الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أصداء المصالحة التركية الروسية على الثورة السورية

أصداء المصالحة التركية الروسية على الثورة السورية

16.07.2016
بشار عمر الجوباسي


القدس العربي
الخميس 14/7/2016
أصبح الآن جليا أن الخلاف بين الرئيس أردوغان ورئيس وزرائه السابق داود أوغلو لم يكن فقط حول تحويل النظام السياسي التركي إلى نظام رئاسي.
هذا ما يظهر من التحول الجذري في السياسة الخارجية التركية التي عادت إلى حالة الحمائم البيضاء، أو ما يسمونه في تركيا سياسة صفر مشاكل.
إذن فالخلاف بين الرجلين كان حول رغبة داود أوغلو بالاستمرار في العمل لتحويل تركيا إلى قوة إقليمية ترسم رؤى إستراتيجية وتدافع عنها وتتحمل دفع أثمان سياسية واقتصادية في سبيلها، وهذا ما لم يعد يريده أردوغان، الذي ربما كان من الأنسب أن يطلق على سياسته اسم التجريب، أكثر من اسم صفر مشاكل.
فبعد تدخل روسيا في سوريا جرب زج حلف الناتو في مواجهة معها إثر إسقاطه للطائرة الروسية، ثم طالب بتفعيل المادة الخامسة من دستور الناتو التي تنص على وقوف دول الحلف إلى جانب أي دولة منه تتعرض لتهديد خارجي، لكن كان رد أوباما سحب بطاريات الصواريخ الأمريكية المضادة للطائرات من تركيا، وتركها لتواجه مشاكلها بنفسها.
جرب أردوغان بعدها التوجه إلى أوروبا عبر المساومة حول حل ملف الهجرة إليها مقابل الحصول على مكاسب تغنيه عن خسائره المترتبة عن جمود علاقته بروسيا، وأيضا لم ينجح. جرب أيضا إنشاء حلف إسلامي أو بعبارة أدق حلف سعودي تركي يساعده على حل مشاكله ويقوي نفوذه في المنطقة، وكذلك واجهت مساعيه المصير البائس نفسه، لا شك أن إفشال المحاولات التركية للعب دور خارج حدودها تقف وراءه الولايات المتحدة.
رغم الدعم الإيراني المباشر والعلني لنظام الأسد الإرهابي، واقترافها جرائم ومجازر يومية منذ اليوم الأول للثورة السورية وإلى الآن، لم تتأثر علاقة حكومة أردوغان مع إيران، لا بل ظلت علاقاتهما تتطور بوتيرة لا تشهدها علاقتها مع أي دولة أخرى، عمليا يتحاربان بالوكالة في سوريا من دون أن يؤثر ذلك على تطور التبادل التجاري بينهما؛ تجمعهما فقط الرغبة في عدم السماح في ظهور كيان كردي في سورية، يتمتع بأسباب الاستمرار الذي قد يؤدي إلى إنشاء دولة كردية يوما ما، وهذا ما دفع تركيا التي تضع عادة الاقتصاد في أعلى سلم أولوياتها إلى تجاهل علاقاتها الاقتصادية بروسيا التي كان يصل حجمها إلى 34 مليار دولار سنويا، عندما رأت الدعم الروسي لما يسمى وحدات حماية الشعب الكردي التي قد تؤدي لوقوع ما تخشاه تركيا.
تمثل القضية الكردية أهم قضية استراتيجية لتركيا وتفوق الاقتصاد أهمية وكانت وراء الصدام التركي الروسي، وهي أيضا أحد أسباب المصالحة التركية مع روسيا ومع إسرائيل، التي لا يغيب عن أحد نشاطها وعلاقاتها مع وحدات حماية الشعب الكردي التي تسيطر على أرض وقرار الأكراد السوريين بقوة سلاحها الروسي والأمريكي.
لم تعد تثق تركيا بحليفها الأمريكي، وتيقنت بعد الكثير من المحاولات، ربما كان آخرها المساومة بتدخل تركي سعودي عسكري لضرب "داعش"، تقاطرت في سبيله القوات السعودية إلى تركيا، لكن الولايات المتحدة خذلت حليفتيها التاريخيتين وفضلت عليهما حليفا جديدا هو فصيل كردي – يملك عقلية نظام الأسد نفسها ويتصرف مثله – وذلك لغاية في نفسها.
تسعى تركيا إلى إعادة علاقاتها الاقتصادية مع روسيا من جهة، وإلى العثور على شريك يطمئن مخاوفها حول القضية الكردية في سوريا هذا بعدما فقدت الأمل من الأمريكيين، وهي تملك أوراقا تستطيع أن تضغط بها على روسيا كتتار القرم مثلا. تتدخل روسيا عادة في محيطها في الدول المستقلة عن الاتحاد السوفييتي البائد التي لا تزال تعتبرها حصنها الأخير في وجه رياح التغيير التي يحاول بوتين إبقاءها بعيدة عن نظامه.
سوريا هي الدولة الوحيدة التي تدخلت فيها روسيا عسكريا بشكل مباشر خارج دول الاتحاد السوفييتي منذ سقوطه، لذلك لا شك أن الاحتلال الروسي لسوريا كان بضوء أخضر أمريكي لمنع سقوط النظام، أو بعبارة أخرى لمنع نجاح الثورة السورية، تهدف روسيا عبر ذلك الاحتلال إلى تصدير أزماتها الداخلية وإبقاء صراعها مع الغرب خارج حدودها وكذلك إلى الإطمئنان إلى أن الوجهة المقبلة التي ستسلكها عناصر "داعش" ستكون بعيدة عنها؛ فوجدت في تركيا شريكا يمكن الاعتماد عليه في هذا الأمر إضافة لحاجتها الماسة إلى إعادة إحياء علاقاتها التجارية مع تركيا في ظل استمرار الحظر الأوروبي عليها، الذي مدد مؤخرا لستة أشهر إضافية، ولا تلوح في الأفق أي بوادر لإنهائه، نظرا لاستمرار التوتر والتصعيد بين الناتو وروسيا في شرق أوروبا على خلفية الأزمة في أوكرانيا والقرم.
بعد التقارب التركي الروسي تقدم الثوار السوريون في جبهات الساحل ولكنهم يخسرون في حلب التي تقاوم الوقوع تحت حصار قوات المليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية المدعومة بغطاء جوي روسي، وهذا الأمر لم يتمخض عنه أي تصريحات تركية، أو دعم عسكري للثوار لمواجهة هذه الهجمة الأخيرة التي تهدف إلى حصار حلب، الأمر الذي كان يمثل خطا أحمر لتركيا سابقا. وهذا ما يوحي باستمرار محرقة الشعب السوري وباتفاق تركي روسي للنأي بعلاقاتهما عما يجري في سوريا.
الحديث عن قبول تركيا ببقاء رأس النظام السوري لفترة انتقالية قصيرة في سبيل حل سياسي في سوريا بعد عودة الدفء للعلاقة التركية الروسية يوحي بمعارضة تركيا أو عرقلتها لمبادرات سابقة حول سوريا، وهذا ليس صحيحا؛ الحل في سوريا وإيقاف الحرب بيد الولايات المتحدة وإسرائيل أولا وأخيرا، في حين تحاول كل دولة في المنطقة الحصول على حصة لها في سوريا، أو طمأنت مخاوفها حول ما قد يخبئه لها مستقبل سوريا بعد رحيل نظام الأسد.
مهما كانت الدوافع والمخاوف الإستراتيجية التركية فإن المصالحة بين تركيا ونظام الأسد التي تحدث عنها رئيس الوزراء التركي مؤخرا وكذلك إعادة العلاقات التركية مع نظام السيسي، وأذناب ملالي إيران الآخرين في العراق، يسقط تركيا وحزب العدالة والتنمية من المكانة التي كان يشغلها في نظر المسلمين، فلم تعد تركيا إذن وريثة الدولة العثمانية التي تقود وتتصدر المشهد للدفاع عن قضيا المسلمين في المنطقة والعالم، وإنما دولة ضعيفة تبحث عن سلامتها ورزق أبنائها فقط.
لا شك أنه تمت مساومة تركيا على الاختيار بين قيام دول كردية في سوريا وبقاء نظام الأسد  وطبعا ليس وراء ذلك إلا إسرائيل ولوبياتها – فكان ما ستأتي به الأيام المقبلة.
 
٭ كاتب سوري