الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الأطفال السوريون ضحايا الحرب في بلادهم ورهائن الظروف القاسية في دول الجوار

الأطفال السوريون ضحايا الحرب في بلادهم ورهائن الظروف القاسية في دول الجوار

20.06.2016
سليمان حاج إبراهيم


القدس العربي
الاحد 19-6-2016
الدوحة "القدس العربي": رفعت منظمات دولية معنية بالطفولة من حدة لهجتها، وانتقدت بشدة حالة الأطفال السوريين اللاجئين في دول الجوار، لما يتعرضون له من استغلال واضطرارهم للعمل في ظروف بعضها شاقة ومأساوية تؤثر على تكوينهم النفسي ونموهم البدني، وشددت على ضرورة تعزيز وتشديد الرقابة من قبل الحكومات المعنية.
العائلات السورية التي تفر من جحيم الحرب في بلادها بحثا عن ملاذ آمن، لا يتحقق للكثير منها مرادها بتوفير حياة مستقرة لأطفالها، حتى يعيشوا بشكل طبيعي مثل سائر أقرانهم، وتضطر الكثير منها والمستقرة في دول الجوار للسماح لأولادها وحتى بناتها للعمل وفي حالات كثيرة في وظائف شاقة حتى تحصل على مصادر دخل ولو كانت بسيطة لتلبية احتياجاتها الأساسية.
وكشف آخر تقرير لمنظمتي "يونيسيف" و"إنقاذ الطفولة" عن أن المزيد من الأطفال بين اللاجئين السوريين في الأردن، وتركيا، ولبنان، يضطرون للعمل في المقالع، والمخابز، وصناعة الأحذية، لإعالة أسرهم، ما يعرضهم لمخاطر كبيرة ويجعلهم عرضة للاستغلال الجنسي.
التقرير أشار إلى أن أطفالاً سوريين في عمر ست سنوات في لبنان على سبيل المثال يضطرون للعمل من أجل مساعدة عائلاتهم اللاجئة هناك، أما في الأردن حيث يعيش نصف مليون لاجئ سوري منذ خمس سنوات، تركوا بلادهم هرباً من الحرب الأهلية التي تمزقها، فإن نصف العائلات التي شملتها الدراسة، يُعد الطفل معيلا مهما وفي بعض الحالات المعيل الوحيد لها.
ووفقاً للتقرير فإن الأطفال لم يقتصر استغلالهم على العمل فحسب، حيث يتم تجنيدهم كجنود، ويتعرضون للاستغلال الجنسي، ويعملون في الحقول الزراعية في لبنان. أما في الأردن فإنهم يعملون في المتاجر والمطاعم. وفي تركيا تتنوع أعمالهم بين الخبز وتصنيع الأحذية، كما يعملون في مقالع تكسير الحجارة ومواقع البناء، ما يجعلهم عرضة لمخاطر كبيرة.
وكشف التقرير أن ثلاثة من كل أربعة أطفال سوريين لاجئين إلى مخيم الزعتري في الأردن، يعانون من مشكلات صحية، إذ يعملون أحياناً الأسبوع بأكمله من أجل أن يتقاضوا ستة أو سبعة دولارات في اليوم. وأضاف التقرير أن الكثير من الأطفال بدأوا بالعمل لمساعدة عائلاتهم، وهم لم يبلغوا بعد ربيعهم الثاني عشر، فبعض أرباب العمل في لبنان وتركيا والأردن يفضلون الأطفال على الكبار لأنهم "أرخص" من الكبار، الذين لا يحصلون بسهولة على تصريح عمل في هذه البلدان التي لجأوا إليها.
وقالت المتحدثة باسم "يونيسيف" جوليت توما بعد صدور التقرير: "بناء على هذه الدراسات فإن من الواضح أن عمالة الأطفال قد ازدادت بشكل كبير، وقد بدأت منذ بدء الصراع في سوريا".
وتختلف ظروف عمالة الأطفال السوريين بين دول الجوار لكنها جميعها تشترك في الاستغلال الذي يتعرضون له بشكل مستمر وحرمانهم من حقوقهم الأساسية وعدم تمتعهم بحياة طبيعية مثل أي طفل آخر في مناطق العالم.
 
حالات استغلال
للأطفال تقترب من الاستعباد
 
تقارير دولية عدة صدرت في الفترة الأخيرة رسمت صورة مروعة عن أحوال اللاجئين السوريين في لبنان، مشيرة إلى أنهم يعانون الاستعباد خاصة الأطفال منهم، فيما تجبر لاجئات سوريات على ممارسة الجنس عنوة مقابل الحصول على سكن أو غذاء.
ووفقا لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية فإن اللاجئات السوريات يمثلن الغالبية العظمى من النساء العاملات في الدعارة داخل لبنان، حيث الاتجار بهن على نطاق واسع مع وجود نسبة كبيرة منهن ممن لم تتجاوز أعمارهن ال16 سنة.
وحتى الآن لم تجد المبادرات التي تقوم بها الهيئات الإنسانية في إعادة الأطفال إلى مقاعد الدراسة حيث لا تزال أعداد العاملين منهم في ارتفاع.
وبمناسبة (اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال) الذي احتفلت به المنظمات الأممية مؤخرا، أشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى وجود 300 ألف طفل سوري خارج المدارس في لبنان، يعمل غالبيتهم في ظل ظروف لا تطاق وهي أقرب إلى العبودية.
مسؤولون في الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية أعلنوا أن عمل الأطفال على هذا النحو الكبير يعود إلى منع البالغين من اللاجئين من العمل في سوريا.
وذلك إلى جانب النقص المتزايد في المساعدات الدولية النقدية للاجئين الذين يعانون الفقر المدقع، كما لم تبن مدارس جديدة تستوعب أطفالهم.
ويعيش في لبنان نحو 1.8 مليون لاجئ سوري.
سفير النوايا الحسنة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" ريكي مارتن دعا، إلى زيادة التركيز على حماية مستقبل ملايين الأطفال المتضررين من الحرب في سوريا والذين تأثرت حياتهم بسبب التشريد والعنف والانعدام المستمر للفرص.
وقال مارتن الذي زار لبنان للقاء الأطفال اللاجئين الذين فروا من الحرب في بلادهم حسب بيان "يونيسيف": "نحن في السنة السادسة من أزمة أثرت على حياة الملايين من الأطفال وأسرهم، وإن ما يقارب 2.8 مليون طفل سوري خارج مقاعد الدراسة في المنطقة، وقد التقيت أطفالاً باتوا المعيلين الوحيدين لعائلات بأكملها، يعملون لمدة 12 ساعة يومياً". وشدد على ضرورة أن يفعل العالم المزيد لحماية هؤلاء الأطفال من الاستغلال وتوفير الوصول إلى بيئة آمنة حيث يمكن لهم التعليم والتمكين.
وتأثر مارتن كثيراً بقصة الطفلة بتول (من مدينة حمص، تبلغ من العمر 11 عاماً) والتي تضطر للعمل من دون مقابل مالي لكي تحصل على المياه والمأوى، وتعيل مع شقيقتيها الأكبر سناً وأمها أسرتهن المؤلفة من 13 شخصاً، وتقول: "لا يدفعون لي أي مبلغ من المال، أعمل لساعات طويلة جداً في حصاد الفول والكرز والبطاطس  مهما كان الموسم".
ويتعرض الأطفال النازحون لمخاطر الاستغلال وإساءة المعاملة، ولم يعد أمام أعداد كبيرة منهم سوى خيار العمل بدلاً من الذهاب إلى المدرسة.
وبالإضافة إلى المعاناة النفسية التي تؤثر على عدد لا يستهان به من الأطفال الذين فرّوا من الحرب، هناك تحد مرتبط ببعض أسوأ أشكال عمالة الأطفال، مثل العمل في مواقع البناء التي يُمكن أن تلحق بهم أضراراً نفسية وجسدية طويلة الأمد.
وتحاول "يونيسيف" مع شركائها معالجة الأسباب المباشرة لعمالة الأطفال عن طريق مكافحة الفقر وتوفير التعليم المجاني والفرص الاقتصادية للوالدين والشباب في سن العمل وتحديد الأطفال الذين يعانون من أسوأ أشكال عمالة الأطفال ومنحهم فرصاً أخرى مثل التعليم.
"يونيسيف" تعمل بشكل وثيق مع المؤسسات الحكومية في لبنان، وكذلك مع الشركاء المحليين والدوليين من أجل تلبية احتياجات نحو مليون من الأطفال السوريين هم الأكثر فقراً في لبنان مع التركيز على الصحة والتغذية والتعليم وحماية الطفل والمياه والصرف الصحي وخدمات الدعم التي تستهدف اليافعين أيضاً.
 
الأردن وتزايد نسب عمالة الأطفال
 
اللاجئون السوريون في الأردن التي كانت من أوائل الدول التي فتحت حدودها لاستقبال الفارين من الحرب في بلادهم ليست أحوالهم أفضل من غيرهم في دول الجوار الأخرى.
وفي ورقة تقدير موقف أعدها "المرصد العمالي الأردني" استندت إلى دراسة مسحية أجرتها منظمة العمل الدولية توصلت إلى أن عمالة الأطفال في الأردن وصلت إلى ما يقارب 100 ألف طفل. وأشارت الدراسة إلى أن الأسباب التي أدت إلى اتساع عمالة الأطفال في الأردن خلال السنوات الماضية، أثرت فيها بشكل واسع دخول مئات الآلاف من اللاجئين السوريين خلال السنوات القليلة الماضية لتساهم في مضاعفة أعداد العاملين من الأطفال في سوق العمل الأردني. وبررت الورقة لجوء الأطفال للعمل نتيجة ضعف وتدني الخدمات الأساسية التي تقدمها المنظمات الدولية ذات العلاقة للاجئين السوريين، وعدم إسهامها بالشكل المطلوب في توفير مستويات مقبولة من شروط الحياة اللائقة، الأمر الذي يدفع هذه الأسر إلى تشجيع أطفالها للانخراط بسوق العمل.
ونبهت الورقة إلى أنه مع ازدياد تدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن خلال السنوات الماضية، تفاقمت هذه المشكلة بشكل ملموس، حيث أصبح واضحا للعيان كثافة تواجد الأطفال السوريين في سوق العمل الأردني وفي أعمال مختلفة، وخاصة في المناطق التي يتكثف فيها وجود اللاجئين، شمال الأردن، وبدرجات أقل في مناطق الوسط.
وأشار أحمد عوض، مدير مركز "الفينيق" للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أنه "رغم أهمية الجهود والبرامج والمشاريع التي قامت بها العديد من المؤسسات الأردنية الرسمية والعديد من المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني الأردنية والعالمية والتي تهدف إلى إعادة تأهيل الأطفال العاملين وإعادتهم إلى مقاعد الدراسة، إلا أن مشكلة اتساع رقعة الأطفال المنخرطين في سوق العمل في تزايد مستمر."
وأوصت الورقة بضرورة إعادة النظر في السياسات الاقتصادية وتحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه اللاجئين السوريين، للحؤول دون اضطرارهم لدفع أطفالهم إلى سوق العمل لمساعدة أسرهم في تغطية نفقاتهم الأساسية، وتطوير العملية التربوية والتعليمية خلال المرحلة الأساسية للحد من عمليات تسرب الأطفال من مدارسهم. وأكد الخبراء المتابعون للموضوع على ضرورة تشديد الرقابة من قبل المؤسسات الرسمية على الأماكن التي تتركز فيها عمالة الأطفال، والعمل على تطبيق القوانين التي تحظر عمل الأطفال، ووضع عقوبات رادعة بحق المخالفين وعدم الاكتفاء بدفع غرامات بسيطة، هذا إلى جانب تفعيل الحملات التوعوية حول الآثار السلبية الناتجة عن عمل الأطفال في المدارس والأسر، وضرورة تطوير قاعدة بيانات دقيقة يتم تحديثها دوريا لعمالة الأطفال في الأردن.
وأفاد مرصدان حقوقيان أن 60 ألف طفل سوري يعملون في ظروف قاسية في الأردن، من مجموع 668 ألف طفل من أصل حوالي 1.3 مليون لاجئ سوري يعيشون في الأردن، إضافة إلى وجود 90 ألف طفل لا يتلقون أي نوع من التعليم.
وجاء في تقرير أعده "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" و "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" تناول ظاهرة عمالة الأطفال من سوريا في الأردن، أن عددهم بلغ "أكثر من 60 ألفاً، يعانون من ظروف قاسية لا تتوقف عند تدني الأجور أو العمل لساعات طويلة وشاقة، بل تمتد إلى تعرضهم أحياناً للاستغلال والعنف وظروف العمل الخطرة، مع ضعف في الرقابة والمساءلة الحكومية".
ووفق التقرير الذي جاء بعنوان "رهَق الصّغار: عمالة أطفال سوريا اللاجئين في الأردن"، فإن "51.4 في المئة من مجموع اللاجئين السوريين في الأردن، البالغ عددهم 1.3 مليون، هم أطفال، بمجموع 668 ألف طفل، إضافة إلى أن 41 في المئة من مجموع اللاجئين من فلسطينيي سوريا في الأردن، والبالغ عددهم 16 ألف لاجئ، هم أطفال أيضاً، بمجموع 6560 طفلاً".
 
القلق يتزايد في تركيا لارتفاع نسب عمالة الأطفال
 
عبر خبراء أتراك عن قلقهم من ارتفاع أعداد الأطفال العاملين في تركيا، الذين بلغ عددهم ما يقرب من مليون عام 2012 وما زال العدد في ارتفاع نظرا لتدفق ملايين اللاجئين السوريين في محاولة لكسب لقمة العيش بعد عبور الحدود إلى تركيا. ووفقا للبيانات الصادرة عن معهد الإحصاء التركي، فإن ما مجموعه مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاما كانوا يعملون عام 2012. في حين، حذر تقرير مشترك صادر عن وكالة المساعدات الإنسانية "سبورت تو ليف" ومركز البحوث عن الهجرة في جامعة إسطنبول من أن الرقم قد يكون أعلى بكثير اليوم مع انضمام الأطفال اللاجئين السوريين لاقتصاد الظل. ووفقا للتقرير، فإن المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الأطفال العاملون هي نقص فرص الحصول على التعليم، وتباطؤ النمو البدني والنفسي والإيذاء الجسدي الناجم عن طبيعة عملهم، والتحرش والاستغلال والإهمال. وجاء في التقرير أن نصف الأتراك الذين يعيشون تحت خط الفقر والبالغ عددهم نحو 17 مليون نسمة هم من الأطفال، في حين يخرج 400 ألف طفل في البلاد بعيدا عن منازلهم للاشتغال عمالا موسميين. وعلى الرغم من عدم المقدرة على تحديد رقم معين، أوردت الدراسة أن المزيد والمزيد من الأطفال السوريين بدأوا بالعمل بشكل غير رسمي، خصوصا كعمال موسميين.