الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أيها الذاهبون إلى جليد موسكو

أيها الذاهبون إلى جليد موسكو

07.01.2015
د. يحيى العريضي



القدس العربي
الثلاثاء 6-1-2015
أيها الذاهبون إلى جليد موسكو؛ سأفترض أنكم تمتلكون قدرات سياسية كبيرة، وأنكم خبراء بالجيوبوليتيك. ومن خلال معرفتكم المعمقة بالعلاقات الدولية، خاصة مبدأ القوة الذي يسود هذا العالم، تحفظون عن ظهر قلب أن منطق القوة يتحكّم بقوة المنطق والحق.
وسأفترض أنكم كبشر وصلتم إلى مرحلة اقتناع وانسحاق بأن العين السورية البائسة المحاصرة الجائعة المحروقة المشردة المُهانة، غير قادرة على مقابلة المخرز المجرم المدعّم من قوى عالمية غاشمة؛ وإن هذا العالم الأهوج الأحول الأشوه تخلى عن المسألة السورية؛ ولابد لكم من التمسّك حتى بأحبال الهواء لكي "تنقذوا شعب سوريا أو ما تبقى من سوريا"، وسأفترض أكثر من ذلك أنكم تعتقدون أن خطوة سياسية كهذه، ستضع ليس فقط النظام في زاوية حرجة، بل أولئك الداعمين له، وعلى رأسهم روسيا.
لا أدري إن كان بعضكم على بينة من أن روسيا ذاتها التي ترسل إليكم ما يشبه "مذكرات جلب" – ومع الأرهاصات الأولى للحرب العالمية الثانية- كانت في حالة غزل وحوار مع ألمانيا هتلر النازية، للتوصل إلى تسويات سلمية، وهكذا فعلت بعض الدول الأوروبية حينها. لقد كان ذلك قبل أن يدركوا جميعاً أن لا حوار ولا مفاوضات مع مخلوق قرر إلغاء الآخر (هتلر). يبدو أنكم نسيتم أو تتناسون أن نظام الإجرام في دمشق مبني على النهج ذاته؛ الذي تمثل بشعاره "الأسد أو نحرق البلد".
لابد نسيتم أيضاً أن روسيا ذاتها غير مصدقة أنه يمكن لأحد أن يقبل بها راعياً لأي مناقشة أو حوار، مع عصابة تعتبر مصيرها قضيتها ذاتها، والأحرى بمن يقبل الدعوة أن يكون جدول أعماله بندا واحدا يتمثل بإنهاء الاحتلال الروسي لسورية. عصابة دمشق خصم رخيص، خصمكم الأساسي صاحب الدعوة.
صاحب الدعوة هذا هو الذي ضمن إعلان النظام عن تسليم أسلحة سورية الكيماوية خلال خمس دقائق. إنه السلاح الذي دفع السوريون ثمنه دمهم ودموعهم. فعلها صاحب الدعوة بالتنسيق مع آلهته في إسرائيل والمافيا العالمية ثمن استمرار عصابة دمشق بزهق أرواح السوريين وسفك دمائهم. صاحب الدعوة هذا أجهض وقف قتل السوريين مرات باستخدامه الفيتو في مجلس الأمن.
صاحب الدعوة هذا هو الذي أجهض مؤتمر جنيف وحصر توجهه؛ في محاربة الإرهاب. ذلك الأصرارعلى مسألة "محاربة الإرهاب " ليس نتاج عبقرية النظام. إنها النجاسة الروسية – الإيرانية التي برمجت عصابة دمشق منذ بداية انتفاضة سورية ودفعتها باتجاه توصيف صرخات حرية سورية ارهاباً.
صاحب الدعوة بالتعاون مع ملالي إيران هم من برمج انتخاب رئاسة عصابة دمشق.
هؤلاء مسؤولون عن كل دقيقة إضافية في عمر عصابة دمشق التي تأتي على أعمار السوريين. أنتم لابد تعلمون أن كل طلقة أو قذيفة أو صاروخ تذبح السوريين، مصدرها ترسانة من يدعوكم إلى موسكو. وكل رسالة " انتصار" يعلنها النظام على السوريين من إخراج موسكوفي – إيراني. وكل ورطة سقط فيها النظام كان المنقذ له عصابة بوتين. وكل.. وكل..
ألم تسألوا أنفسكم لماذا يدعوكم الروس وبشخوصكم، لتمهدوا، ثم تتشاوروا، ثم ربما تتحاوروا؟ ومع من ستتحاورون؟ حتماً، مع من لا إرادة ولا قدرة له على التنفس إلا بإذن جلاّديه في دمشق؟
لا أريد، لا سمح الله، أن أستخف بقدراتكم المعرفية حول بحث روسيا لنفسها عن دور في هذه الأوقات الصعبة عليها؛ وحول وجود فراغ في المسألة السورية الآن، وحول الأزمة التي تجد روسيا نفسها بها الآن، أو أي دافع ذاتي لروسيا وراء حركة من هذا النوع بعد أن ركلتها أمريكا بقصدية الى زاوية اللعب بسقط المتاع…. كل ذلك من منسياتكم.
هل تعتقدون أن روسيا تجهل تبعثر المعارضة السورية وتشتتها وضعفها؟ وهل إذا زادتها بعثرة وتناقضاً وخلافاً يكون إنجازها قليلا؟ ولكن هل تعتقدون أن روسيا لا تدرك بالمطلق أن مجرد ولوجكم في مسألة كهذه يضع بيدها ذخيرة سياسية مهمة تذهب بها إلى مجلس الأمن وتنسف ما جاء في القرار الدولي الذي ينص على، حكومة سورية ذات صلاحيات واسعة. مهما كانت درجة تبعثر وتشتت المعارضة، ومهما تعثر ذلك القرار الدولي، إلا أن حصول روسيا على صك بالنسف الكلي لجنيف 1 يبقى الأداة الأهم رسمياً في إنقاذ عصابة دمشق من استحقاق دولي لا مهرب منه.
تحت يافطة حق أُريد به باطل تتحركون؛ إنها يافطة وقف المأساة السورية، أي سوري شريف لا يريد ذلك؟ ولكن ما تفعلونه يفاقمها، لا يوقفها، مؤدى ما تفعلونه هو صك إعادة تأهيل واستمرار لنظام القتل.. والنظام لا يستطيع الاستمرار، إلا باستمرار شلال الدم والقتل والدمار. عندما يقول صاحب الدعوة وعصابته التي يحميها، إن المسألة مسألة تشاور، وليست هناك شروط مسبقة؛ فهذا يعني ان أي أمر يهم السوريين جائعين معتقلين مدمرين مقتولين مهانين مشردين سيُعتَبر شرطاً؛ والشروط ممنوعة؛ فماذا تريدون فعله في التشاور؟! الاطمئنان على صحة وليد المعلم؟!
لم تبق جهة تطل على آلام السوري ودمار بلده إلا وزرعت في الرؤوس الخفيفة وغير النظيفة، ليس هناك قرار بإزاحة نظام الأسد؛ لأن البلد سيدخل في فوضى عارمة؛ والجهات الارهابية ستنتشر وتقوى، ربما هذا هو البعبع الذي تحمله هذه البروباغندا؛ وهي التي تسرّع خطاكم باتجاه موسكو.
كم أنتم واهمون! ليست هناك قوة في الدنيا تستطيع أن تبقي العصابة حاكمة لسورية أو لجزء منها. ولم يبق مسعى أو دعاية أو تكتيك أو استراتيجية إعادة تأهيل إلا واستُخدمت؛ على الأقل لاعطاء مزيد من الوقت للعصابة؛ علّ إعادة تأهيلها تكون ممكنة. ومن هنا بالمناسبة تم اللجوء حتى (لشخوصكم الكريمة) علّه يفيد في إعادة تأهيل عصابة الإجرام.
كم هم يائسون أولئك الذين يحاولون جاهدين إعادة تأهيل هذه العصابة المجرمة. المسألة ليست ضرورة رمي العصابة إلى محكمة الجنايات؛ المحافل الإجرامية الأعلى كفيلة بتعطيلها؛ ولا المسألة مسألة حرج اخلاقي أو خشية من وصمة عار عالمية تلحق بالكبار تدعي المسؤولية عن حقوق الإنسان والسلم العالمي؛ إنها حالة الفوضى القادمة، وتحوّل العالم إلى غابات من الوحوش. فما يحدث في سورية قابل أن يحدث في أي دولة، وسيصبح النموذج المطبق، إن لم يتم ايقافه وردعه وبسرعة. سيصبح ما يسكتون عليه" نهج العالم".
ربما تسألون: ما العمل؟ ولكنني لن أسارع الى إطلاق الوصفة الجاهزة المكررة، دعوة إلى مؤتمر وطني يرتب أموره سياسيا وعسكريا، مهمته الأساسية الأولى اسقاط الطاغية رغما عن حماته، تتبعه جمعية تأسيسية تنتج دستورا جديدا للبلاد، تتبعه انتخابات برلمانية فرئاسية، رغم ان هذا ليس كلاما في الاحلام؛ ويراه كثيرون مخرجاً؛ الا انني أقول: ليتوفر من يطلق هذه الدعوة، وليقرر السوريون ما يريدون. لا تحملوا وزر ما تُدفعون إليه. إنها شهادة زور مضحكة مبكية. مضحكة لأن عصابة موسكو التي ستتلقفها لن تفيد منها، ولن تكون حبل نجاة لعصابة دمشق. ومبكية لأنها تؤذي بدون سبب من تغتصبون الكلام باسمهم، وحتما ستكون مبكية أكثر لكم لأنكم ربما ستسقطون كثيرا.
ما تعودت أن أكون قاسياً أو جارحاً بكلامي؛ ولكنني كتبت من باب الحرص، لأنني أعرف أن بين الأسماء المطروحة أناسا أحترمهم بعمق، وأعرف جوهرهم الخيّر؛ وأراهن بانهم لن يفعلوها.
 
٭ إعلامي وأكاديمي سوري