الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اجتماع جنيف بلا لون ولا طعم ولا رائحة

اجتماع جنيف بلا لون ولا طعم ولا رائحة

12.05.2015
ميسرة بكور



القدس العربي
الاثنين 11-5-2015
لازال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا يصرعلى إنقاذ نظام دمشق الحاكم بأي شكل من الاشكال.
كلما اشتد الخناق حول عنق نظام الأسد، نجد السيد دي مستورا مهرولأ باحثاً عن أي فسحة أمل يمكن الولوج خلالها لإنقاذه النظام، الذي بدأ يترنح أمام ضربات فصائل المعارضة. الأمرالذي دفع الكثير من المشككين والمتشككين، لإبداء امتعاضهم من نوايا وأفكارالمبعوث الأممي، التي لا تصب في مصلحة الشعب السوري ولا تخدم ثورته، ويعتبرون أن مهمته أصبحت إنقاذ نظام الأسد، ومنهم من ذهب إلى حد وصفهما بأنهما حليفين. وما مساعيه إلا لإبقاء مشعل الامم المتحدة متقداً، من دون فعل ملموس على الأرض.
دعا المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، عشرات الشخصيات والأحزاب والهيئات، ممن يدعون التمثيل الثوري، واشخاصا من طرف السلطة المفترض انهم يمثلون نظام الأسد.
"الجميع يعلم أنه لا يمثل الأسد إلا الأسد نفسه"، كذلك تمت دعوة الهيئات المدنية والعسكرية والسياسية، لمدة ستة أسابيع تمهيدا للقاء ثالث تحت عنوان "جنيف ثلاثة". وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده، إيذاناً بافتتاح جلسات التشاور المغلقة، قال دي مستورا باختصارمكثف، "إن اجتماع جنيف التشاوري المنعقد حالياً "ليس له طعم ولا لون ولا رائحة ولا جدول زمني ولا جدول اعمال".
تأتي دعوة دي مستورا، في ظل المتغيرات والتطورات السريعة والدراماتيكية في سورية والمنطقة التي يمكن تلخيصها في ما يلي
- دعوة مجلس التعاون الخليجي لعقد مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض، التي أعلن عنها يوم الثلاثاء خلال البيان الختامي لقمة مجلس التعاون الخليجي، وما تضمنه من شطب أي دور للأسد في مستقبل سورية، وحضورالرئيس الفرنسي للقمة الخليجية، مما أعطى بيانها الختامي قوة فاعلة.
- تعقد جلسات المؤتمر التشاوري قبل ايام من اجتماع قادة مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس الامريكي اوباما، في منتجع كامب ديفيد الرئاسي، وعلى جدول اعمالهم الملف السوري ومستقبل الأسد، المرفوض من قبل معظم دول الخليج.
- اصداء تحالف "عاصفة الحزم" ومن ثم "إعادة الأمل "وما حققته من كسر ذراع ايران في المنطقة حتى الآن وليس قطعها بشكل نهائي، وانعكاساتها على ملفات المنطقه والتمدد الإيراني.
- تصريحات اوباما الأخيرة حول امكانية دعم عمل عسكري في سورية على غرار "عاصفة الحزم"، والحديث عن منطقة آمنة في سورية.
- تراجع الدعم الايراني"المالي" لنظام الأسد، ووضع شروط وضمانات من اجل استمرار الدعم، اضعف موقف الأسد، وكانت قد ظهرت من ايران مقترحات غير رسمية تتحدث عن نقل العاصمة السورية من "دمشق" الى طرطوس. الأمر الذي يشير بوضوح الى أن نظام الأسد لم يعد قادراً على حماية عاصمته، وخشية السقوط المفاجئ للعاصمة وبالتالي النظام.
- فشل المؤتمر التشاوري "الثاني" الذي دعت إليه موسكو بين مجموعات معارضة وممثلين عن النظام.
- الخريطة العسكرية على الأرض تشير الى أن نظام الأسد قد وصل الى عنق الزجاجة. فالمعارضة السورية يوماً بعد يوم تضيق الخناق عليه، وقواته تتقهقر في جنوب البلاد وشمالها حتى وصل الثوار، الى ما يطلق عليه البعض خزان نظام الأسد البشري، واقرب نقطة من مسقط رأس الأسد الأب، ليس هذا فحسب بل بتحد واضح قام جيش الإسلام المتمركز في غوطة دمشق بإجراء عرض عسكري، لا يبعد عن معقل بشارالأسد في دمشق إلا عدة كيلومترات، وكل يوم نسمع عن اندماج جديد بين الفصائل المسلحة تحت عنوان "جيش الفتح" مستفيدة مما لاقاه هذا الجيش من ترحيب بعد انتصاراته في محافظة ادلب، في هذا السياق نقول إن استنساخ الأسم او التجربة لا يعني بالضرورة أن يكتب له النجاح دوماً، فلكل منطقة ظروفها، رغم ان الفصائل المنضوية تحتها تقريبا هي عينها التي شكلت جيش الفتح الأول في "محافظة ادلب".
نعود الى موضوعنا الأساس دي مستورا، ومهمته المستحيلة، المتابع لمسيرته منذ أن تم تعيينه خلفاً للسيد الأخضر الابراهيمي مبعوثاً اممياً الى سورية، اقصى ما قام به هو فكرة تجميد القتال في حلب ومن ثم تنازل عن حلب الى احياء في حلب، ثم عاد ليقول حلب وحمص. الفكرة التي لم تلق قبولاً لدى الثوار أو المعارضة السياسية، لأنها كانت تعني لهم تجميد القتال في حلب وتعويم الأسد في دمشق.
لا يفوتنا ان ننبه الى أن دي مستورا بذل جهداً حثيثاً من اجل الإيحاء، بأن ما يحدث في سورية هو نزاع مسلح غير دولي "حرب اهلية "، وفي قوله هذا إنما يطعن الثورة السورية بمقتل، بعبارة اخرى نفي الصفة الثورية عن الأحداث الجارية، واعتبار أن هناك مجموعات متفرقة متقاتلة في ما بينها، مقابل نظام مركزي يُمسك بزمام الأمور، لابد من التعامل معه، في ظل تنامي ما يسمونها المنظمات "المتطرفة"، ومن أجل الحفاظ على مؤسسات الدولة، والخوف من إغراق البلاد بالفوضى على غرار ما حدث في ليبيا.
هنا مربط الفرس وخبث مساعي دي مستورا التي حاول ان يخفيها، ثم فضحها حين قال بأن بشار الأسد جزء من الحل.
وقد سبق لدي مستورا، أن مارس الخبث السياسي، اثناء الاجتماعات التي عقدها مع الفصائل المسلحة الموجودة في تركيا منذ اشهر، حيث حاول أن يجتمع مع قادة الفصائل المسلحة كلا على حِدَة. الخبث هنا كان يتمثل في شق صفوف فصائل المعارضة، وهوأسلوب اتبعته إسرائيل في مفاوضات السلام في تسعينيات القرن الماضي. إن اخطر ما يفعله دي مستورا ومن خلفه الروس والايرانيون، هو استنبات معارضةٍ مُفصَّلةٍ على مقاس النظام وشروطه، تقبل بحل سياسي تشاركي تحت سقف الأسد. والسعي إلى إلغاء ما تم الاتفاق عليه في جنيف "واحد" تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، أو على الأقل تبني القراءة الروسية لهذا الاتفاق، مبرراً ذلك بأنه طفت على السطح معطيات جديدة ما بين جنيف "واحد واثنين، وجنيف ثلاثة " المؤجل الى زمن غيرمعلوم، ألا وهو موضوع الإرهاب ومكافحته "تنظيم الدولة" وضرورة تكاتف كل الاطراف السورية "معارضة ونظاما" للوقوف في وجه الغول الذي سيفترس الجميع المتمثل ب"تنظيم الدولة"، بالتعاون مع التحالف الدولي في المرحلة الأولية، وترحيل موضوع الانتقال السياسي الى مرحلة مستقبلية. بهذه الفكرة الخبيثة يكون منح بشار الأسد فرصة التقاط الأنفاس وتسويقه على أنه شريك في مكافحة الإرهاب، بذلك تفتر همم المطالبين بالتحول السياسي في سورية، بعد أن أعيتهم سنوات الحرب بكل عبثيتها ونيرانها، ويبدأون رحلة البحث عن متطالبات حياتهم اليومية ومستقبل لأبنائهم. بذا، يكون دي مستورا قد وأد الثورة السورية، بعد كل ما بذل الشعب السوري من تضحيات لأجلها. لكن هذا المسعى يصطدم بوعي الثوار السوريين، ومن خلفهم بعض دول الخليج العربي التي قد لا تكون معنية كثيراً بموضوع نجاح الثورة السورية، بقدر ما هي معنية بزوال نظام الأسد الذي طالما أهانهم.
٭ كاتب وباحث سياسي سوري