الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إذا كان لا بد من هزائم مرحلية فلا تمنحوا الأسد انتصارا نهائيا

إذا كان لا بد من هزائم مرحلية فلا تمنحوا الأسد انتصارا نهائيا

17.04.2016
وائل عصام


القدس العربي
السبت 16-4-2016
إذا كانت قيادة المعارضة السورية تصر على العمل في ظل توازنات القوى الحالية التي ساهمت هي بصنعها وآلت لاحقا إلى عجزها عن تحقيق أي من أهدافها، فالافضل لها أن تنسحب بصمت بدلا من الإصرار على الاستمرار بعملية تسوية مع الأسد، لن تؤدي لتثبيت خضوعها وانكسارها فحسب، بل تعطي للأسد فرصة لتحقيق انتصارات رمزية كبيرة، قد تصل ربما لجعل قيادات من المعارضة ضمن طاقم مساعديه الإداريين المسمى مجلس وزراء.
وإذا كان هناك من يصر على التعامل بمنطلقات معتدلة، يواري فيها عجزه عن إنتاج معادل قوة لخصمه، يميع الثورة لمستوى إصلاحات هامشية يبرر فيها خضوعه للواقع، فهو ليس سوى التفاف منه وتبرير لفشل أدائه السياسي بتحقيق أهدافه، الذي تحول بفضل فهمه المقلوب للسياسة إلى عملية تحقق أهداف خصمه. المحصلة أنه اعتذار عن الثورة، لأن ألف باء الثورة تعني رفض الواقع والانقلاب عليه، بل العمل على إعادة تشكيله كما هي الترجمة الحرفية للكلمة باللغة الانكليزية، (لمن يحبون المقاربات الغربية ويستنكفون من أنفسهم وثقافتهم) أحدهم قال يوما، "إذا كنت مضطرا لأن تخفض رأسك وتحني ظهرك لتجنب الرياح العاتية، فلا تجعل عدوك يستعين بظهرك للصعود". الانسحاب بصمت وانتظار رياح مواتية أفضل من تقديم الهزيمة المؤقتة قربانا لانتصار دائم للعدو. وإذا كانت الخسارة المرحلية واقعة لا بد، فهي واقعة في جميع الأحوال، ولا داعي لتشريعها وتثبيتها بمكتسبات تستغل ضعفا مرحليا لطرف وقوة مرحلية لطرف آخر، الانسحاب بصمت بانتظار رياح مواتية أفضل. ورغم أن المعارضة السورية لا تمتلك قرارا داخليا مؤثرا في مناطق المعارضة، سواء عسكريا أو من ناحية الثقل الاجتماعي، سوى في مناطق محدودة ومحاصرة بحلب ودمشق، فإنها تسعى لمواصلة التنازل من أجل وجود شخوصها ومكاسب كياناتها الكرتونية ضعيفة التمثيل، التي تريد إرضاء الحكومات العربية المنصاعة للتسوية برغبة أمريكية بأي ثمن، وإن كان بانضواء قيادة المعارضة ضمن موظفين درجة ثالثة في مكتب سكرتارية الأسد المسمى مجازا مجلس الوزراء. فلن يكون غريبا أن ينتهي المآل بالمعارضة لمواقع حكومية كانت مضربا للتندر بدنو مكانتها الفعلية في جسد الدولة السورية، لدرجة ان رئيس وزراء كرياض حجاب ينشق عن النظام بلا أي تاثيرات توازي موقعه المفترض، بحيث صدق من قال إن مساعد أول في الأمن من اللاذقية يملك نفوذا أمنيا ربما أكثر من وزير سني في مجلس الوزراء. ولعل المفارقة أنه ورغم هذه التنازلات التي قد تقدم للأسد في مرحلة مقبلة، فإنه سيظل يرفض منح أي من قادة المعارضة مواقع في حكومته، ما دام في وضع مريح عسكريا كما هو الآن، وحتى إن قبل النظام باحتواء بعض رموز المعارضة في حكومة شراكة، فسيكون ذلك نظير تنازلات كبيرة تبدأ من توسيع هدنة الفصائل ولا تنتهي باستعادة كل مناطق المعارضة الحيوية ضمن مصالحات التسوية، وكل هذا ببقاء الأسد على رأس السلطة.
معظم حركات التغيير الثورية لا تحقق أهدافها في المراحل الأولى من الصدام مع أعدائها، بحكم الفارق في ميزان القوى الذي يميل عادة للقوى الحاكمة، خاصة في مجتمعات شرق أوسطية حيث يتطلب الصدام مع السلطة السياسية نزاعا على مستوى آخر مع طبقة أو طائفة أو عشيرة ما، تعتمد عليها السلطة، بحيث تتحول الثورات غالبا لحروب أهلية تستغرق سنوات. وهكذا فإن قيادة الحركات الثورية إن لم تعِ وتفهم جوهر نزاعها الاجتماعي مع السلطة، وكيفية التعامل مع هذا الواقع، فإنها لن تتمتع بطول النفس الكافي والقدرة الوافية للمواجهة، وستنحل وتنهار بسرعة، بينما ينتصر في النهاية أصحاب المطاولة المعتمدين على رؤية شاملة ومراس عنيد عندما يتعلق الامر بالثوابت.
٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"