الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أزمة سوريا… والوقت الضائع في جنيف

أزمة سوريا… والوقت الضائع في جنيف

23.03.2016
محمد عايش


القدس العربي
الثلاثاء 22/3/2016
حدثان مهمان شهدتهما المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية، يحملان الكثير من الدلالات المهمة ويستحقان التوقف عندهما، الأول هو الخلية التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" التي تم اكتشافها في شمال الأردن، والتي خاضت معركة استمرت عدة ساعات مع قوات الأمن الأردنية، في حادثة هي الأولى من نوعها في البلاد، أما الحدث الثاني فهو التفجير الانتحاري الدموي الذي ضرب مدينة اسطنبول التركية وأودى بحياة عدد من الأجانب.
الحدثان بالغا الدلالة والأهمية، رغم أنهما ليسا مفاجئين، إذ كان متوقعاً – ولا زالت التوقعات قائمة – بأن تشهد كل من تركيا والأردن أحداثا أمنية مختلفة الحجم والشكل، وذلك بسبب عوامل الجغرافيا، التي جعلت منهما جيراناً لكرة النار التي تغلي في سوريا، إضافة إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين، الذين يمكن أن يكونوا قناة لتسلل بعض المسلحين أو الانتحاريين.
ليس المهم اليوم شكلُ الأحداث التي شهدتها دول الجوار لسوريا، ولا حجمها، لكنَّ المهم هو أن الأزمة تتوسع، والمنطقة تلتهب، وكرة الثلج تكبر يوماً بعد آخر، وما لم يتم التوصل إلى حل للصراع في سوريا يحقن الدماء ويوقف القتال ويُنهي السباق نحو التسلح والسلطة والقوة، فإن المنطقة بأكملها سوف تغرق في بحيرة من الدم والصراع الذي قد يستمر لعقود. في الملف السوري ثمة عدد من الحقائق والمعطيات التي لا يمكن إغفالها لمن يريد البحث عن مخرج للأزمة، أهمها وأولها أن الولايات المتحدة لم تعد موجودة في هذ المنطقة، ولم تعد تلعب الدور الذي كانت تلعبه في السابق، فهي تنسحب من هذه المنطقة ومشروعها ينكفئ، ومقابلة الرئيس أوباما الأخيرة مع مجلة "أتلانتك" تؤكد ذلك، بل تؤكد أن منطقة الشرق الأوسط برمتها لم تعد أولوية في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث أن المصلحة الأمريكية في شرق آسيا، وتحديداً مع الصين أصبحت أكبر وأهم.
مسألة غياب الولايات المتحدة عن المنطقة فهمتها روسيا جيداً، ولذلك لم تتردد كثيراً في التدخل في سوريا بعد أن تأكدت أن أمريكا ومعها حلف "الناتو" لن يتدخلا في الصراع في سوريا، بل لا يميلان الى إسقاط نظام بشار الأسد، على غرار ما فعلا في ليبيا. أما اقليمياً فإن إيران هي أفضل من قرأ السياسة الأمريكية عندما بدأت مشروع التمدد في المنطقة على حساب الفراغ الأمريكي، ابتداء من الهيمنة على العراق ووصولاً الى سوريا واليمن، ومشروع التوسع الايراني في العراق ليس وليد السنوات الأخيرة وإنما يعود الى عشر سنوات مضت وربما أكثر.
أما الحقيقة الثانية المهمة فهي أن أطراف التفاوض في جنيف ليست ذاتها أطراف الصراع على الأرض، وأن مجموع الجغرافيا التي يسيطر عليها المتفاوضون (النظام والمعارضة) أقل من مجموع المساحة الخاضعة لتنظيم "الدولة الاسلامية"، وهو ما يعني أن المفاوضات تدور حول جزء من الصراع وليس حول الصراع كله، أي أن افتراض أن كل الأطراف المتفاوضة في جنيف قد وافقت على وضع السلاح تماماً، لن يكون كفيلاً بإرساء السلام وإنهاء القتال وإنهاء الانقسام الحاصل في سوريا، بل التفتيت الذي تشهده البلاد حالياً.
الحقيقة الثالثة المهمة في المشهد السوري، أن المعركة لم تعد داخلية، وإنما أصبحت اقليمية ودولية، فالفصائل المتناحرة داخل سوريا اليوم لها امتدادات في الخارج، واللاعبون هم دول كبيرة ومهمة، ومن يريد وقف الحرب فعليه إقناع مجموعة الدول المهمة والفاعلة بضرورة وقف القتال.
من يحدق النظر جيداً في المشهد السوري يُدرك أن مفاتيح الصراع ومفاتيح الحل موجودة في ثلاث عواصم إقليمية: الرياض/ طهران/ أنقرة، وبدون إرضاء هذه الدول الثلاث وضمان مصالحها، فلا يمكن للأزمة السورية أن تنتهي، ومن دون أن تتفق هذه الدول الثلاث فمن المستحيل أن ينتهي الصراع في سوريا، حتى لو قررت الولايات المتحدة ومعها حلف الناتو التدخل، أو قررت روسيا على الجانب الآخر التدخل وألقت بكل وزنها العسكري لدعم نظام بشار الأسد.
خلاصة القول، إننا اليوم أمام أزمة سياسية وعسكرية وأمنية خطيرة في سوريا، وهي أزمة تتوسع في المنطقة وتهدد دول الجوار، وأمام مفاوضات تبدو الآمال التي تنبعثُ منها ضعيفة، إن لم تكن معدومة تماماً، لأن من يتفاوض لا يملك، أو يملكُ في أحسن الأحوال جزءاً يسيراً من الحل، فيما يبدو أن كل محاولة لتطويق الصراع في سوريا من دون المرور بكل من الرياض وطهران وأنقرة ستكون مجرد تضييع للوقت، وتضييع الوقت في مثل هذا المشهد المتردي لا يخدم إلا الفوضى والعنف فقط.
كاتب فلسطيني