الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأزمة السورية لا تزال تدور في حلقة مفرغة

الأزمة السورية لا تزال تدور في حلقة مفرغة

20.12.2015
بشار عمر الجوباسي



القدس العربي
السبت 19/12/2015
لم يكن إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية ردا منها على القصف الوحشي الروسي لتركمان سورية فقط. فبإسقاطها تلك الطائرة كانت تغامر بعلاقات تجارية ضخمة كانت تسعى لتصل بها إلى حدود مئة مليار دولار سنويا، بحلول مطلع العقد المقبل.
ربما رغبت تركيا بجر حلف الناتو إلى هذه المواجهة، لكنه ظهر غير متحمس لها، فرغم تأكيده على وقوفه إلى جانبها شدد على ضرورة التهدئة وإبقاء أبواب الحوار التركي الروسي مفتوحة ولم يحرك من القوات ما يليق بمكانة العضو التركي، فظهر وكأنه يطلب من تركيا عدم تكرار تلك الحادثة. في وقت كان الحلف والولايات المتحدة أكبر أعضائه، قد رحبوا بالتدخل الروسي في سوريا وأنشأوا قناة اتصال لتبادل المعلومات ولتنسيق الوجود تحت السماء السورية، فهم لا يعارضون الاحتلال الروسي لسوريا، لكن ما الذي سيحدث لو قامت تركيا أو دولة ما بتزويد المعارضة بمضادات للطائرات وتركت المهمة للثوار السوريين ليتعاملوا مع من يقصف بيوتهم ويقتل أطفالهم، فكيف سيكون الرد الروسي إذ ذاك؟
أصبح مستقبل سوريا يشكل هاجسا استراتيجيا لتركيا أكثر من أي وقت مضى، فالتدخل والاحتلال الروسي لسوريا يهدف لأحد أمرين، إما إبقاء النظام بشكله الحالي، أو إقامة دويلة علوية تحظى بحماية روسية، وكلا الأمرين يشكل تهديدا حقيقيا لمستقبل تركيا، فتجزئة سورية سينتج عنها لا محالة دويلة كردية تمتد على أغلب الشريط الحدودي التركي السوري الخاضع لسيطرة ما يسمى "وحدات حماية الشعب الكردي"، وهي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي هو فرع من حزب الاتحاد العمال الكردستاني الذي عادت لمقاتلته، وهذا أمر استراتيجي لا يقارن بكسب أو خسارة بضعة مليارات من الدولارات.
الصراع في سورية ظاهريا بين النظام والمعارضة، لكنه عمليا تحول إلى صراع بين فرقاء اقليميين ودوليين؛ وهذا ليس جديدا، بل بدأ من اليوم الأول لحمل الثوار السلاح ومواجهة النظام، فلا الدول الداعمة للمعارضة قادرة على التقدم أكثر وحسم الصراع، ولا الدول الغربية، وامريكا تحديدا، التي تمنع ذلك وتعتبر ما يقوم به النظام من مذابح شأنا داخليا لا ترغب بإقحام نفسها فيه، وإلى الآن لا تريد كتابة آخر فصل من صراع كهذا، على غرار ما فعلت في دايتون مثلا – وما أشبه بوسنة الأمس بسوريا اليوم، فقد عاش البوسنيون فصول رواية "قصة موت معلن" وهذا ما يتجرعه السوريون اليوم – لكن وقتها كان هناك رئيـــــس امريكي يريد الفوز بولاية ثانية، وهذا ما نفقده الآن، وكذلك لا تتاخم إسرائيل البوســــنة، فهل يحذو أوباما حذو بيل كلينــــتون ليسجل نصـــــرا دبلوماســـيا يصب في مصلحة المرشح الديمقراطي في الانتخابات المقبلة؟
تستمر محرقة الشعب السوري، في وقت اجتاحت العالم حمى محاربة "داعش"، لكن بحسب تقرير صحافي لإحدى الصحف الإنكليزية فإن التحالف الدولي ضد "داعش" قام منذ انطلاقه وإلى مدة قريبة بتسعة وخمسين ألف طلعة جوية عادت خمسون ألفا منها بدون إلقاء حمولتها من القنابل لعدم وجود أهداف على الارض، ومع ذلك لا تزال الدول تنضم لتلك الحملة وتعلن عن مشاركتها بالضربات الجوية على داعش وتؤكد في الوقت نفسه أنه لا سبيل لهزمها إلا بالتدخل البري، الذي ينفي القاصي والداني نيته المشاركة فيه، فإلى هذا الحد من السخرية بعقولنا وصل ساسة الغرب! عمليا هم لا يريدون سوى ترضية الرأي العام في بلدانهم بإيهامهم بأنهم يحاربون "داعش"، في حين أن حقيقة الأمر لا تتعدى اتخاذها ذريعة للتدخل وفرض النفوذ في الأجواء السورية، بهدف إثبات الوجود تمهيدا لنيل حصة منها ولعب دور في تقرير مصيرها، حيث كانت اجتماعات فيينا أصدق تمثيل من ناحية من يمسك بزمام الأمور، وكلمة الفصل في سوريا.
تؤكد تقارير صحافية بدء إيران سحب قواتها من سوريا، في حين تتحدث أخرى عن خلافات بينها وبين روسيا حولها. لكن كلا الأمرين غير منطقي، فمن المستحيل أن تتخلى إيران عن سوريا، وهي لا تزال تحاول التغلغل في الشرق والغرب، وأي مكان تستطيع، فكيف لها أن تتخلى عن سوريا، بعدما ملكت زمام الأمر فيها، وكذلك لا تتعارض أهدافها مع الأهداف الروسية، بل على العكس تتطابق، وقد أتى التدخل الروسي لينقذها ويخفف عبئا كبيرا عنها، وحتى لو كان الامر صحيحا فلا يكفي ليعول عليه للتنبؤ بقرب حل الأزمة السورية.
قضايا المنطقة وحتى العالم الإسلامي تبقى متشابكة إلى حد كبير، ولكن دائما ترعد وتبرق في سمائنا ثم تمطر في مكان آخر؛ فالتقارب التركي السعودي أثمر اتفاقا في ليبيا، لكنه جرى في مؤتمر دولي في روما عاصمة المستعمر القديم، ولا شك أننا سنرى ظلال حل الأزمة الرئاسية اللبنانية، الذي ربما بات قريبا، تنعكس على الساحة اليمنية التي إلى الآن لما تتمكن السعودية وحليفاتها الخليجيات من حسمه بعد، بل عادوا إلى التفاوض العبثي، وكذلك الأمر بالنسبة للأزمة السورية سيتردد صدى الحل الذي سينهيها في كامل أرجاء المنطقة ولزمن بعيد، لذلك أكثر ما يتفق عليه المتصارعون هو استمرار الوضع الحالي، لأمد مجهول، على الخروج بحل لا يلبي مصالحهم، مع الأخذ بعين الاعتبار البون الشاسع في تلك المصالح؛ لتبقى فاتورة الدم تدفع من رصيد الشعب السوري المسحوق والمعذب.
فمنذ البداية ما كان لرئيس النظام الارهابي بشار الأسد ليقترف كل ما اقترفه من جرائم لو لم يعرف حقيقة الخطوط الحمراء الأمريكية المرسومة أمامه، فتوالت المذابح ولا تزال تتوالى، ليظهر أنه لا يوجد أي أثر لتلك الخطوط على الإطلاق طالما حافظ على هدوء حدود الكيان الصهيوني، ولا تزال تثبت الأيام أن هذا أكثر أمر يجيد القيام به بعد إبادة السوريين والتنكيل بهم، فعزف منذ انطلاق الاحتجاجات السلمية ضده، لحن محاربة الإرهاب القديم الجديد، وظل يكذب إلى أن صدقوه وهم شركاؤه في تلفيق الكذبة وترويجها، وقد بدأت كذبته تؤتي أكلها، فلا تزال تتراجع مواقف الدول الغربية التي راح بعضها يدعو إلى تسليح جيش النظام والتحالف معه لمحاربة "داعش"، وربما تخبئ الأيام ما هو أفدح إذا ما استمر الخط البياني للمواقف الغربية بالهبوط هكذا، وطبعا يظل كل ذلك فقط مجرد مسرحيات إعلامية. والحقيقة أنهم ومن ورائهم الكيان الصهيوني يرغبون في بقاء نظام الأسد إلى الأبد لو تمكنوا من ذلك، فقد عبثوا في كل دول الربيع العربي وقلبوه وبالا على شعوبها، والأمر البديهي أن شعوب المنطقة لم تختر أنظمتها لذلك لن يسمح لها باسقاطها بسهولة.
الحديث عن تصنيفات لفصائل المعارضة السورية بين إرهابي ومعتدل، وطبعا هذا سيجري بمعايير أمريكية؛ ينبئ بفداحة ما هو مقبل على الساحة السورية. فماذا سيعقب ذلك، أليس قتالا بين الفصائل نفسها وقصفا جويا غربيا لمواقعها وحدوث موجات نزوح جديدة ومآسي أخرى تنتظر السوريين.
٭ كاتب سوري