الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية والمنزلق الخطير

الثورة السورية والمنزلق الخطير

17.08.2014
فايز الدويري



القدس العربي
السبت 16/8/2014
إنطلقت الثورة السورية في شهر آذار من عام 2011 مستجيبة لنسائم الربيع العربي. جاءت انطلاقتها عفوية رغم ان الإرهاصات الكامنة وراءها عميقة، عمق تجربة البعث في تكميم الأفواه وسلب الحريات وقمع المعارضين، فكان يكفي النظام أن يقوم صبية بكتابة عبارة (إجاك الدور يا دكتور) على احد الجدران في مدينة درعا، لتتسارع الأحداث وتصبح ككرة الثلج تأخذ كل مافي طريقها الى هاوية سحيقة ليس لها قرار.
بداءت الثورة سلمية وإستمرت بسلميتها طيلة الأشهر الستة الاولى وبإعتراف رأس النظام، و رغم سلمية الثورة الى ان النظام إعتمد مقاربة أمنية متصاعدة مستفيدا من التجربة الإيرانية في قمع الثورة الخضراء، وبدل ان يستخدم قوات شعبية منظمة على غرار قوات الباسيج استخدم ما اصطلح عليه ( الشبيحة)، وكانوا يواجهون المسيرات السلمية بالرصاص الحي تحت سمع ونظر وحماية قوات النظام، بعد فشل الشبيحة في إنجاز المهمة الموكلة لهم بداء النظام السوري يزج الوحدات ذات الموثوقية العالية من حماة الديار علها تنجح فيما فشل الشبيحة وقوات والأمن في تحقيقه.
ادى الفشل في قمع الحراك السلمي الى تحول النظام السوري الى المقاربة العسكرية بدلا من الأمنية، وقد جاء هذا التحول بعد زيارة وزير الخارجية الروسي مصطحبا معه مدير الاستخبارات العسكرية الروسية،حيث تم اعتماد المقاربة الروسية في غروزني او ما يعرف بعقيدة بوتن، والتي تعتمد سياسة الارض المحروقة والانتقام من البيئة الاجتماعية الحاضنة.
استخدم النظام السوري ما يعرف بالتصعيد المسلح المتدرج، فبداء بإستخدام الاسلحة الخيفة ثم المتوسطة فالثقيلة فالطائرات العمودية ثم المقاتلة ثم صواريخ ارض ارض فالسلاح الكيماوي، وكان في كل مرة يستخدم بها مستوى جديد من الاسلحة، كان يستخدمه بصورة محددة زمانا ومكانا يتبعها بفترة هدؤ ليرقب ردود الفعل الدولية، وعندما وجد ان ( ردود الفعل العالميمة لا تتعدى الشجب والاستنكار من قبل أصدقاء الشعب السوري، فيما حظي النظام السوري بغطاء فاعل في مجلس الأمن من خلال استخدام روسيا والصين لحق النقض الفيتو ضد اي قرار يدين النظام السوري كما حظي بمساعدة إيرانية غير محدودة في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية)، دخل في حرب مفتوحة مع الشعب السوري.
ادت الإجراءات العسكرية السورية الى تزايد عمليات الانشقاق لدى منتسبي الجيش السوري، وما يؤخذ عيها انها كانت انشقاقات أفقية على مستوى فردي فيما لم تتمكن أية وحدة عسكرية من الانشقاق بسبب الرقابة الأمنية الصارمة، والتي بلغت حد حجز بعض الوحدات غير الموثوقة في معسكراتها لفترات طويلة.
كما يؤخذ على الثورة السورية انها بدأت في الريف السوري ومنه اتجهت الى المدن السورية، مما سمح للنظام ان يشدد قبضته على مراكز الثقل الديموغرافية والاقتصادية، كما ان نسبة كبيرة من العسكريين المنشقين لجأوا الى دول الجوار مما حرم الثورة من خبراتهم العسكرية. رغم كل ذلك نجحت قوات الثورة في منتصف عام 2012 الى الوصول الى قلب دمشق وأصبحت على بعد 300 متر من ساحة العباسيين، كما نجحت في تحقيق إختراق أمني كبير تمثل في تفجير خلية الازمة الأمنية، كما بداءت معركة تحرير حلب وبالتزامن مع احداث إختراقات كبيرة في معظم المحافظات السورية.
عانت الثورة السورية من ضعف الجناحين السياسي والعسكري وعدم قدرتهما على مواكبة الانجازات الميدانية، حيث بداء الحراك السياسي بتشكيل المجلس الوطني ثم إئتلاف قوى المعارضة وتشكيل حكومة مؤقتة، فيما أسس الجيش الحر وتم انشاء المجلس العسكري الأعلى ورئاسة الأركان، ولكنها جميعا لم تحقق الحد الأدنى لما هو مطلوب منها، ويقف وراء ذلك أسباب عدة منها ان العديد من منتسبيها مصابين بأمراض النظام او مرتهنين للقوى الإقليمية والدولية الداعمة لهم، مما نقل الخلافات الإقليمية والدولية الى داخل مؤسسات الثورة السياسية والعسكرية.
رغم عدم نجاح المؤسسات السياسية والعسكرية اعلاة في إحداث اختراقات كبيرة الا ان المقاتلين من الجيش الحر والتنظيمات الاسلامية المعتدلة وجبهة النصرة حققوا كثيراً من الانجازات الميدانية حتى سيطروا في نهاية عام 2012 وبداية 2013 على ما يقرب من 60/ من الجغرافيا السورية وإن بقيت معظم المدن الرئيسية تحت سيطرة النظام بصورة كلية او جزئية. ادت تلك النجاحات الميدانية الى قيام ايران وبأوامر من القيادات السياسية والعسكرية والمرجعيات الدينية الى تجنيد الآلاف من الشباب الشيعة للقتال في سوريا بحجة حماية المزارات الشيعية، كما طلبت من حزب الله التدخل العسكري، وكانت باكورة هذا التدخل معارك القصير والسيدة زينب والقلمون لتتوسع لاحقا لتشارك لاحقا في كل المعارك الحاسمة التي تخوضها قوات النظام.
ادى كل ذلك الى بروز حالة من التذمر لدى العديد من التنظيمات العسكرية المنضوية تحت رئاسة الأركان، فبداء مسلسل الانسحابات من الجيش الحر وتشكيل تنظيمات جديدة كالجبهة الاسلامية وغيرها مما اضعف الجيش الحر وجعله تنظيم هلامي غير فاعل، كما دخل تنظيم الدولة الاسلامية الى ساحة المعركة.
إعتمد تنظيم الدولة في بداية تدخله على انشاء مراكز دعوية وتقديم المعونات الاقتصادية وفرض الأمن على المناطق التي يتواجد فيها كما عمد الى استخدام المقاربات الدموية المفرطة على مخالفيه مما بث الرعب في قلوبهم، كما بداء بالتوسع التدريجي في المناطق المحررة فتواجدت قواته وبدرجات متفاوتة في تسع محافظات سورية منها محافظة الرقة التي سيطر عليها سيطرة شبه مطلقة، ومما يؤخذ على تنظيم الدولة عدم خوضه معارك حاسمة مع قوات الجيش السوري كما فعلت جبهة النصرة إنما اكتفى في المشاركة في بعض المعارك مثل معركة مطار منغ العسكري، كما بداء تنظيم الدولة بالاحتكاك بكتائب الجيش الحر من خلال عمليات اختطاف وقتل لبعض قادة الكتائب ومنتسبي المجالس العسكرية مما ادى الى عمليات إقتتال بين تنظيم الدولة وبقية مكونات المعارضة المسلحة ادت الى انسحاب قوات الدولة من ريف أدلب وريف حلب الغربي وإعادة تنظيم صفوفه في محافظة الرقة.
يعتبر يوم العاشر من حزيران الماضي علامة فارقة في مسار الثورة السورية وهو اليوم الذي إنطلقت به العمليات العسكرية في العراق والتي ادت الى سيطرة تنظيم الدولة والجماعات السنية المسلحة على ثلاثة محافظات عراقية وعلى كميات كبيرة من الاسلحة والذخائر بلإضافة الى مايزيد عن نصف مليار دولار من بنوك مدينة الموصل، ولقد استطاع تنظيم الدولة ان يجير الانتصارات الميدانية له ويصبح اللاعب الرئيس على الساحة العراقية. بعد الانتصارات الميدانية الكبيرة في العراق بدء تنظيم الدولة في نقل معركته الى سوريا فأزال الحدود السياسية وسيطر على المعابر الحدودية، كما سيطر على معظم أراضى محافظتي دير الزور والحسكة وعلى حقول النفط والغاز فيهما، كما سيطر على اهم المواقع العسكرية للنظام ممثلة في قيادة الفرقة 17واللواء93 وهو في طريقه للسيطرة على مطار الطبقة العسكري. هذه الانتصارات الميدانية السريعة عززت من قدرات تنظيم الدولة الاقتصادية والعسكرية والبشرية كما تمكن من بث الرعب والفزع في قلوب معارضيه لإعتماده المقاربة الدموية المفرطة مما سيجعل منه العدو الصلب بجانب الجيش السوري للثورة السورية رغم الاقتتال بينهما وإختلاف توجهاتهما واهدافهما.
رغم كل الإخفاقات السياسية والعملياتية للجناحين السياسي والعسكري الا ان المقاتلين في الميدان يحققون إنجازات ميدانية هامة في كل من ريف حماة وريف إدلب والقلمون ومحافظتي درعا والقنيطرة وبعض مناطق الغوطة الشرقية ولكنها تبقى إنجازات ميدانية لا ترقى للمستوى العملياتي والاستراتيجي مما يقلل من اثارها الإيجابية المستقبلية على الثورة السورية.
لاتزال الثورة السورية تواجه العديد من التحديات الجسام والتي تتلخص في عدم الاهتمام الدولي والإقليمي بالشعب السوري وتخوفهم من سيطرة المتشددين الإسلاميين على الجغرافيا السورية خاصة بعد اشتداد عود تنظيم الدولة والتخوف من ان تنهج جبهة النصرة نفس النهج وتعلن عن انشاء إمارة إسلامية في ريف إدلب، يضاف لذلك استمرار الدعم الايراني اللامحدود على كافة الصعد والمساعدة العسكرية من حزب الله مما يعزز من مكاسب النظام العسكرية ويدعمه سياسيا، يقابل ذلك ضعف وتشرذم القيادات السياسية والعسكرية لقوى المعارضة السورية،مما يعني استمرار الصراع لسنوات قادمة دون وجود القدرة لدى اي من الأطراف المتصارعة على تحقيق الحسم العسكري، وهذا سيقود حتما الى تدمير الدولة السورية وتحولها الى مناطق يسيطر عليها أمراء حرب، وسيكون العالم امام صومال جديد.
٭ خبير عسكري واستراتيجي