير من الصفات المشتركة. أوّل هذه الصفات هي موهبة الخطابة و قد كان لهذه الموهبة تحديدا الفضل الرئيسي في تسلّقهما سلّم النجاح الشعبي و السياسي فهم يستطيعون بسهولة إرتجال أطول خطاب دون تحضير مسبق. لكن للخطابة عندهما هدفا آنيا يبدأ مع إلقاء الخطاب و ينتهي بنهايته و المهم ما يجلبه من تصفيق و إعجاب من الجماهير عند إلقائه. و يشترك أوباما و أردوغان أيضا بسرعة تجاهل و نسيان الوعود و الإلتزامات الّتي يطلقونها في خطاباتهم فما أكثر التحذيرات و الخطوط الحمر الّتي يطلقونها وسط التصفيق الحاد، و لكنّ خصومهم وأغلب سامعيهم يعلمون أنّ هذا مجرّد كلام.
كذلك هناك صفة أخرى مشتركة بينهما و هي البراغماتيّة وهي وصف مهذّب لما قاله ميكيافيلّلي قبل قرون : الغاية تبرّر الوسيلة، وضمن هذه الصفة نستطيع أن نتفهّم السياسة الأمريكيّة و التركيّة تجاه إيران خلال السنوات الماضية مثل الزيارات المتكرّرة بين المسؤولين الأتراك و الإيرانيّين مع صفقاتها الإقتصاديّة، او السياسة الأمريكيّة تجاه إيران والّتي يتم فيها تجاهل كل ما يرتكبه النظام الإيراني تجاه شعوب المنطقة بما فيها الشعب الإيراني نفسه لقاء مصالح إقتصاديّة و سياسيّة آنيّة.
نقطة أخرى تجمع أوباما و أردوغان و هي أنّهما شخصان إيديولوجيّان وعنيدان، أي ينظران لكل الأمور من خلال أحكام مسبقة و مهما أتت الأحداث في الواقع مخالفة لما كانا يتوقّعانه و مهما ترتّب عليها من كوارث فإنّهما يبقيان مصرّين على صحّة مواقفهما، مثلا الرئيس أوباما في آخر مقابلاته قال إنّ ما فعله في سوريا كان هو الصواب !!
وكذلك أردوغان عند إصراره على بعض سياساته أو محاولته التمسّك بالسلطة عبر تغيير النظام السياسي في تركيّا مع ما ترتّب على ذلك من إنقسام حاد في المجتمع التركي. لن ننسى صفة أخرى تجمعهما وهي الحذر الشديد في سياساتهم الخارجيّة و الّتي تجعلهما بموقف الضعيف، فالولايات المتّحدة، أقوى دول العالم عسكريّا و إقتصاديّا بما لا يقاس، تتوسّل الحلول من روسيا بوتين بما يحفظ ماء وجهها فقط، وكذلك تركيّا ثاني قوّة عسكريّة في حلف الأطلسي بعد الولايات المتّحدة لا تستطيع الإتيان بأي حركة إذا لم تنل الموافقة الأمريكيّة الأطلسيّة، و الّتي لن تأتي في ظل رئاسة أوباما، بينما نرى إيران تقوم بإرسال آلاف المقاتلين و الأسلحة لكامل الشرق الأوسط دون إنتظار موافقة أحد، و حتّى القيادة السعوديّة الجديدة فقد خرجت أحيانا عن العباءة الأمريكيّة و تقوم بنفسها
بالدفاع عن مصالحها على عكس تركيّا، و حتّى الدخول التركي الأخير في شمال سوريا ربّما ما كان ليتم لولا تنسيق و إتّفاق مسبق مع الروس و الأمريكيين.
يقدّر السوريّون ما قامت به تركيّا تحت قيادة أردوغان من دور أساسي بصمود الشعب السوري في وقت تخلّى عنه العالم و كذلك وضع اللاجئين السوريين في تركيا و الّذي لا يمكن مقارنته بأي دولة أخرى خاصّة عربيّة و لكنّهم يتساءلون هل كان بإمكان تركيّا القيام بأكثر من ذلك، كما أنّهم يشعرون بالقلق من العلاقات التركيّة الّتي تبدو حميمة مع من يقتلون الشعب السوري يوميّا و بكل أشكال الأسلحة؟.