الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الباحثون عن الحياة

الباحثون عن الحياة

11.10.2016
عاصم عليوه


القدس العربي
الاثنين 10/10/2016
استيقظت مصر فجر يوم الأربعاء الموافق 21 أيلول/سبتمبر 2016 على كارثة إنسانية تمثلت فى غرق مركب للهجرة غير النظامية أمام سواحل رشيد على بعد12 كيلو مترا شمال شرقي البوغاز، وأسفرت تلك الكارثة عن ارتفاع عدد الضحايا إلى أكثر من مائتي شخص ما بين أطفال ونساء وشباب، فيما تم إنقاذ 164شخصا وذلك وفقا لتصريحات المتحدث الرسمى لمحافظة البحيرة.
المركب المنكوب كان يسمى "مركب الرسول " وقد تم إقلاع هذا المركب من قرية تسمى مسترود التابعة لمركز بلطيم في محافظة كفرالشيخ،وتم نقل المهاجرين غير النظاميين إليه عن طريق قوارب مطاطية، ووصل عدد المهاجرين الذين استقلوا هذا المركب حوالى 550 شخصا، أغلبهم مصريون ومعظهم أطفال دون سن الثمانية عشرة، كما تواجدت أسر بأكملها على متن هذا المركب فنجد متولي محمد أحمد 29 عاما اصطحب معه زوجته وولده أدهم ذا السنتين ولكن مع غرق المركب فقد متولي – يعمل حدادا – زوجته وولده، وليس متولي وحده فهناك العديد من القصص المؤسفة التي صاحبت غرق المركب.
دوافع المهاجرين غير النظاميين متعددة ومختلفة، فكل مهاجر له أسباب وظروف تجعله يتخذ قرارا بالهجرة وهو يعلم علم اليقين أن نسبة تحقيقه لا تزيد عن 50 في المئة، ولعل أبرز هذه الخلفيات هي :
الظروف الإقتصادية التي تمر بها الدولة المصرية فغلاء الأسعار وزيادة التضخم جعل العديد من المصريين غير قادر على تلبية المتطلبات الأساسية لعيش حياة كريمة. البطالة المرتفعة فلا يجد الشباب فرصة تناسب تعليمه وإن وجد فرصة فإنها لا تلبي طموحاته ولا يستطيع من خلالها تكوين نفسه.
العنصرية المجتمعية وهي الواسطة فتجد الشاب ذا الكفاءة، لا يمكنه العمل فى مكان يُقدر كفاءته، نظرا لأنه لا يمتلك واسطة، ولا يستطيع دفع رشوة، فى حين يجد زميله الأقل كفاءة يعمل في وظيفة أكثر رقيا وأعلى دخلا وذلك لامتلاكه أدوات العنصرية المجتمعية المتمثلة في الواسطة والرشوة.
البحث عن التمدن والحياة الجيدة، فقديما كانت الهجرة من الأرياف إلى المدن، أما اليوم فمع صعوبات الحياة، وعدم قدرة المدن على تلبية رغبات الشباب كان البحث عن طريق آخر يكون سببا فى العيش عيشة هنية.
وجود تجارب ونماذج ناجحة، خاضت تلك الهجرة وأحدثت نقلة نوعية في حياتها وحياة عائلتها، فالمجتمع الريفي، الجميع يعرف الحالة المادية والاجتماعية لكل أفراد هذا المجتمع وكما يقولون " نعرف أصله وفصله" ومن ثم عندما ينجح أحد أبناء تلك القرى فى الوصول إلى أوروبا، تجد العديد من أبناء تلك البلدة يخوضون التجربة نفسها، ولا أبالغ إذا قلت بأن هناك قرى لا يوجد بها بيت واحد إلا به مهاجر غير نظامي وربما أكثر.
الضغوط العائلية، فالأسرة الريفية تسعى لأن يكون أحد أبنائها من المهاجرين غير النظاميين، حتى إن قدر له الوصول فانه يعمل على تخفيف تلك الاعباء الملقاة على عاتق عائلته، وقد حدث ذلك منذ عدة أسابيع عندما تمكن الطفل أحمد، البالغ من العمر 13 عامًا،من الوصول إلى شاطئ لامبيدوزا جنوبي إيطاليا من أجل علاج شقيقه فريد ذي الـ 7 سنوات والمصاب بمرض نقص الصفائح الدموية، ونجد أيضا أن الأسرة هي التي تتصرف فى جمع الأموال المطلوبة للهجرة، فليس لدى الأسرة مانع من بيع ميراث لهم أو الإمضاء على إيصالات أمانة كضامن للمهاجر أو حتى بيع مجوهرات السيدات، كل ذلك من أجل وصول أحد أفراد الاسرة إلى أوروبا.
نتيجة لما سبق يضطر العديد من المصريين إلى خوض الهجرة غير النظامية، والعمل على مواكبة التغييرات التي تحدث في هذا الشأن، فهجرة الأطفال كانت أحد تلك المتغيرات، فهناك "اتفاقية إعادة القبول" التي وقعتها الحكومتان المصرية والإيطالية في 2007، والتي قامت بتسريع إجراءات إعادة المهاجرين المصريين فوق 18 عامًا من إيطاليا لمصر، كما أن القوانين الأوروبية تلزم الجهات الحكومية بعدم ترحيل الأطفال إلى بلدانهم، لذلك تغيرت فئة المهاجرين فبعد أن كانت شباب أضحت أطفال، وذكرت المنظمة الدولية للهجرة فى تقرير لها أنه خلال الفترة من كانون الثاني/يناير إلى أيار/مايو 2016، وصل نحو 1815 من المهاجرين المصريين غير الشرعيين للسواحل الإيطالية من بينهم 1147 من الأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم، أي بنسبة 78 في المئة، لتحتل مصر بذلك المرتبة الأولى بين البلدان المرسلة للأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم إلى إيطاليا.
كما أن نقاط إنطلاق المهاجرين تغييرت بتغير الظروف، فليبيا كانت هي أهم نقطة انطلاق للمهاجرين إلى اوربا،ونظرا للاحداث الجارية بها، أصبحت مصر نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين وبذلك احتلت مصر المرتبة العاشرة بين البلدان المصدرة للمهاجرين غير الرسميين وذلك وفقا لبيانات المنظمة الدولية للهجرة.
الهجرة غير النظامية لها تداعيات جمة على البلدان التي تنطلق منها، فتلك البلدان تصبح مركزا لمافيا تتاجر بالبشر من أجل الأموال، فالمركب المنكوب كان على متنه 550 شخصا وأقل تكلفة لشخص المهاجر هى 25000جنيه، إذن رحلة واحدة يجنى مافيا تلك الهجرة أكثر من 13 مليون جنيه، وهذه المافيا تتكون من سماسرة وبكل تأكيد من موظفين عموميين في السلطة التنفذية إما لغض الطرف عن تلك المافيا او لمشاركتهم فى أرباح تلك الجريمة، كما أن تلك البلدان عالية الهجرة غير نظامية خاصة أن أغلب المهاجرين يكونون من أبنائها، وهذا دليل على أن الحياة في هذه البلدان ليست على ما يرام ولا تلبي المطالب الاساسية لحياة كريمة على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما تؤدي إلى إحساس المهاجر بعدم الانتماء لوطنه ويشعر بأن وطنه لم يقم بواجبه، وأن المشكلات قرينة هذا الوطن، فهناك الكثير من المهاجرين عندما نجحوا في البلدان التي هاجروا اليها استقروا بها ورفضوا النزول إلى وطنهم، بل وصل الأمر إلى حد مقاطعته لأهله ولا تعرف عائلته أي معلومة عنه منذ أن هاجر.
وقد تؤدي تلك الهجرة في حالة نجاحها إلى بعض الجوانب الايجابية منها رفع المعاناة عن الأهل، وهو ما يتم ترجمته ببناء العمائر وشراء الأراضي من قبل الأهل عن طريق الأموال التي يرسلها لهم، بل ربما يصل الامر أن يصبح هذا المهاجر بعد عدة أعوام من هجرته من الأعيان وعلية القوم ومنذ وجود تلك الظاهرة لا يخلو البرلمان المصري من أعضاء كانوا مهاجرين غير نظاميين وكانت تلك الهجرة سببا في أن يصبحوا أعضاء مجلس شعب من خلال الأموال التي حصلوا عليها في هجرتهم.
أضرار تلك الهجرة أكثر من منافعها فالضرر يلاحق المهاجر بدءًا من عمليات نصب السماسرة مرورا بإحتمالية غرق المركب أو قتل المهاجر فلا دية لأي مهاجر انتهاء بترحليه بعد وصوله، أو عمله فى الأنشطة المحرمة والخارجة عن القانون.
إنهاء تلك الأزمة تكمن في أن تعالج الحكومة المصرية أسبابها الحقيقية، ولا تكتفي بالتصريحات الهزلية ولا البيانات المفبركة، وأن تعمل على إتاحة الفرصة لمنظمات المجتمع المدني للمشاركة بدور رئيسي في هذه الأزمة من خلال الدراسات الميدانية،وزيادة الوعي لدى الشباب والأطفال خاصة في المناطق الريفية، كما يجب على الحكومة العمل على إتاحة فرص عمل حقيقية مناسبة للمؤهلات الدراسية والخبرات العملية التي اكتسبها الشباب وتتماشى مع الحالة الاقتصادية الحالية، وقبل كل ذلك لا بد من توافر النوايا الطيبة والإرادة القوية من قبل السلطة القائمة، أما إذا استمر النظام الحالي في سياساته ومخططاته،فسيظل الشباب المصري يبحث عن الحياة التي يبتغيها.