الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ألم يكن حالنا أفضل قبل هذه الثورات؟

ألم يكن حالنا أفضل قبل هذه الثورات؟

23.09.2014
د. خليل قطاطو



القدس العربي
الاثنين 22-9-2014
أكاد أسمع الإجابة بنعم يرددها الكثيرون بتلقائية قد لا تكون دقيقة. لا تتسرعوا ودعونا نحلل بموضوعية. أقف بشموخ مدافعا عن هذه الثورات، رغم فشل معظمها وأواجه بسؤال استفزازي مثل عنوان هذه المقالة. مع كل هذا القتل والدمار والخراب، أيعقل أن يكون الرد بغير نعم! لقد أصبحت حال بلادنا من السوء بحيث أنها عادت الى الوراء عشرات السنين، من الناحية الاقتصادية والعمرانية، وأقل ما توصف بها الاوضاع الان هو حروب اهلية وطائفية لا نهاية لها في نظر المتشائمين، اذن من أين يأتيني التفاؤل وسط كل هذا الظلام؟
دعونا نتفق أولا على استبعاد نظرية المؤامرة، أو على الاقل في بدايات هذه الثورات. انه من المجحف والمخجل معا أن نصادر أبداع الجماهير التي خرجت الى الميادين مستعدة للتضحيات في سبيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، بل العدالة الشاملة في شتى مجالات الحياة. الثورات بدأت كصرخات مدوية ضد الفساد السياسي والمالي والاخلاقي، بعد أن أصبحت الأوطان مزارع خاصة للحكام ومن تحلّق حولهم من الطفيليات، وسجنونا ضمن اسوار المزرعة كالقطيع.
اندلعت الثورات ضد القمع والديكتاتوريات والتنكيل وكبت الحريات بكافة صورها. أسمع أيضا القائلين بمؤامرة الفوضى الخلاقة التي بشّرت بها امريكا قبل بضع سنين، وكأن ما من نملة تدب في شوارع القاهرة أو دمشق أو بنغازي الا بأمر أمريكا عند هؤلاء، وكأن التاريخ لا يُكتب غلا في واشنطن.
اندلعت ثورات من قبل في امريكا الجنوبية واوروبا الشرقية ولم تستغرق وقتا طويلا لتبدل الديكتاتوريات بديمقراطيات. منطقتنا العربية لها وضع خاص، تلخص ببترول واسرائيل، المنزرعة في قلب الوطن، وموقع استراتيجي يشرف على قناة السويس ومضيق باب المندب، وثقافة شرقية ودين يختلفان ايديولوجيا مع الكثير من المعتقدات الغربية، وجاهلية وقبلية ومكاسب حزبية، ما زلنا غير قادرين على التخلص منها لصالح الوطن. هذه العوامل مجتمعة وغيرها دفعت الكثير من القوى المحلية والأقليمية والخارجية للتدخل (سرا وعلنا) لجني بعض الثمار، حتى قبل أن تنضج،  فأعاقت وصول هذه الثورات لأهدافها، او منعتها من تحقيق مرامها. دعونا نعود للسؤال الوجودي أعلاه. نعم خسرنا بحسابات الربح والخسارة، ولكننا  كسبنا أنفسنا، وتخلّصنا من عقدة الخوف ومن رعب السجون التي كنا نهدد بها من الطغمة الحاكمة، وازدادات مساحات الحريات في الوطن العربي، حتى في الدول التي لم تندلع فيها الثورات، وكذلك حجم الوعي بحقوق الانسان والمحاسبة والمساءلة والشفافية.
قد يقول قائل، كانت البلاد آمنة ومستقرة.. لا يا عزيزي، انه صمت المقابر. هل كان يجرؤ أحد أن يستفسر عن مصير ولده أو أخيه أو صديقه في غياهب المعتقلات، تحفى الأقدام للسؤال: أهو حي أم ميت؟ ولا جواب، في احتقار واضح لإنسانية المواطن، والغاية ان يكون المفقود عبرة لغيره حتى لا يرفع احد صوته مطالبا بأبسط حقوقه، وقد كان.
الثورات بمجملها تعرضت لمحاولات إجهاض لأسباب مختلفة حسب طبيعة الصراع في كل قطر. لكن الشعوب ما زالت متمسكة بالحلم.. ما زالوا يتظاهرون في مصر ضد الانقلاب، غير مبالين بالاعتقال، في تمسك واضح بحرياتهم. في سوريا ما زالوا يقاتلون، حتى بعد ان تكالبت عليهم الامم. في ليبيا يحاولون الحفاظ على ثورتهم من محاولة انقلابية تحاكي ما جرى بمصر. في اليمن الحوثيون قدموا للحكومة اليمنية (تحت تهديد السلاح) مطالب  ظاهرها عدالة اجتماعية وباطنها مصالح طائفية، ابتزاز واضح. تونس تستعد لبناء ديمقراطيتها الاولى مع عودة ظاهرة لرجالات العهد البائد، وكما يقول احد الكتاب، لم يبق الا ان يعود  الرئيس بن علي. وفي العراق طائفية و"داعش" واكراد وتدخل امريكي واوروبي. مع كل هذا، يعود السؤال المحيّر: ألم يكن حالنا أفضل قبل هذه الثورات؟ لا، لأن المستقبل لم يأت بعد.
لقد خرج الجني من القمقم، ولن يستطيع أحد، رغم كل الخزعبلات، أن يحشره في القمقم ثانية، رغم قتامة الجو، ستستمر هذه الثورات، لقد زلزلت اساسات واركان الانظمة، ولن تقوى على أن تظل قائمة، ولن تنفعها عمليات التجميل والترميم والاسناد. هذه ليست نبوءة أو تنجيما أو تفاؤلا من دون دليل، ولكنها حتمية التاريخ الذي ليس بالضرورة أن يُكتب بواشنطن، باريس، لندن، او تل أبيب.
٭ كاتب فلسطيني