الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أين يقف النظام العالمي الجديد الحقيقي؟

أين يقف النظام العالمي الجديد الحقيقي؟

14.09.2014
بيار لوي ريمون



القدس العربي
السبت 13-9-2014
المجرة الإخبارية، مفهوم جديد من إبداع قلمي أعرضه اليوم على الجمهور الكريم، وإن كان هذا الكلام على سبيل التهكم  فلا حاجة إلى كبير إبداع لاعتماد المجرّة وصفا لتسلسل أخبارنا بضرّائها الذي يفوق سرّاءها في أحايين كثيرة.
وربما لن يخفى على عين القارئ المدربة، أن عدة قنوات بدأت تعتمد المجرة تصميما جماليا تتسنى ملاحظته كديكور يطل من وراء المذيعين وضيوفهم المنهمكين، إما في تحليل الأحداث، وإما في اتخاذ المواقف بشأنها، وإما في تمرير توجهات مؤدلجة حتى النخاع، وفي الغالب الثلاثة معا.
المجرة الإخبارية ثلاثية الأبعاد، بهذا العنوان، أعتقد أننا صرنا قادرين على توصيف طريقة جديدة في الإبداع الإعلامي. الإبداع الإعلامي، تعبير صار بالإمكان استخدامه أيضا للدلالة على جملة تغييرات أدخلت الإعلام في حلبة تنافسية لا ترحم. لكننا بتنا مقصرين عن تحليل هذا المنعرج المفصلي الذي غدا به العمل الصحافي متكئا على عناصر أقرب ما تكون إلى المنتوج التسويقي منه إلى دقة التحليل وموضوعية المقاربة.
لكن من غير المنصف من ناحية أخرى أن نقصر في حق الإعلام في أن يعيش حداثته أيضا. ومعنى أن يعيش الإعلام حداثته قدرته على "استساغة" الجديد من التطور الحداثي بما يستلزم الأمر من تسخير العقل التكنولوجي والرقمي للعقل الإنساني. وهنا تحدي الإعلام الجديد. ومن هنا يبدأ مسار الإعلام ثلاثي الأبعاد. ولئن كان المنحى ثلاثي الأبعاد قد أخذ منعرجا جديرا بالعناية، فلأنه مهد الطريق أمام تغييرات جديدة تعلن عن عهد جديد لم تعد فيه الصحافة ممارسة شبيهة بسابقتها.
أول العوامل الشاهدة على هذا التغيير يتركز في الوزن الذي صار يأخذه الجانب المرئي من الحقل الإعلامي، بحيث صار لما يدعى بالسمعي البصري اتجاه يقرّبه من البصري أكثر من السمعي، بل أكثر بكثير. وللأمر تبعات، فتغليب البصري على السمعي يبعث إلى الرأي العام رسالة بأن ردود الفعل المنتظرة مبنية على آنية في التفاعل، يصبح معها عامل الجهد التجريدي الذي يتطلب وقتا للتفكير أمرا فرعيا. ما لم يُلحظ كثيرا هو أن القطاع السمعي البصري كرس الصراع بين المرئي والمسموع وخرج منه المرئي منتصرا على حساب المسموع. أجل، ف"نمذجة" الصورة كما يقال، دلالة على التقدم الهائل الذي حققته قدرة على عرض الصور، تجعل وراء كل صورة تقريبا توجيها لا تنفكّ، لوضوحه، تقلّ الحاجة إلى فك شيفرته بمرور السنين إن لم نقل الأيام، وغدا الدقائق.
ليس جديدا أن نقول إننا دخلنا عصر الصورة، لكن ما قد يبدو جديدا نسبيا هو الدفع بفكرة أننا دخلنا عصر الصورة المنتصرة على الصوت. طبعا، ليس الصوت "المهزوم" في هذه المعادلة صوتا مغلوبا. كلا.. إنه صوت وقع في قبضة الصورة التي صيرته أداة طيعة لتخدم مصلحتها قلبا وقالبا. فليس الصوت هنا في مقام علاقة المرتبة السفلى بالمرتبة العليا، بقدرما هو في مقام الرفيق الداعم للصورة يعضده ليل نهار. وهنا تكمن المفارقة: مفارقة انتصار الصورة على صوت لا يزال مدويا، بل يجب ان يكون كذلك. وإن لاحظت جيدا أيها القارئ فإنك ستكتشف أننا لم نصادف أبدا تعبير "المؤثرات الصورية" – رغم وجاهته – بل تعبير المؤثرات الصوتية هو السائد فقط.
كأن الصورة تؤثر بطبيعتها، لمجرد كونها صورة لا أقل، ولكن أيضا لا أكثر. أما الصوت، فكأنه بحاجة لمعوان لا يغادره، يتمثل في خضوعه الدائم لعملية التأثير: كفانا إلقاء نظرة إلى محل كلمة "مؤثر" من الإعراب، لنستنتج من وقوعه في مرتبة اسم الفاعل. ان الصوت، في علاقته بالصورة، لا ولن يؤدي الدور الطلائعي على الوجه الأكمل، فهو عبد الصورة الفقير الضعيف ويزداد عبادة له وخضوعا بقدرما يتقدم النظام الرقمي المنمذج الذي غدا يشكل النظام العالمي الجديد الحقيقي.
وللأمر خطورة نحن معرضون لها في كل وقت وهي خطورة تحمل اسما معروفا: "غسل الأدمغة".
٭ باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي