الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أوباما يريد "مستبدين أذكياء" في الشرق الأوسط

أوباما يريد "مستبدين أذكياء" في الشرق الأوسط

13.03.2016
وائل عصام


القدس العربي
السبت 12-3-2016
أكثر ما هو لافت في الموضوع الذي كتبه الصحافي غولدبيرغ في مجلة "أتلانتك"، هو التعليقات التي أطلقها أوباما بعيدا عن الإعلام برغبته بالاعتماد على "مستبدين أذكياء" في الشرق الأوسط.
وهي تماثل السياسة الواقعية التي يعتمدها الأمريكيون فعلا في الشرق الأوسط منذ عقود، بدعم انظمة غير ديمقراطية طالما حققت للولايات المتحدة مصالحها في المنطقة، بعيدا عما تروجه المؤسسات والمنظمات العربية المرتبطة بالغربيين، والمفعمة برومانسيات الديمقراطية والدولة المدنية وغيرها من المفاهيم التي دأبت على ترويجها للجمهور العربي.
بحسب الصحافي الأمريكي غولدبيرغ فإن أوباما كان يقول ساخرا: "كل ما أحتاجه في الشرق الأوسط هو بعض المستبدين الأذكياء"، ولعل هذا أحد الأسباب التي دفعته للعدول عن قراره بضرب النظام السوري، بعد عملية الكيماوي، إضافة طبعا لما شرحه الصحافي الامريكي من عوامل طرأت ونصائح وردت إليه من بعض مستشاريه، وعوامل اخرى رأها وجيهة بعدم توجيه ضربة. ويبدو أنه وجد أن إضعاف الاسد سيهز أحد المستبدين الأذكياء الذين يرى وجودهم أفضل من الفوضى في الشرق الأوسط، كما هي سياسة الاحتواء الامريكية. وهو يؤكد ما ذهبت إليه هيلاري كلينتون في مذكراتها، عندما وضحت سبب حيرة المسؤولين الأمريكيين في اتخاذ قرار حاسم بالملف السوري، وهو ما وصفته بـ"المعضلة الخبيثة"، وإضافة إلى الفشل بالعراق فإن الامريكيين يخشون بلا شك من صعود قوة التيارات الاسلامية السنية والجهادية، خصوصا التي تبدو السيطرة عليها غير مضمونة، إذا أصبحت في عاصمة استراتيجية كدمشق، بالنظر لقدرتها على بناء كيان قادر على تحقيق قدر من الاجماع الشعبي في عدة دول عربية، مستفيدة من أزمة كتلة جماهيرية عربية ممتدة يعتريها غضب عارم من واقع أنظمتها، وفي الوقت نفسه يسكنها توق وحنين كبير إلى مشروع قوة ووحدة عربية أو إسلامية سيكون معاديا للغرب.
هذا المشهد في نظري بدا مهددا إسرائيل، بل ومهددا كافة حلفاء الامريكيين من الأنظمة المستبدة التي يرونها ربما بمقياس "مستبد حميد موال"، خير من "مستبد خبيث متمرد". ورغم أن هذه النظرة تبدو واقعية بالنسبة للامريكيين، ولأوباما، إلا أن المفارقة تكمن في أن بعض المسؤولين العرب يريدون أن يعلموا أوباما ما هي مصلحة امريكا، وكما يروي الصحافي غولدبيرغ فان مسؤولين عربا وسفراء في واشنطن أطلقوا تعليقات غاضبة عندما تراجع أوباما عن ضرب الاسد، قائلين "إننا نظن أن امريكا يجب أن تكون اقوى من ذلك"، وكأنهم يعتقدون أن مهمة امريكا على كوكب الارض هي الراعي الابدي والاب الحنون الذي يسهر على حل مشاكل حلفائه، من الحكومات العربية العربية والدخول في حرب نيابة عنها ومهاجمة اعدائها، وكأنهم يؤمنون أكثر من كيسنجر نفسه بأمريكا عندما قال "إن لقوة أمريكا حدودا"، وهكذا تعتقد تلك الانظمة الضعيفة التي تستمد قوتها من الخارج غير القادرة على صناعة مشروع قوة يؤمن لها حماية ذاتية لمصالحها كما فعلت ايران، بدلا من الاعتماد على "ماما امريكا". وفي هذا السياق يذكر المقال أن أحد السفراء العرب في واشنطن علق غاضبا، بأن نتيجة سياسة امريكا هي أن ايران اصبحت القوة الجديدة الكبيرة في الشرق الأوسط، واللافت أن هذا المسؤول نفسه وإعلامه يتحدث يوميا للجمهور العربي عن ضعف ايران وانهزامها، وغيرها من التوصيفات التي تهدف لإبقاء وعي الناس بعيدا عن الواقع المر الذي تسببت فيه سياسات انظمتنا العتيدة.
ولعل المهم أيضا الاشارة لما يعانيه أوباما من تردد ناتج عن حذره من الوقوع بأخطاء العراق مجددا، وهو الذي اعترف بخطاب علني أن الامريكيين تعلموا "درسا قاسيا" من حرب العراق، وارتكبوا اخطاء، وتوصلوا إلى أن القوة العسكرية لا يمكن أن تفرض حلا دائما ومستقرا، ولذلك هم لا يريدون الغوص في رمال النزاع السوري مجددا، هذه النظرة المتوازنة للامريكيين انطلاقا من مصالحهم، لا يفهمها الكثير من الجمهور العربي، الذي يرى امريكا كإله وقوة عظمى لا تقهر ولا حتى تخطئ، وأنها قادرة على إنهاء أي مشكلة تواجهها وعلى هزيمة أي عدو بكبسة زر، من دون الالتفات للظروف الموضوعية وتوازنات القوة المحلية، التي لا يمكن لامريكا ولا لأي قوة قطبية في العالم تجاوزها عند التدخل في منطقة ما، بل إنها لا تستطيع التدخل إلا من خلال تحالفات محلية تمنحها موطئ قدم.. باختصار الجمهور العربي يرى أمريكا أقوى مما يراها رئيسها! وحتى الصورة النمطية التي ترسخت لدى قطاع واسع من الناس بأن اسرائيل تدير امريكا تماما، وبشكل مطلق لا تبدو دقيقة، وما جاء في الموضوع من خلافات بين أوباما ونتنياهو يشير لذلك، رغم أنه لم يكشف سرا أن أوباما أغضب اسرائيل باتفاقه النووي مع ايران، وهذا ايضا يوضح أن من يملك رؤية ونفوذا سياسيا في الشرق الأوسط يستطيع أن يفرض على الامريكيين بعض مطالبه، وإن على حساب اقرب حلفائهم الإسرائيليين.
ولذلك ننتهي بما انتهى به المقال الذي تحدث عن بعض تعليقات أوباما عن الذهنية السائدة للجمهور العربي، وإحباطه من تعليق العرب مشاكلهم على اسرائيل، وربما ايران اليوم، بدلا من أن يواجهوا انفسهم ويلتفتوا لمشاكلهم وعيوبهم التي جعلتهم في ذيل الركب، وهو بتقديري جوهر المعضلة التي تجعل العرب غير قادرين على مواجهة اعدائهم في اسرائيل وإيران، لأن عليهم بناء انفسهم ليتمكنوا من الوقوف على أقدامهم بداية ثم مواجهة الآخر، وهذا لن يحدث قبل معالجة جروحهم التي أقعدتهم وأعجزتهم عن الوقوف، وهذا أيضا وببساطة لن يحدث قبل أن يعترفوا بوجود هذه الجروح والهنات في جسدهم، الذي يبدو أنه بحاجة ايضا للإيقاظ من حالة تخدير تعتريهم تمنعهم اصلا من الاحساس بالألم.
٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"