الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأسد.. تعريف المواطنة وإعادة التوزيع الديموغرافي

الأسد.. تعريف المواطنة وإعادة التوزيع الديموغرافي

09.08.2015
ميسرة بكور



القدس العربي
السبت 8/8/2015
يفتح بشار الأسد مزادا يقول فيه سوريا ليست لمن يحمل جنسيتها بل لمن يدافع عنها. وهو تعريف جديد للمواطنة ويستحق بشار الأسد عليه براءة التأليف وحقوق الملكية الفكرية.
واليوم يتم تنفيذ الجزء الذي عمل نظام الأسد عليه سراً وحذر منه ناشطون سوريين وهو التهجير القسري لشريحة سكانية معينة بهدف إعادة التوزيع الديمغرافي لسوريا التي يريدها نظام الأسد على مقاسه. أعلنها بشارالأسد صراحة كون الموضوع لم يعد سراً أوخافياً على أحد. والأمثلة في هذا المقام كثيرة لعل ابرزها ما حدث في القصير في ريف حمص الجنوبي وسط البلاد وكذلك في يبرود في ريف دمشق الشمالي.
دعونا نلقي نظرة على المشهد السوري قبل خطاب بشارالأسد الذي ألقاه من قصره. قبل يوم واحد من هذا الخطاب خرجت مظاهرة في احياء دمشق الجنوبية، وتحديدا منطقة السيدة زينب ذات الأغلبية الموالية للنظام السوري، لم يكن الهدف منها دعم الثورة السوريا ولم تهتف بهتافات الثورة بل منددة بنظام الأسد وجيشة وسوء الخدمات في أحد ابرز معاقل النظام في دمشق ومطالبة بفعل شيء ملموس عدا الكلام لوقف تقدم المعارضة في منطقتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام في ريف أدلب.
وسبق الخطاب كذلك أن قامت المعارضة المسلحة بقصف مدينة القرداحة مسقط رأس الأسد وتحرير ما تبقى من محافظة أدلب. كما أصدر مرسوما رئاسيا يعفو عن الجنود الفارين من جيشه والمتخلفين عن الالتحاق بالخدمة الاجبارية. هذا كان على الصعيد الداخلي.
أما على صعيد المنطقة فكان إعلان الحكومة التركية الدخول في التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا ضد تنظيم الدولة وقيام الطائرات التركية في تنفيذ قصف جوي على الأراضي السوريا ضد مواقع لتنظيم الدولة والميليشيات الكردية حليفة نظام الأسد. وتمت الإشارة إلى أن هناك أتفاقا مبدئيا على اقامة مناطق أمنه شمال سوريا. من جانبها قامت اسرائيل بخرق اتفاقية فض القوات مع سوريا واقتحمت مجنزراتها الشريط الفاصل وأقامت الدشم العسكرية .
من هنا نستطيع القول إن الأسد خرج في خطابه هذا وهو في مأزقين: التدهور العسكري الذي تشهده قواته في معظم الجبهات وتذمر الفئات الشعبية الداعمة له جراء هذا التدهور وسوء الخدمات في مناطقهم من جهة، ومن الجهة الأخرى التصعيد التركي في الشمال والخرق الصهيوني في الجنوب.
لا نستطيع أيضاً اغفال حقيقة أن الأسد خرج في هذا الخطاب قبل يوم من تقديم مبعوث الأمين العام الخاص، ستيفان دي ميستورا، تقريره أمام مجلس الأمن الدولي الذي استعرض فيه آخر ما تم من مساعيه لإنهاء الوضع القائم في سوريا. وكانت رسالته من خلال هذا الخطاب واضحة إلى مجلس الأمن وممثل الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون. فقال بشار الأسد، وهو العاشق لتحديد المفاهيم والمصطلحات: نحن لا نتحدث عن حل سياسي بل مسار سياسي. وأضاف أن إي حديث عن حل بدون محاربة الإرهاب كلام فارغ أجوف. وبهذا أيها السادة وباختصار مكثف نستطيع تلخيص خطاب الاسد بجملتين فقط: الأسد أو نحرق البلد  وأنا أو الإرهاب، وعلى المجتمع الدولي الخيار ما بيني وبين الإرهاب والفوضى .
أما في تفاصيل الخطاب فنستطيع القول انه خطاب تبرير الفشل ورسالة إلى مؤيديه مفادها أن الوضع سيئ والجيش لم يعد يستطيع القتال في كل المناطق، معترفاً لأول مرة – ولو بشكل مبطن – بأن جيشة يعاني من نقص في العدة والعتاد، كما هي عادة النظام لديه تبرير لكل شيء.
ولأن هذا المصطلح أصبح مستهجناً لدى جمهور النظام أستبدله هذه المرة بتفصيل جديد: نريد حماية المناطق الأستراتيجية وأن هزيمة جيشه في معظم الجبهات وفراره ليست هزيمة بل أنسحاب تكتيكي يخدم استراتيجية عسكرية أكبر يفهمها فقط خبراؤه العسكريون من حماية مناطق حيوية وترتيب الصفوف من أجل استعادة ما تم التخلي عنه .
كما جرت عليه العادة لايزال الأسد منكراً حقيقة كل ما يحدث حولة ولا يريد الاعتراف بالهزيمة والفشل مع ان كل الوقائع تقول ان جنوده فروا حفاة عراة من مواقعهم في غالب الجبهات ولم يكن الامر انسحابا ولا إعادة تموضع.
يظل الأخطر في خطاب الأسد أنه مهد الطريق أمام توطين ألاف المرتزقة في سوريا من مختلف جنسيات الأرض تحت عنوان أن سوريا لمن يدافع عنها وكل ما عدا هذا يظل تفاصيل هامشية لاقيمة لها… من شكره لأيران التي تدعم نظامة إلى اعترافة الصريح ولأول مرة بمشاركة ميليشيا حزب الله إلى جانب قواته في الحرب ضد السوريين وهو الأمر الذي طالما حاول إنكاره.
خلاصة القول أن ما أراده بشارالأسد من خطابه كان توجيه رسالتين: أولاها للمجتمع الدولي تقول اما أنا أو الإرهاب ولا تجهدوا أنفسكم في البحث عن بديل لنظامي فالبديل هو داعش .
الرسالة الثانية لمحازبي وموالي تظام الأسد وهي أن الوضع سيئ ولم نعد قادرين على القتال في كل الجبهات وعليكم ان تتحملوا وتصمتوا وتتهيأوا للتقسيم.
ولا ذكر أو اشارة للحديث عن التصعيدين الأخيرين في الشمال والجنوب من قبل كل من تركيا , واسرائيل لأنه ببساطة يعتبر أن معركته الحقيقية مع الشعب السوري فقط لا غير .