الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة السورية وتحديات المتغيرات الدولية

الثورة السورية وتحديات المتغيرات الدولية

30.09.2017
ميسرة بكور


القدس العربي
الخميس 28/9/2017
إذا كان السمك يأكل السمك، وإذا صح الخبر أن الرياض وطهران في طور التقارب، وإذا كانت انقرة تتحالف مع موسكو، وتعقد الصفقات مع طهران خدمة لأمنها القومي، وإذا كانت حماس تقبل بدولة مؤقتة على حدود 67، فنحن ايضاً سنأكل السمك، وسنبحث عن مصالحنا وعن تحالفات تخدم تطلعات شعبنا وأهدافه.
بالأمس القريب خرج علينا مسؤولون أتراك، بحديث قالوا فيه انهم توافقوا مع الإيرانيين لمحاربة التنظيمات الإرهابية الكردية، وسبق أن صرح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أنَّ بلاده قد توافق على بقاء الأسد في مرحلة انتقالية تضمن إنهاء شلال الدماء، فمن حقنا نحن أيضًا أن نبحث عن مصالح شعبنا حيث نجدها. ومن حقنا أن نأكل السمك.
للأسف البعض لا يريد أن يقرأ المتغيرات الدولية، وتعجبه حالة اللاحرب واللاسلم القائمة حاليًّا التي تنعكس بشكل سلبي على الأهالي المكلومين، يجب إنهاء هذا الوضع.
حتى لا يصطاد احدهم ويتلاعب بالكلام لسنا ندعوكم للاستسلام. ليكن معلوما لكم هذا.
لكل شيء في هذه الحياة "استراتيجية بديلة"، البعض يقول سنقاتل حتى آخر رصاصة فإذا سألته وماذا بعد آخر رصاصة؟ سيقول لك الموت بكرامة، لكن ثمة خيارا آخر العيش بكرامة.
أيها السادة، أنتم لم تخرجوا بثورة من أجل الموت ولا من أجل الخراب، بل من أجل البناء والتطور، ثورة الحق على الباطل ثورة النور على الظلام، ولم تكن تلكم الحرب اللعينة خياركم بل فرضت عليكم فرضًا.
بالتالي أن اتيحت فرصة للسلام العادل، والانتقال السياسي الكامل بما يضمن العدالة والمساءلة لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية في سوريا دون تفريط، فعلينا أن نجنح نحوه.
في بداية الحديث تحدثت عن تغيرات في الحسابات السياسية لبعض الدول التي كانت تدعي وصلا "بالثورة السورية" التي يريد البعض أن يقرأها بعناية تامة.
من هذه المتغيرات الحاصلة على أرض الواقع، الملف السوري لم يعد الملف الأول المطروح على جدول أعمال دول الخليج العربي التي كانت تصر على رحيل تنظيم الأسد – الموقف الأردن ي المنزلة بين المنزلتين أصبح أقرب للتوافق مع تنظيم بشار الأسد. جميعكم يعلم الضغوطات التي مورست على بعض الفصائل العاملة في البادية السورية من أجل الاستسلام والانسحاب إلى الأردن.
وجميعكم سمع بالتصريحات المتكررة لوزير الخارجية الفرنسي حول عدم القبول بشرط رحيل تنظيم الأسد كبداية لحل سياسي في سوريا، وما أعقبه من تصريح وزيرُ الخارجيةِ البريطاني بوريس جونسون ان بلادَه تخلت عن رحيلِ الرئيسِ السوري بشار الأسد كشرطٍ مسبّقٍ لحلِ الازمةِ السورية وأضاف. انه بإمكانِ الأسد دائماً المشاركةُ في انتخاباتٍ رئاسيةٍ ديمقراطيّة. مضيفاً ان رحيلَ الأسد يجبُ أن يكونَ كجزءٍ من عمليةِ انتقالٍ سياسيٍ حسبَ تعبيرِه.
نعتقد أن هناك توافقا دوليا عالميا على ضرورة بقاء الأسد في المرحلة لانتقالية كحاجة فرضتها ضرورة وطبيعة المرحلة بسبب عدم تمكن أو "السماح" للفصائل المسلحة من تشكيل قوة واحدة أو بديل عن ميليشيا تنظيم الأسد.
وأضيفكم من الشعر بيتا، الجميع بات لديه شعور متنام مفاده أن بقاء تنظيم الأسد أفضل من انتصار التنظيمات " الراديكالية" وهو الوحيد القادر على الحفاظ على ما بقي من سوريا موحدة، في ظل تشتت وتنوع الفصائل واختلافاتها السياسية هي الأيديولوجيا.
لو تابعتم الجولة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الروسي برتبة" جنرال" إلى دول المنطقة والإقليم والطريقة التي تم استقباله بها في معظم العواصم العربية والإقليمية، وركزتم على زيارته الأخيرة لعمان التي كان يتحدث فيها بثقة تامة يفهم من فحواها أن أمريكا وكلتهم بالمنطقة ومشاكلها وعلى الجميع أن يستعد لمرحلة المصالحة مع تنظيم الأسد.
نستطيع إلى حد بعيد القول أن لافروف حصل من عواصم المنطقة على كامل ما تريده الاستراتيجية الروسية في سوريا وهي إعادة استنبات تنظيم الأسد وهو الأفضل من بين الخيارات الأخرى " الراديكالية" التي تعتبر الخطر الحقيقي على الأنظمة القائمة في المنطقة، على حد ما زعم لافروف وصدق البعض.
في ما يخص الفصائل المسلحة الثائرة في وجه تنظيم الأسد، فالخيارات الروسية المتاحة لا تخرج عن " إلقاء السلاح والخروج – الاستسلام والانخراط في جيش تنظيم الأسد في حربه المزعومة على الإرهاب الذي أوجده- أو الموت – وترك شيء من الرفاهية للبعض في الهجرة خارج سوريا وعدم التفكير بالرجوع،لأن عصام زهر الدين سيكون بانتظارهم.
إذا اعتبرت الثورة السورية بشقيها السياسي والعسكري أن خيارها الاستراتيجي هو التفاوض فهنا علينا أن نتوقف ونسأل على ماذا نتفاوض. إذا كان التفاوض على قرارات مجلس الأمن نعتقد أن قرارات مجلس الأمن لا يتم التفاوض عليها فهي واجبة التنفيذ، إنما يتم البحث عن آليات تنفيذية لها.
وعلينا أن نتوقف هنا مرة اخرى لنسأل هل ما تطرحه موسكو مفاوضات أم مباحثات فنية أم "مصالحة" الحقيقة ومن خلال متابعة منشورات قاعدة حميميم الروسية في طرطوس نجد أن ما تطرحه موسكو هو "المصالحة" بالمفهوم الروسي أي الاستسلام مقابل عدم موتكم وإفنائكم جميعاً، أما إذا كانت المعارضة تبحث عن مصالحة، فالسؤال هو على ماذا نتصالح وما هي مقومات هذه المصالحة وما نتيجتها وثمنها السياسي والثوري؟
أعتقد أن الجميع بات يدرك أن ما تطرحه موسكو على الثائرين على تنظيم الأسد هو الاستسلام أو القتل أو التهجير.
بالتالي على من يدعون الزعامة والقيادة والتمثيل الثوري، أن يتعاملوا مع هذه المعطيات ومطلوب منهم أن يجدوا آليات للتعامل مع هذا الواقع وهو الحقيقة المرة التي هي بكل تأكيد أفضل من الوهم المريح.
ما هي خيارات الثورة في التعامل مع هذا الواقع غير المريح، مع التذكير أن الجهات العربية الداعمة أوقفت بشكل كبير دعمها العسكري للفصائل المسلحة، ودعمها السياسي للمعارضة السياسية. وفي ظل ما ذكره المبعوث الأممي إلى سوريا "ديمستورا" التي قال فيها أن على المعارضة أن تدرك أنها لم تنتصر.
إذا كان الخيار الصمود، فعلينا أن نسأل ما هي مقومات الصمود وما هي امكانياتنا و إلى متى نستطيع أن نصمد في ظل وقف الامدادات.
من الصحيح القول أن الفصائل لم تنتصر، ولكنها أيضاً لم تخسر حتى الآن. ويقول المثل الشائع طالما أن السيف بيد الفارس لم تنته المعركة.
واعتقد أن لدى الفصائل امكانية كبيرة في فتح أكثر من "100 جبهة " في وقت واحد وهذا ما يعجز عن تحمله النظام وداعميه، لكن هذا الخيار سيتحقق في حال واحد اتفاق جميع الفصائل على قيادة واحدة، وهذا أمر لا يمكن تخيله وبعد سبع سنين من الثورة لم تفلح الفصائل بذلك.
أما إذا كان الخيار هو الاستمرار في المفاوضات بالقراءة الروسية فعلينا أن نفكر جيدا أننا في الموقع الأضعف وقد تخلى عنا الجميع، بالتالي علينا التركيز على تحقيق أكبر قدر من المكاسب لأن روسيا ماضية في مشروع اعادة تأهيل نظام الأسد بمباركة دولية. لكم في ما قاله المندوب الروسي إلى استانة أن الخطوة التالية ستكون في محاربة كل من يريدون إسقاط تنظيم دمشـق والقضاء عليـهم، درسـا وعبـرة.