الرئيسة \  واحة اللقاء  \  التدخل الروسي وسياسة إنقاذ المُمكن

التدخل الروسي وسياسة إنقاذ المُمكن

03.11.2015
نزار بدران



القدس العربي
الاثنين 2/11/2015
يمكن قراءة تطورات التدخل الروسي في سوريا، وما يعنيه استدعاء بشار الأسد إلى موسكو، عبر أوجه مختلفة، من قبيل ما قد يظنه البعض على أنه تشاورٌ بين الحلفاء، لرص صفوفهم أمام ما يسمونه الإرهاب، ولكن المُراقب لتصريحات الرسميين الروس منذ التدخل، والذي بدأ كالهجمة الصليبية بمباركة قساوسة أورثوذكس روس، ثم انقلب إلى عرض محادثات مع الأعداء الإرهابيين المزعومين من الجيش الحر، يوحي بأن الوضع مُغايرٌ تماماً لما كان الروس يسعون إليه عبر تدخلهم.
لقد أرادت روسيا عبر تدخلها، أن تُظهر للعالم، أنها "كعبة" كل اللاعبين في الساحة السورية، وهي بذلك تُزيح بدون حياء ولا دبلوماسية، الإيرانيين وميليشياتهم، وتُعلن فشل التدخل الإيراني بدعم جيش النظام، الذي لم يستطع بعد أربع سنوات، القضاء على ثورة السوريين، بل فقد السيطرة على مساحات شاسعة من البلد.
بعد ثلاثة أسابيع من الغارات الروسية المُكثفة، ومئات القتلى المدنيين وعشرات آلاف المهجرين الجدد بسببه (اكثر من خمسين الفا من جنوب حلب)، يُعلن يوتين عن طريق استدعائه للرئيس السوري، والدعوة لاجتماع غربي روسي سعودي تركي، فشل غاراته الجوية وورقته الأخيرة بإنقاذ النظام.
التقارب الإيراني الأمريكي، وخروج إيران التدريجي والواضح، من معادلة العداء للغرب وإسرائيل، ودخولها إلى معسكر أصدقاء أمريكا، بعد الاتفاق النووي، والذي سيتبعه ابتعاد مُنتظر عن التحالف مع روسيا، دفع بوتين إلى الدخول مباشرة إلى ساحة الصراع السوري.
وبعد الفشل بإجهاض الثورة السورية، وإنقاذ النظام، بات لكل دولة حساباتها وأهدافها، فإيران أدركت أن التقارب مع الغرب والابتعاد عن روسيا، أضمن لمستقبل آيات الله الذين يحكمونها منذ الثورة الإيرانية، آملة أن تكسب الدعم الاقتصادي، واستعادة أرصدتها من البنوك الغربية، وهي بذلك تُقر بفشل سياسة محور المُمانعة والعداء للغرب، وتقلب سياستها ظهراً على عقب. مليارات الدولارات التي دفعتها إيران للنظام الحاكم في سوريا، وآلاف المقاتلين الميليشياويين المُؤدلجين، الذين يحاربون في سوريا، لم تُجدها شيئاً، ولن تؤدي إلا إلى احتقان الأوضاع الداخلية، وخطر ربيع إيراني جديد.
سقوط الأسد المُنتظر، والتقارب الإيراني الغربي يعني لروسيا، فقدان أي تأثير في حوض البحر المتوسط، وتدمير حُلم الدولة العُظمى الذي يحمله بوتين، وتهديد النظام السياسي الروسي، والذي بنى شعبيته على مفهوم استعادة عظمة الاتحاد السوفييتي السابق.
لقد فشلت الغارات الجوية الروسية المكثفة (أكثر من 600 غارة خلال ثلاثة أسابيع) في إعادة الحياة لجيش النظام المُنهك، وكامل تشكيلة الحُلفاء المحليين والخارجيين، ما وضع المسمار الأخير في نعش أحلام إنجاز المهمة التي تنطحت لها موسكو، لتبدأ في البحث عن مخرج يؤمن لها على الأقل، الحفاظ على مظاهر العظمة، والاستمرار بتخدير الرأي العام الروسي لأطول فترة ممكنة. لذلك هي تحاول الآن فرض وجود عسكري في مناطق العلويين، يؤمن لها ميناء طرطوس كموقع قدم لسفنها وطائراتها.
كذلك فقدت إسرائيل مع الاتفاق النووي الإيراني الغربي، الورقة الفزاعة التي كانت تُمكنها من ابتزاز الجميع، وبدأت تستشعر بتغيير بطيء، ولكنه واضح، في السياسات الغربية تجاهها، خصوصاً من ناحية المواقف الشعبية، ونجاح الدعوات إلى مقاطعة إسرائيل، ونجاح انتخاب (كوربين) لرئاسة حزب العمال البريطاني، وانتخاب (ترودو) في كندا لرئاسة الحكومة، هي مؤشرات على ذلك، فهؤلاء لن يتبعوا السياسة الإسرائيلية بشكل أعمى، كما تعودت إسرائيل من قبل.
على أن سقوط النظام السوري، يعني لها إعادة استشعار المخاطر المحدقة من الشمال، وإعادة الحياة إلى الربيع العربي، والذي وبكل تأكيد، لن يقبل بأن تستبيح إسرائيل مقدسات الأمة وحقوق الشعب الفلسطيني.
ماذا يعني الدعم الإسرائيلي للتدخل الروسي في سوريا وتنسيقهما المشترك؟ هي بوادر حلف من نوع جديد، يؤمن لإسرائيل الدعم من دولة مهمة، قد يعوض جزئياً التراجع المُحتمل في الدعم الغربي مستقبلا، وورقة ضغط على الغرب وأمريكا بشكل خاص. كما أن تواجد أكثر من مليون روسي في إسرائيل، يتكلمون الروسية وتربطهم بروسيا علاقات عائلية وعاطفية واقتصادية، يدعم شعبياً هذا الاتجاه. فالتواجد الروسي الحليف لإسرائيل، هو أيضاً بمثابة إعلان موت المشروع الطائفي الإيراني، الرابط طهران ببغداد ودمشق وبيروت، والذي أسقطه حقاً، نضال الشعب السوري من أجل الحرية.
كذلك فإن مستقبل التحالفات بالشرق الأوسط، سيختلف تماماً عما تعودنا عليه، وسنشهد انتهاء الصورة التقليدية. المنسي الوحيد في هذه المعادلة الجديدة، هما الشعبان الإيراني والروسي، اللذان لم يقولا كلمتيهما بعد، وستكون كلمة مدوية، لأنهما لن يقبلا أن يجري تبذير ثرواتهما على أحلام العظمة أو التحالفات الطائفية. هذان الشعبان العريقان سيبحثان بدورهما لبناء بلديهما على أُسس الديمقراطية الحقة، والتي تضع مصلحة المواطن والوطن أولاً، وتطوير اقتصادهما ورفاهيتهما.
روسيا المستقبل، البعيدة عن حكم المافيا، وإيران المُستقبل، المُتحررة من الحكم الكهنوتي لـ "آيات الله" القادمين من مجاهل وظلمات القرون الوسطى، هما اللذان سيشكلان التحالف الأوثق مع أبناء الأمة العربية، الداعمين لقضاياها ضد المشروع الصهيوني وأنظمة الاستبداد والديكتاتوريين العرب، وداعميهم من الغربيين.
باختصار.. إن نجاح الثورة السورية، سيكون نقطة الفصل ونقطة الانطلاق للحرية، ولكن ايضا نقطة بدء العد العكسي لأعداء الشعوب.