الرئيسة \  واحة اللقاء  \  استراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط ستجر المنطقة إلى صراعات طويلة الأمد

استراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط ستجر المنطقة إلى صراعات طويلة الأمد

27.11.2017
رائد صالحة



القدس العربي
الاحد 26/11/2017
واشنطن ـ "القدس العربي": ينظر المراقبون الأمريكيون إلى الأحداث المتلاحقة في السعودية والتوتر مع إيران كمثال على مشاكل واشنطن الحقيقية في الشرق الأوسط، بما في ذلك مشهد استقالة رئيس وزراء لبنان، سعد الحريري، من الرياض والبقاء هناك لمدة اسبوعين في اليوم نفسه الذي وقع فيه هجوم الصواريخ الحوثية على السعودية من اليمن وما تبع ذلك من حملة "مكافحة الفساد" التي يبدو انها كانت محاولة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للقضاء على المنافسين وكسب المزيد من السيطرة على مصادر الثروة الخاصة في المملكة.
والمشكلة هنا، بالنسبة للولايات المتحدة، وفقا لاستنتاجات العديد من المحللين ومراكز الأبحاث، ليست نتيجة لأزمات اليوم، وانما في التآكل المتصاعد في الموقف الأمريكي في معظم دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا، والتقديرات ان نجاح واشنطن في هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" سيؤدي إلى زيادة التهديدات، وان الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية واضحة لأي من المشاكل الدائمة التي تتحدى موقفها في المنطقة.
ويقول المحللون الأمريكيون ان جميع الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا تواجه مشاكل اقتصادية حرجة، بما في ذلك مصر التي اختارت القمع بدلا من التنمية، كما ان فرص الحروب قد زادت في المنطقة بسبب تعزيز إيران نفوذها في سوريا ناهيك عن تنامي حزب الله كقوة عسكرية، والأهم من ذلك، ان نجاح حرب الولايات المتحدة ضد "داعش" في سوريا قابله تدخل ناجح لروسيا، ودور متزايد لإيران واحتكاكات خطرة بين الأكراد والعرب. ووفقا لتقديرات محللين، فان النجاح التكتيكي ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا قد جلب سلسلة كبيرة من المشاكل الاستراتيجية الجديدة حيث تحاول إيران شق ممر إلى لبنان عبر سوريا والعراق، وفي الوقت نفسه، وجدت الولايات المتحدة نفسها في أزمة كردية أخرى في العراق ستودي إلى مزيد من التوتر مع تركيا.
وبالنسبة لصناع القرار في واشنطن، تمثل إيران بصرف النظر عن نجاح أو فشل الاتفاق النووي، تهديدا متزايدا من خلال قوتها الصاروخية التقليدية، وبناء القدرة على تهديد قوات الملاحة البحرية في الخليج. وبالنسبة للخبراء، فان فشل الولايات المتحدة في التصرف بشكل حاسم في سوريا وعدم القدرة على الحد من النفوذ الإيراني في العراق قد ساعد على زيادة المشاكل وسط توترات بين الدول العربية.
التحليلات الأمريكية تصل إلى عدة استنتاجات، من بينها ان مشاكل السعودية بشأن لبنان لا تقارن مع تلك الناتجة عن مقاطعة بعض الدول الخليجية لقطر، وان عمليات شراء الأسلحة لا تخلق قدرة عسكرية عالمية حقيقية لردع إيران أو انشاء تحالف أقوى مع الولايات المتحدة، وعلاوة على ذلك، تتجه التقديرات إلى ان عمان تميل بشكل متزايد إلى قطر في حين تنحى الكويت جانبا.
واعترف المحللون الأمريكيون، بمن فيهم انتوني كورسمان بورك من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، انه لا يمكن للولايات المتحدة ان تفصل نفسها عما يبدو بانه تدخل عسكري فاشل من قبل السعودية والإمارات العربية في اليمن، ولا يمكن لها ان تتجاهل ان روسيا زادت من نفوذها في المنطقة بما في ذلك عقد صفقات أسلحة كبيرة. كما لا يمكنها تجاهل تدهور استقرار المنطقة، وبالطبع، لا يمكن تصنيف هذه السلسلة المتلاحقة من المشاكل وكانها أزمات اليوم، بل هي مزيد من المشاكل السياسية والاقتصادية والدينية والانقسامات التي نمت على مدى العقد الماضي، ومن الواضح تماما ان الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية للمنطقة والاعتراف ان سوء إدارتها للأزمات زاد منها، وليس هناك ما يدل بالفعل على للولايات المتحدة استراتيجية أو إجابة على تفكك موقفها في الشرق الأوسط.
هذه الاستنتاجات قادت إلى حالة من الفهم المتزايد لدى العديد من المحللين الأمريكيين بشأن الشرق الأوسط ولكنها لم تصل إلى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يبدو انه ينتهج سياسة قائمة على زيادة التوتر بين السعودية وإيران قد تودي إلى حرب جديدة أي معالجة الأزمة بخلق أزمات أكثر خطورة. من الواضح ان هناك رغبة جامحة لدونالد ترامب في رؤية حرب جديدة في الشرق الأوسط تضع السعودية وإيران في صراع يمكن ان يهدر امكانيات المنطقة ويسحب واشنطن إلى حرب أخرى ستبدو معها حرب العراق وكأنها مناوشات بسيطة. ووفقا لتقديرات منصات إعلامية من بينها "رولينغ ستون" استهدف ترامب إيران بوضوح ووصفها بالدولة المارقة، كما هدد مرارا بقتل الاتفاق النووي وشجع معظم الإجراءات التي قد تودي إلى إثارة التوترات في المنطقة، بما في ذلك التصعيد السريع للحرب في اليمن واتخاذ مواقف أكثر عدوانية تجاه إيران.
لدى ترامب ميول واضحة للطغاة والحكام المستبدين، وهذا بالتأكيد جزء أساسي من تصوراته الخاطئة، وما يزيد الطين بلة، ان الرئيس الأمريكي يتلقى تصائح من شخصيات لا تملك أدنى خبرة في الشؤون العالمية بما في ذلك صهره كوشنر الذي يعتقد ان الارتباط مع السعوديين سيؤدي إلى ضغوط شديدة على النشاطات الإيرانية في العراق وسوريا واليمن وافغانستان، هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر رغم الملاحظات الأولية من ان إيران لم تكترث في الواقع بالتهديدات، ولم تغرق في حالة من الارتباك ولكن من المحتمل جدا ان تجد بعض الدول الخليجية نفسها في حرب إقليمية بسرعة كبيرة جدا.
تدخلت إدارة ترامب لوضع حد سريع للتوترات التي تشهدها السعودية من أجل ان تعمل الرياض بسهولة أكبر مع واشنطن على تحقيق الأهداف المتبادلة بشأن إيران، وكان هناك اتجاه واضح في البيت الأبيض ان حالة عدم اليقين في السعودية لن تخدم سوى إيران وحزب الله مما قد يعرض المصالح الأمريكية إلى خطر. هناك مخاوف جادة من اندلاع حرب جديدة في منطقة الخليج للمرة الرابعة في أقل من أربعين عاما، ووفقا للعديد من المحللين، فان هناك حقائق جديدة تبدو واضحة، من بينها ان السعودية أعطت كل علامات الاستعداد على مواجهة المنافسين وان الاحتمالات قد تتحول بشكل متزايد بطريقة معاكسة بالنسبة للرياض وواشنطن إذا اندلعت حرب فعلية وهناك مخاوف جادة من انهيار أنظمة في المنطقة.