الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إعادة ضبط سوريا على الإيقاع الروسي

إعادة ضبط سوريا على الإيقاع الروسي

07.11.2015
أيمن أبولبن



القدس العربي
الخميس 5-11-2015
تقدّمت روسيا بخطة لحل النزاع في سوريا ترتكز على توحيد صفوف المعارضة والنظام ضد التنظيمات الإرهابية، وصولاً إلى مرحلة إنتقالية يقودها النظام السوري وتتضمّن إجراء إنتخابات حرة بمشاركة كافة الأطياف تمهيداً لسوريا جديدة خالية من "بشار الأسد".
في الظاهر تبدو الخطة الروسية جديرة بالإحترام، وتتضمن المطلب الرئيسي للمعارضة السورية والمتمثل برحيل الأسد، ولكن التفاصيل الصغيرة بين السطور تشي بمستقبل أكثر سوداويّة للشعب السوري!
تشترط روسيا على المعارضة السورية وقف المعارك مع النظام، وإعلانها قبول المبادرة الروسية، وكل من لا يقبل خطة السلام الروسية سواءً من التنظيمات والفصائل على الأرض أو القيادات السياسية المُعارضة، سيتم إقصاؤه وسيخرج من اللعبة السياسية. في المُقابل تتعهد روسيا بعدم ترشح "بشار الأسد" للإنتخابات القادمة، ولكن هذا لا ينطبق على باقي أفراد عائلة الأسد أو رموز النظام الحالي، ناهيك عن وجوب تعهّد المعارضة السورية "السلميّة والحليفة" بعدم ملاحقة الأسد أو أي من رموز النظام قضائياً بدعوى جرائم الحرب التي تم إرتكابها في سوريا على مدار السنوات الأربعة الماضية. أما النقطة المفصلية في المبادرة الروسية فهي ضمان بقاء القوات الروسية على الأرض السورية إلى حين تطبيق خطة السلام وضمان إستقرار البلاد!
ليس من الصعب في ظل حالة الفوضى التي تعيشها المنطقة وحالة تزييف الحقائق والتلاعب بالتاريخ أن يتم محو أربعة أعوام من معاناة الشعب السوري، والتخلص من ذكرى أكثر من مليوني فقيد وضِعْف هذا العدد من اللاجئين والمُهجّرين في سبيل أن يمُنّ السيد الرئيس على شعبه ويقبل بالتنحّي عن منصبه في سبيل أمن وإستقرار البلاد!
كيف تجرؤ القيادة الروسية على إختزال أربعة أعوام من الثورة السورية، بكل ما فيها من تضحيات جمّة قدّمها الشعب السوري في سبيل نيله لحقوقه الأساسية والمتمثلة بالحرية والتعدّدية الفكريّة والمساواة، وحَصْر كل ذلك في مغادرة الأسد فقط ؟! ليت الأمر توقّف عند هذا الحد، بل إنها تشترط إعفاءه من كل التبعات القانونية على جرائمه، ومنحه الحق في العيش الآمن على أرض البلد التي دمّرها وحرم أهلها من الأمن والأمان!
المبادرة الروسية في جوهرها تتعارض مع مواقف روسيا من الأزمة السورية في بدايتها، وتتعارض مع موقف القيادة الروسية ودعمها العلني لنظام الأسد ورفضها السابق لأي مبادرة تتضمن رحيل الأسد فقد أجهضت روسيا "مبادرة جنيف" وجهود المبعوث الدولي والعربي "الأخضر الإبراهيمي" واستخدمت حق النقض الفيتو لحماية نظام الأسد، مما زاد من تعنّت النظام السوري تجاه معارضيه، وكانت تردد دوماً أن الشعب السوري هو من يقرر بقاء الأسد أو رحيله.
من المفيد أيضاً إسترجاع حقيقة أن المعارضة كانت قد وافقت على إعطاء الأسد صلاحيات واسعة لنائبه "فاروق الشرع" لقيادة المرحلة الإنتقالية التي كان من المُفترض أن تشهد إنتخابات حرّة ونزيهة تشارك فيها المعارضة من الداخل والخارج ولكن للأسف فإن هذه المبادرة المُعتدلة والعقلانية لم تجد وقتها إلا آذاناً صمّاء من القيادة الروسية ومن النظام السوري على حد سواء، بل إن "فاروق الشرع" بمجرد أن تم طرح إسمه إختفى عن الساحة ولا يُعلم مكان إقامته لغاية هذه اللحظة.
يقول الأخضر الإبراهيمي في سياق تسجيل شهادته عن تلك المرحلة أنه عندما التقى الرئيس "بشار الأسد" طلب منه أن يلتقي بفاروق الشرع بصفته نائباً للرئيس أولاً وبصفته صديقاً شخصياً ثانياً، ولكن الرئيس رفض ومنذ ذلك الوقت لم يلتق أحد بفاروق الشرع!
لماذا الحديث الآن عن رحيل الأسد ؟! كما سبق أن ذكرنا أن المبادرة الروسية في ظاهرها تبدو أنها تحقيق لرغبات المعارضة ولكن الحقيقة أن روسيا تريد تشكيل "سوريا جديدة"، تكون فيها الحكومة تابعة للكرملين في حين تكون المًعارضة ناعمة ولطيفة ومقبولة للنظام الروسي، كما أنها تسعى من خلال سوريا إلى إعادة صياغة المنطقة من جديد وتعزيز نفوذها السياسي والعسكري فيها، وربما ترغب أيضاً في تشكيل "شرق أوسط جديد" على الطريقة الروسيّة. ألا يستحق هذا كلّه التضحية بورقة الأسد!
لسان حال القومجيين والشبيحة اليوم في سوريا يقول ( مات الملك؛ عاش الملك! ) ولا ضير عند هؤلاء في إعادة صياغة مبادئهم بين الحين والآخر بل وتعليل كل تناقضاتهم، فهم الآن يهلّلون للمشروع الروسي في المنطقة، في الوقت الذي أجهضوا فيه الثورة السوريّة بحجّة أنها عميلة للمشروع الإمبريالي في المنطقة، ويعلّلون ذلك بأن روسيا دولة صديقة وحليفة لدول العالم الثالث وأنها لم تكن يوماً دولة إستعمارية. يذكّرني هذا برواية جورج أورويل (1984) حين كان "الحزب" يقوم وبشكل دوري بمحو ذكريات الماضي وإعادة صياغة التاريخ بشكل يتناسب مع مقتضيات المرحلة، فيصبح الإنسان بلا ماضي، ويبقى المستقبل مفتوحاً على كل الإحتمالات!
في النهاية، الكرة الآن في ملعب السوريين أنفسهم، هل ستبلع المُعارضة السوريّة الطُعم وتقبل بهذا الحل خصوصاً مع التعنّت الإيراني في مسألة بقاء الأسد، وهل سيتنازل الشعب السوري عن مطالباته بنيل حقوقه الأساسية بعد كل ما عاناه من مآس، وكل ما قدّمه من تضحيات، ويكتفي بأن تتغير الوجوه ويبقى الحال كما هو عليه ؟!
كاتب ومُدوّن من الأردن