الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الدراما آخر أسلحة النظام بوجه الثورة السورية

الدراما آخر أسلحة النظام بوجه الثورة السورية

26.07.2015
ميسرة بكور



القدس العربي
السبت 25/7/2015
لم يترك نظام الأسد وسيلة من وسائل القمع والتنكيل إلا واستخدمها بوجه الثورة السورية تحت عنوان واحد هو اركاع الشعب السوري وارجاعه إلى بيت الطاعة الأسدي وجمهورية العبيد التي حطم شباب سوريا الثائر جدرانها إلى غير رجعة.
لأن الاعلام سلاح فتاك وتدميره شامل تطال سهامه جميع الفئات باختلاف طبقاتها الإجتماعية والفكرية وقدراتها العقلية وتبايناتها الثقافية، ويحاكي مشاعر البسطاء من الذين تسيرهم العواطف، من خلال حبكة درامية ممزوجة بالشعارات الوطنية والأنسانية المؤدلجة، ويتلاعب بمشاعرهذه الفئات غير القادرة على تكوين رأي خاص بها نتيجة عوامل، إجتماعية وثقافية، ويتأثرون بشكل مباشر بمايتلقونه من وجبات اعلامية، مدفوعين بمحبتهم لبعض "الممثلين أو الإعلاميين" الذين نجحوا في التمثيل على الشعوب زمناً طويلاً بشعاراتهم البراقة وكلماتهم المعسولة، عن مناصرة الحق والحرية والعدالة وانتقاد أخطاء الحكومات وفضح الفساد.
مع انطلاق الثورة السورية أسقط الكثير منهم القناع وبان وجهه الحقيقي دون مساحيق التجميل التي طالما خدعوا بها الجمهور، وسارع الكثير منهم إلى دعم النظام المستبد وتبنوا روايته للأحداث وعملوا على تسويقها معتمدين على مالديهم من رصيد شعبي.
لا يخفى على متابع الدورالذي تعلبه استراتيجيات الأعلام الفعالة والمؤثرة في إحداث الصدمة، وأستخداماتها في الحرب النفسية،من بث إشاعات وتشويه الخصم والنيل منه.
فسخر لها نظام الأسد، مجموعة من الكتاب المأجورين ومرتزقة القلم،للترويج لبضاعته التي لم يعد يجترها أحد عبر سنوات الثورة السورية الأربع.
بما أن نظام الأسد هو المتحكم الرئيسي في الأنتاج الفني "الدرامي" من خلال شركات تتبع له يديرها شكلياً أشخاص من محازبيه، فطوع الدراما السورية التي تحظى بنسبة متابعة كبيرة خاصة مسلسلات البيئة الشامية التي لاقت رواجا كبيراً عبر الفضاء العربي، مستغلا هذه الشعبية لخدمة حربه المسعورة ضد الشعب السوري وثورته.
انبرى لهذه الأعمال "الدرامية " مجموعة من الكتاب المأجورين بل الذين يعملون متطوعين من تلقاء أنفسهم أملاً في النظر إليهم بعين الرضى والقبول لدى النظام، في كتابة أعمال درامية بهدف تشويه الثورة وتسويق رواية نظام الأسد للأحداث الدامية التي تدور رحاها على الأرض السورية .
جسدت هذه الأعمال مجموعة من الممثلين "الفنانين" الذين يمتهنون مهنة التمثيل، من أجل الأموال بغض النظر عما تقدمه من أفكار ورسالة للمجتمع تحاكي قضاياه بطريقة تؤدي لمعالجة الخلل وتقدم حلول معقولة له.
شهد الفضاء الالكتروني خلال هذه الفترة حملة من التراشقات الإعلامية بين ممثلين معارضين ومؤيدين وتم تصنيفهم من قبل ناشطين على قوائم سوداء وأخرى بيضاء حسب انتمائهم السياسي.
لنتذكر جميعاً الفترة التي كان نظام الأسد الأب في حالة خلاف مع النظام التركي في تسعينيات القرن الماضي التي كادت تودي إلى حرب بين النظامين.
حينها تم أنتاج مسلسل أسمه "أخوة التراب" كان أول عرض له عام 1996، بغض النظر عن القصة الملحمية التي كتبت حينها، كان التوظيف السياسي واضحاً من خلال أحداث المسلسل،هو تشويه كل مايمت لتركيا بصلة، مستغلين فترة الحكم العثماني لبلاد الشام من أجل حبكة درامية تخدم أهداف النظام السوري سياسيا، حيث اظهر المسلسل العثمانيين كمجموعة من البرابرة.
عندما تحولت الأوضاع وأتفقت المصالح مع وصول نظام "بشار الأسد " وحكومة " أردوغان "إلى السلطة شاهد المراقب كيف تبدلت نبرة الدراما السورية تجاه الحكومة التركية، نلاحظ ذلك في مسلسل أهل الراية" عام 2008 الذي كان يحاكي مرحلة الوجود العثماني في سوريا، كيف ظهر الوالي العثماني وجنوده بوجه جميل متعاطف مع المظلومين رحيم بهم، وأصدرالسلطان أو الوالي حينها " عفو عام عن جميع المساجين والمحكومين".
لنتذكر جميعاً تلك الفترة التي جعل فيها نظام بشار الأسد أبواب سورية مشرعةً أمام الأتراك ضارباً عرض الحائط مصالح السوريين وصغار الصناع والتجار.
مع تحول الموقف التركي ضد نظام بشار الأسد وقرار حكومة "أردوغان"حينها الوقوف بشكل حازم إلى جانب مطالب الشعب السوري،عاد النظام سيرته الأولى بالحديث عن أطماع "أوردغان " في السيطرة على الوطن العربي من خلال عودة الدولة العثمانية والحديث عن الأحلام الأمبراطورية لـ"الطيب اردوغان".
في هذا العام كان ملفتا للنظر الكم الهائل من التشويه المقصود للثورة السورية وأظهارها على أنها مجرد مشروع صهيوني – تركي، تقوده مجموعات من المتطرفين أو رجالات فاسدين تم طردهم من النظام بعد اكتشاف أمر فسادهم فتحولوا إلى المعارضة لتبييض صفحاتهم المشوهة،هذا ما بدا واضحاً للعيان في مسلسل " في ظروف غامضة" المسلسل الذي أعتبر الثورة وتضحياتها مجرد أزمة.
أما مسلسل "بقعة ضوء" فكان أكثر جرأة ووقاحة في توجيه سيل هائل من التشويه والتعريض بالثوار،في حلقاته الأولى،حيث عرض مجموعة من المسلحين يقومون بأعمال القتل والنهب والتفجير لمن يدفع لهم الأموال، وهم من نفس الحي وأقارب لكن لكل منهم ممولا وجهة تدفع له.
أما الشيئ الأكثر فجاجة ولا يمكن لأي سوري أن يتخيله قبل اندلاع الثورة السورية وربما كان يودي به إلى غياهب السجون ومسح عائلته عن خارطة سكان سوريا، ما تم صناعته في المسلسل الشهير بفصوله السبعة "باب الحارة "وهو جزء من مجموعة مسلسلات قدمتها الدراما السورية تحت عنوان البيئة الشامية.
باب الحارة في جزئه السابع،بما احتواه من مغالطات وتشويه للبيئة الشامية فرغها من محتواها الأخلاقي والإجتماعي،وما حوته من مخزون ثقافي ربيت عليه أجيال كثيرة، وتناقض مع ما سبقه من مسلسلات.
وأصبح اختلاط النساء بالرجال أمرا مألوفاً،الأمر الذي لم يكن موجود في ما سبق من اجزاء هذه الدراما المؤدلجة،الطويلة التي عرفنا متى بدأت ولا أحد يمكنه التنبأ بنهايتها،وأظهر الحارة الشامية عبارة عن جملة من التناقضات الأخلاقية والمجتمعية.
قد يحتج علينا البعض بقوله إن نظام الأسد الأب سمح بهامش حرية وتعبير من خلال الأعمال المسرحية مثل" ضيعة تشرين – وغربة"1974 صحيح أنه كان في المسرحيتين هامش كبير من الحرية استطاع فيهما الماغوط من إيصال رسائل هامة عندما قال إن العدوان فشل وذلك لأن المختار مازال في منصبه، وفي الآخرى عندما قال إن الأحكام تتم بموجب الدستور الذي أكله الحمار، بمعنى أن النظام القائم كان يختصر الوطن بشخص الرئيس "حافظ الأسد" وانه هو الدستور وهو مصدر التشريع والقرار له وحدة، رغم ذلك كان حافظ الأسد مستفيداً من التوظيف السياسي للخطاب المسرحي بل عمل على تكريسه وأقناع الشعب السوري بحقيقة واضحة أنه هو الحاكم بأمره وأنه الوطن والوطن هو. على عكس ما أراد قوله الماغوط والذي وصل للكثيرين، رغم أن ما أراده حافظ الأسد من تسويقه في هذا الخطاب هو الذي تم على أرض الواقع.
حتى لا نبخس الناس علينا أن نميز بين الفنان والممثل، ففي كل العلوم والمجالات هناك فنان مبدع وآخر ممثل مخادع،لكن الفرق بينهما شاسع، الفنان هو الذي يحمل بصدق هم أمته ويرغب في المساهمة ببناء نهضتها وتقدمها.
بينما الممثل ما هو إلا دمية تقرأ ما كتب لها وتنفذ تعليمات المخرج "القائد"، مقابل المال وترتمي بأحضان من يدفع لها أكثر دون رادع أو واعز من ضمير.
ما سقناه بين ثنايا هذه السطور هو غيض من فيض ويظهر لجميع المتابعين بمن فيهم الفئات الصامته أو المغيبة عن حقيقة نظام الأسد الذي لطالما تغنى بالمقاومة والممانعة ومناهضة اسرائيل، فإذا به عند أول مطب يكشف عن وجهه القبيح وحقيقة وجوده واستمراريته حتى الآن كخادم للمصالح الصهيونية مجيراً الفن والأعلام لخدمة مشروعه "البقاء في السلطة" على حطام وطن.
 
ميسرة بكور – كاتب وباحث سوري