الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إعادة خلط الأوراق في معركة عفرين

إعادة خلط الأوراق في معركة عفرين

24.02.2018
بكر صدقي


القدس العربي
الخميس 22/2/2018
إلى حين كتابة هذه السطور، لم تتضح الصورة بعد بشأن ما إذا كان "النظام" قد دخل منطقة عفرين أم ارتد على أعقابه بنتيجة قصف مدفعي تحذيري تعرض له قرب بلدة نبل. لكن ما هو مؤكد أن دخول النظام على خط هذه المعركة الجانبية سوف يعيد خلط الأوراق تماماً، بعدما كان الأمر مقتصراً على طرفين متصارعين، وفي الخلفية كامل لوحة الصراع الدولي متعدد الأطراف.
ولعل أول سؤال يخطر في البال، عند الحديث عن المساومات الدائرة، من وراء الكواليس، بشأن دخول قوات النظام الكيماوي إلى البلدة الكردية وريفها، هو: وهل يملك النظام قوات فائضة عن حاجته ليرسلها إلى عفرين؟ هذا إذا كان المقصود وحدات من الجيش النظامي، وهو ما يزعم الناطقون باسم قوات الحماية الكردية أنهم يقصدونه في "دعوتهم" له بحماية "السيادة الوطنية" المزعومة لسوريا.
الواقع أن الأنباء الغامضة تحدثت عن توجه "قوات شعبية" تابعة للنظام إلى عفرين، وهو ما يمكن أن يفسر على أن المقصود وحدات من الشبيحة المدنيين في إطار ما يسمى "جيش الدفاع الوطني" أو فصائل الأممية الشيعية التي تقاتل في سوريا تحت إمرة الإيراني قاسم سليماني. وقد تحدثت بعض التقارير فعلاً عن أن المسلحين الذين توجهوا إلى عفرين هم من "لواء الباقر" الشيعي المتمركز في بلدتي نبل والزهراء المواليتين لإيران.
معروف أن البلدتين المذكورتين عانتا، طوال سنوات، من حصار فصائل المعارضة المسلحة في الريف الشمالي لحلب، وكانت قوات حماية الشعب الكردية في عفرين قد فتحت خطاً لخرق ذلك الحصار. يمكن إذن اعتبار الحركة الجديدة بمثابة رد الدين من نبل والزهراء إلى عفرين. لكن قدوم قوات الباقر إلى عفرين يأتي في سياق أكثر تعقيداً من مجرد "رد الدين"، بسبب تداخل عوامل دولية متنافرة بمناسبة حرب غصن الزيتون التركية على المنطقة الكردية.
تسربت أنباء عن امتعاض موسكو من المفاوضات الجارية بين الوحدات الكردية والنظام، وعدم موافقتها على دخول قوات تابعة للأخير إلى عفرين، بما يعكر من صفاء التوافقات الروسية التركية بشأن الشمال الغربي من سوريا (عفرين وإدلب). ذلك أن الدخول المفترض للنظام سيضعه مباشرةً في مواجهة مع القوات التركية، الأمر الذي لا تريده أنقرة ولا موسكو.
أهي حركة إيرانية إذن، من نوع التناقضات الثانوية والموضعية التي حدثت في أكثر من مناسبة ومكان بين الحليفتين روسيا وإيران؟ أم أنها مجرد تسريبات كاذبة، وأن موسكو نفسها أرادت قلب الطاولة التي نصبت بين تركيا والإدارة الأمريكية مجدداً، بعد جفاء، بمناسبة زيارة وزير الخارجية الأمريكي تليرسون إلى أنقرة التي خرجت منها بيانات إيجابية بشأن نتائجها غير المعلنة؟ فقد دخل تليرسون مكان اللقاء بأردوغان وحده، لا يرافقه حتى مترجم أو سفير، بناء على طلب الجانب التركي، ولعب وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو بنفسه دور المترجم بين الرجلين. واكتفت الخارجية الأمريكية بإصدار بيان عن الزيارة يصف نتائجها بالبناءة.
من المحتمل إذن أن روسيا أرادت بإدخال جوكر النظام إلى اللعبة في عفرين، قطع الطريق أمام عودة تركيا إلى حلفائه التقليديين في واشنطن ودول الناتو. وهكذا كان أول فعل يقوم به الرئيس التركي، بعد انتشار التسريبات بشأن اتفاق وشيك بين وحدات الحماية والنظام، هو الاتصال بالرئيس الروسي. وكان مرتاحاً، بعد الاتصال، وهو يوجه باستهداف قافلة الميليشيات الشيعية بطلقات تحذيرية لمنع وصولها إلى عفرين، إلى درجة إعلان هذا الخبر من مقدونيا التي كان في زيارة رسمية إليها. كما أعلن مستشاره السياسي إبراهيم كالن أن "عملية غصن الزيتون مستمرة حتى تحقيق أهدافها".
ما الذي قد يتغير بعد خلط الأوراق هذا؟
كان لافتاً تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حين قال إن هواجس تركيا الأمنية يمكن تلبية متطلباتها بحوار مباشر بين تركيا و"سوريا" أي النظام السوري. هذا ما يضغط الروس بشأنه على القيادة التركية منذ بداية مسار سوتشي، بل إنه تم تسريب خبر، قبل حين، حول اتصال هاتفي مفترض بين أردوغان وبشار الكيماوي، من المحتمل أن الغاية منه تطبيع تحول تركي محتمل في هذا الاتجاه لدى الرأي العام.
فإذا لبت وحدات الحماية شروط النظام لدخول عفرين، أو قسم منها، يخرج جميع اللاعبين رابحين. سيكون بوسع النظام الكيماوي أن يقول إنه مد سيطرته و"سيادته" على مساحة جديدة من الأراضي السورية، فضلاً عن قطع الطريق أمام "المشروع الانفصالي الكردي"، وإيقاف تركيا عند حدها.
وسيكون بوسع وحدات الحماية أن تزعم أنها كسرت العدوان التركي وردته على أعقابه بفضل "حنكتها السياسية"، وأنقذت قواتها والمدنيين من مزيد من الخسائر.
وسيكون بوسع أردوغان أن يقول إن حملته العسكرية على عفرين قد حققت أهدافها في القضاء على سيطرة "الإرهابيين" على عفرين، وسلمت البلدة إلى "أصحابها الحقيقيين" على حد تعبيره في تصريحات سابقة، ويكون المقصود بهم قوات النظام الكيماوي.
ويكون الروسي الرابح الأكبر، فاحتفظ بتركيا حليفة له في سوريا، ولم يخسر وحدات الحماية بصورة كاملة لصالح الغريم الأمريكي في شرقي نهر الفرات.
أما الأمريكي، فهو يبحث عن صيغ "مبتكرة" يرضي فيها تركيا، بشأن منبج، من غير أن يخسر حليفه الكردي، ولا أحد يعرف هل ستتمكن واشنطن من هذا الابتكار.
منطقة عفرين التي كانت آمنة من الهجمات الجوية أو الحروب البرية، إلى ما قبل الغزو التركي، أصبح مصيرها الآن في المجهول، فوق القتلى المدنيين الذين راحوا ضحية معارك الشهر الماضي.
أما السوريون الذين جندتهم تركيا لتخوض بهم حربها على عفرين، فلعلهم الخاسر الأكبر من أي تسوية بشأن عفرين. فسوف تسحبهم تركيا كما زجت بهم في معركة لا مصلحة لهم فيها، وقتل من قتل منهم دون أن يحصي أحد أعدادهم.
 
٭ كاتب سوري