الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الرقة بين الاجتياح والجوائح

الرقة بين الاجتياح والجوائح

29.06.2017
محمد زين


القدس العربي
الاربعاء 28/6/2017
عشرون يوما خلتْ مُذ بدأ التحالف اجتياحَ الرَّقة دافعا بقواتِ "قسد" لمهام الأرض ليواجه تنظيم الدولة. عشرون يوما كانت كفيلة لتحويل الرّقّة من مدينة إلى ما يشبه المدن أو ما يشبه بقايا مدينة بائدة كانت هنا، ولما يتأثر التنظيم على ما يبدو من سجال الحرب.
من تضرر هم المدنيون العزل الممنوعون من كلِّ شي إلا من الموت.
جاء الصوت مكموما ومخنوقا استمعت إليه عدَّة مرّات وكأنّه يخرجُ غَيَابة
جُبٍّ سحيق؛ صوت اسماعيل محاولة يائسة لطمأنة أخيه بكى أخوه مرات وهو يعيد التسجبل ونحن في الحافلة وبكيت كما كنت ابكي كلّما جاء صوتٌ مِن الرّقّة من قريب أو بعيد.
يقول اسماعيل: نحن أحياء لكن لا نعرف إلى متى!؟
ليس الجميع بخير مات كثيرون وفُقِد كثيرون ورحل كُثُر وأنا وعائلتي بخير إلى الآن. سلمى تسلم عليك وأرسلت لك "بوسات خص نص" لعمها يوسف.
ويحشرج وينقطع الصوت ويحتدم صوت انفجارٍ ودويٌ كهزيم الرّعد ثمّ يعودُ إسماعيل ويحكي ويطمئن يوسف ويمضي قافلا إلى البيت فقد ترك البيت وهم في حالة ذعر.
كما قال وهو يختم. سقط الهاتف من يد يوسف فأعدته إليه دسسته بين يديه برفق وظللنا صامتين. في كل هاتف جاء صاحبه من هناك اعني الرقة حكاية تشبه حكاية اسماعيل وربما أقسى وأصعب، فالفداحة قد بلغت منتهاها هناك . شلل الاطفال ينهض تتعالى الصيحات منذُ أمدٍ بعيد منذرة ومحذرة من كوارث وأمراض وجوائح انتشرت في ربوع الرّقّة سيّان ما كان منها تحت نِير تنظيم الدولة أو نير قسد، فالأول يحتجز نحو مئتي ألف مدني ممنوعين من الترحال خارج حدوده محرومين من أبسط مقومات الحياة مأكلاً ومشرباً أما الدّواءُ فضربٌ من مُحال.
يفيد تقرير لمنظمة الصحة العالمية بوجود نحو 155 إصابة شلل أطفال ويعد هذا مؤشرا يثير الرّعب لأن انتشار الوباء سربع كانتشار النار في الهشيم فيكفي وجود حالة واحدة مع غياب اللقاحات والعلاج والعناية ليشكل كارثة طفولية.. وما يزيد الطين بلِة، ولم يقف الأمر هنا بل تعداه إلى جوائح جديدة تنهض بعد سُبات دام سنتين وعلى رأسها الحُصبة واللشمانيا"حَبّة حلّب " والجرب وغيرها من الأمراض الجلدية جرّاء غِياب الماء وانعدامه إلا للشرب وأحيانا لا يتوفر حتى للشرب.
وفي ظل ظروف كهذه يستأثر التنظيم والخصم( تنظيم الدولة-قسد) بكل المُقدرات للجنود تاركين المدنيين أطفالا وشيوخا ونساء لرحمة باريهم وتحت ذعر وخوف وموت.
وفي المخيمات ما يشبه الموت أما الذين غامروا بحياتهم فنجوا من أحد قناصي الخصمين دافعين ما يملكون من مال تاركين ما يملكون من أثاث خلفهم .
وقد خرجوا ونجوا من حواجز تنظيم الدولة ومن ألغامه بعد جهد -وسقط كثيرون- ومن نجا ظن الخلاص وشيكا ولكن سرعان ما تلاشت الآمال فالمخيم كما يقول عبود جحيم آخر هو أشبه بمعتقل تجرد من كل ثبوتياتك وتصادر ولاتعاد ويزج بك داخلا وعليك احتمال مسلسلات الانتظار من خيمة وأثاث بسيط ثم انتظار لقيمان الطعام وشربة الماء والإمنان والإذلال والتعذيب النفسي تحت وطأة ما تقدم.
هذا جزء من حال بعض أهل الرقة وهناك ما أعسر وأمر فلا بيت سلم من فقد أو استشهاد أو اعتقال أو مصاب وحكايات تترى ينفطر لها القلب قل هي الرّقّة كلمة باتت تغنيك عن وصف الجحيم.
كاتب سوري