الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إعدام شخص واحد جريمة لا تغتفر وقتل أهل غزة مسألة فيها نظر!

إعدام شخص واحد جريمة لا تغتفر وقتل أهل غزة مسألة فيها نظر!

28.08.2014
الطاهر إبراهيم



القدس العربي
الاربعاء 27-8-2014
بعد أن كادت فصائل الجيش الحر تسقط نظام بشار، خرج إلى ساحة القتال في سورية تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام (داعش)، وبدلا من أن ينضم هذا إلى الجيش الحر في قتال النظام، حاول أن يستولي غدرا على مدن كانت حررتها جبهة النصرة والجيش الحر، مثل مدينة الرقة، بل استعمل القتل لتخويف المواطنين وتثبيت سلطته بتلك المدن. كان بشار الأسد يتفرج على ما يفعله تنظيم الدولة وهو مسرور، بل كان يقصف فصائل الجيش الحر ويتجنب قوات "داعش" لا يمسها بسوء، وبدأ التنظيم بقتال وحدات الجيش الحر وجبهة النصرة.
ومع أن أمريكا كانت قد وضعت تنظيم الدولة على لائحة الإرهاب، وكانت توسعاته في سورية مرصودة بالأقمار الصناعية، الا ان التنظيم قام باجتياح شمال وغرب العراق، واستولى على كميات كبيرة من أسلحة الجيش العراقي المرابط هناك، وأصبحت حكومة نوري المالكي بين عشية وضحاها على كف عفريت أو قاب قوسين أو أدنى من استيلاء "داعش" على بغداد، وأمريكا لا تحرك ساكنا.
وحين قام تنظيم الدولة بقطع رأس الصحافي الأمريكي جيمس فولي، قامت قيامة أوباما ولم تقعد بعد، وأعلن أن "داعش" سيزول من الوجود، وكأن الذين قتلهم التنظيم قبل ذلك لم يكن لهم أدنى اعتبار عند أوباما.
كي لا يفهم أحد خلاف ما أريد، فإني أستعجل القول إن من استحل دما حراما فقد اقترف كبيرة من الكبائر، فقد قال محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً". ما ينقل لنا عما يفعله "داعش" مع من خالفه ومع الآمنين، من ان سوق القتل على قدم وساق، يعد جرأة على ارتكاب ما حرمه الله ورسوله، وهو قتل للنفس المعصومة بنص الكتاب والسنة، وإن الإدانة لهذه الأفعال هي أقل ما يقال، بما فيها قتل الصحافي الأمريكي جيمس فولي، لإنه إنسان مستأمن على روحه، مثل باقي الأجانب في سورية والعراق.
صدق الشاعر حين قال: قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن قضية فيها نظر. فقد بقيت الطائرات الإسرائيلية تقصف غزة فتقتل الآلاف وكلهم مدنيون وأكثرهم أطفال ونساء، فماذا فعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإدانة هذا القصف؟ بل إن أوباما وبان كي مون سارعا لإدانة "حماس" لاختطافها ضابطا صهيونيا، ليتبين بعد ذلك أنه قتل ولم يختطف.
استطرادا؛ إن ما تقوم به إسرائيل من حصار وتجويع لأهل غزة، ومنع الدواء وحليب الأطفال من أن يصلا إليها، لم يحرك شعرة في رأس أوباما. وحتى زوجة محمد الضيف القائد العسكري لحماس وطفله اللذين قتلتهما إسرائيل وهما نائمان، فقد كانت جريمة أكبر من ذبح جيمس فولي على فظاعتها. كل ذلك تحت سمع وبصر زعيمة العالم الحر، ثم تمنع مجلس الأمن من أن يتخذ قرارا واحدا يدين إسرائيل.
دعك من مئة وتسعين ألف سوري (آخر تقرير لحقوق الإنسان) قتلهم بشار الأسد، لم نسمع من أوباما إلا الشجب.. وحتى هذا الشجب لم نعد نسمعه منه اليوم. أما في العراق فقد قضى المالكي ثمانية أعوام في رئاسة الحكومة العراقية مستعملا اسوأ تصرفاته في الفصل الطائفي، فقد قتل عشرات الآلاف من أهل السنة في المعتقلات مستخدما المادة 4 إرهاب، بحق كل من يشعر بمعارضته للمالكي أو أقرباء هؤلاء المعارضين، حتى كادت تصل يده إلى نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، لولا أن الهاشمي هرب خارج العراق ولجأ إلى تركيا، ممارسات المالكي كانت تحصل تحت سمع وبصر الاحتلال الأمريكي قبل خروجه من العراق. فماذا فعل أوباما لإيقاف عمليات الفصل الطائفي بحق أهل السنة؟
التهديد الذي أطلقه الرئيس أوباما مؤخرا ضد "داعش" تأخر كثيرا ولم يعد يجدي. فقد تمكن هذا التنظيم من أراض واسعة احتلها في العراق وسورية، وأصبح إخراجه منها يحتاج إلى تحالف دولي، مثل التحالف الذي تم به احتلال العراق. وحتى تحالف كهذا فإن أقصى ما يمكن أن يفعله تمزيق التنظيم وتحويله إلى دواعش كثيرة، ما يحمّل سورية والعراق عبئا أكبر. لقد بح صوت رجال الثورة في سورية وهم يناشدون أمريكا وأوروبا تسليحهم لمقاومة جيش بشار، ومؤخرا تنظيم "داعش"، ولكن لا حياة لمن تنادي.
يبقى أن نقول إن سياسة واشنطن الخرقاء، خصوصا في فلسطين، جعل الشباب الجهادي يشعر بالإحباط، فيفتش عن الطريقة التي توصله للانتقام من واشنطن. وقد ظنوا ـ خطأ- أن التحاقهم بتنظيم الدولة "داعش" سوف يوصلهم للانتقام من واشنطن. في استبيان على تويتر وعلى ذمته أكد أن 90% من الشباب الجهادي في بعض الدول يسعى للالتحاق بـ"داعش"، ما يحمل الدول التي ينتمي إليها هؤلاء عبئا كبيرا. يقول بعض الباحثين ان واشنطن تعرف ذلك، وتريد خلق الاضطراب في هذه الدول ليسهل عليها الهيمنة عليها، وتلك قضية أخرى!
٭ كاتب سوري