الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون الجدد في أوروبا بين الرمضاء والنارِ

السوريون الجدد في أوروبا بين الرمضاء والنارِ

16.08.2015
عبد الرحمن الحوت



القدس العربي
السبت 15/8/2015
شهدنا في الأيام الأخيرة قدوم أفواجٍ من إخواننا السوريين إلى ألمانيا خاصة وأوروبا بشكل عام، ويومياً تأتيني عدة رسائل واتصالات عن طبيعة العيش في الغرب، وهنا سأسجل بعض الملاحظات على اعتبار أني مقيم منذ 3 سنوات تقريباً في ألمانيا ومطلع بشكل كامل على وضع اللاجيئن هنا وكيفية أمورهم، وأرجو أن يصل هذا الكلام لكل من يفكر بالقدوم أو أتى فعلاً.
1 – لن أخوض كثيراً في الحكم الشرعي للإقامة في الغرب، فهذا الموضوع فرضه الواقع وصار الحديث فيه ضرباً من اللغو، عدا أن المسلمين اليوم في الغرب صار لهم شأن ووجود يترسخ ويزداد في كل يوم، والبيان في ذلك واضح لأن "الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين"، والإنسان شرعاً مباحٌ له أن يسكن حيث وجد منفعته وأمن على نفسه وتمكن من إقامة دينه، والمثال الحاضر على الدوام في ذلك هجرة المسلمين إلى الحبشة وإقامتهم هناك. والله سبحانه وتعالى شنَّع على أولئك الذين قبلوا بالذلّ والمهانة ودعاهم للسير في أرضه "إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض".
2 – غالب من يأتي إلى أوروبا يأتي وهو يحمل في ذهنه أن أوروبا هي الجنة وأنها بلاد الأحلام وأنه سيهنأ هنا بعد طول شقائه الماضي وسيعوض ما خسره ويجني هنا الحظ الوفير، لكن الواقع يقول أيها الأعزة عكس ذلك، طبيعة الحياة هنا تختلف كلياً عن طبيعة بلادنا ونظام العيش ووسائله أيضاً بعيدة عمَّا ألفناه وعشناه، بالإضافة إلى اللغة المختلفة والصعبة لربما في بلد كألمانيا، وهذه الأشياء تجعل المقبل أمام واقع يصعُب فهمه والتعامل معه أو الإندماج فيه. لذا سمعنا ورأينا عدة حالات رجعت إلى لبنان أو تركيا وبعضهم إلى سوريا لأنه لم يستطع تقبل هذا العالم الجديد الذي وجد نفسه غريباً فيه.
3 – بلد كألمانيا يندر أن تجد فيه شخصاً لا يعمل، بل العمل أهم من الطعام عندهم، وغالبيتهم يأكل وهو ماش أو في سيارته، ويخرجون للعمل من السادسة صباحاً ولا يعودون قبل الثامنة وليس لديهم إلا يوما العطلة ليقوموا فيها بواجبات كثيرة قد تراكمت خلال الأسبوع، والمشكلة الأكبر لمن يأتي جديداً أنه لا يسمح له بالعمل حتى يحصل على الإقامة ويتعلم اللغة ويتدرب على المهنة التي سيعمل بها لمدة 6 أشهر، وعلى أقل تقدير فنحن نتحدث عن سنتين بعد الوصول حتى يستطيع العمل، وبالطبع خلال هذين السنتين سيفقد قابليته للعمل وسيعتاد الكسل وسيجد أن الراحة أدهى وأمرّ.
4 – يتوفر في ألمانيا نظام تعليمي وتربوي متميز على مستوى العالم، بل إن ألمانيا تتميز على كل أوروبا ليس فقط في صناعة السيارات كما يظن البعض بل أيضاً بصناعة الأشخاص الذين سيصنعون هذه السيارات وذلك بتعليمهم منذ الصغر في سنوات الدراسة الأولى وحتى المرحلة الجامعية، وألمانيا تتميز أيضاً بالتأمين والرعاية الصحية العالية لدرجة أنها أكثر البلاد شيخوخة، وتعتبر ألمانيا مزرعة أوروبا الخضراء لما تتمتع به من طبيعة ساحرة، ويمكن أن تمشي من شرقها إلى غربها دون أن تجد بقعة فارغة أو أرضاً جرداء. يعيش في ألمانيا بحدود 80 مليون نسمة لكن توزيع السكان على المدن شيء يدعو للاستغراب فمثلاً أكبر المدن وأكثرها كثافة هي برلين ويسكن فيها حوالي مليونين فقط.
5 – لا شك أن الرفاهية في أوروبا لها ضريبة وضريبتها مرتفعة جداً، لذا نشاهد مصائب وكوارث في كل يوم، فأكبر تحدٍ لنا هو تربية الأطفال تربية سليمة، وكذلك علاقة الزوجين ببعضهما ودوامها. أما تربية الأطفال فللأسف غالب من يأتي غير مدرك لمعنى هذا وغسيل دماغ أولاده يتم بالتدريج فإذا انتبه قابله بعنف شديد فيزيد الطين بلة. وكذلك علاقة الرجل بزوجته وتلك الصورة النمطية التي سادت في بلادنا عن الرجل المتسلط والمستبد الذي يقرر في كل شيء هنا قطعاً لا مكان لها والمرأة ستجد ألف فرصة للخروج من هذا القيد وكسره إن لم يكن اليوم فغداً. لذا نسمع حالات طلاق كثيرة، وضياع أولاد وتهدم أسر، ليس فقط لأنها هاجرت إلى أوروبا بل لأنها لم تكن مبنية بالأساس على أصل متين، عايشت أكثر من 10 حالات طلاق من اللاجئين السوريين تحديداً وسمعت القصة كاملة وأنا أجزم لكم أنهم لو بقوا في سوريا سيتطلقون أيضاً.
6 – تربية الأولاد هنا ليست مستحيلة ومن يقول هذا الكلام فهو لم يعرف الواقع بشكل جيد، أستطيع الآن أن أسرد لكم ممن عرفت أسماء عشرات الشباب الذين ولدوا هنا ودرسوا في المدارس الألمانية وتلقوا ثقافة هذا المجتمع لكنهم ملتزمون بشكل مميز بالصلاة والحجاب والآداب الإسلامية وبعضهم يحفظ عدة أجزاء من القرآن، بل إن ندوة أقيمت من قريب في مدينة هامبورغ على يد شباب الجيل الجديد وحضرها المئات. إذن المشكلة ليست في المجتمع فحسب وإنما المشكلة الأكبر في أب وأم مهملين ومقصرين وشيء طبيعي عندها أن يفقدوا أولادهم.
7 – من التحديات الصعبة هنا تعليم اللغة العربية للأطفال، لذا أول درجات الذوبان هو فقد اللغة لأن اللغة هي وعاء الثقافة… وحتى الآن لم تنهض جهود المؤسسات بشكل عملي أكبر لتعزيز هذا الجانب والمأمول أن يتم ذلك قريباً.
8 – تنتشر فكرة خاطئة ومسمومة بين كل من يأتي إلى أوروبا وهي الابتعاد عن المسلمين والعرب خاصة، بدعوى أن مخالطتهم هي رأس المشاكل وأن اجتنابهم أم الفضائل، لذا نراهم يعيشون فرادى دون أن يختلطوا مع إخوانهم ويتعارفوا كما أمر ربنا سبحانه وتعالى، ولا شك أن الصحبة الصالحة هي الأساس في المحافظة على الدين للرجال والنساء والأطفال.
9 – عندي عتب كبير على الأخوات والإخوة السوريين المقيمين القدامى لأنهم لم ينشطوا في استقبال اخوانهم الجدد كما يجب، واكتفى بعضهم بعائلته القريبة، وهذا شيء مؤسف بحق ومخجل حتى أمام الألمان، مرةً كنت في مكتب دائرة الأجانب أتابع ملف أحدهم فقالت لي المسؤولة هناك "أنتم السوريون لا تحبون بعضكم" وحرت أمامها ماذا أجيب…. لن أتكلم على الروس لما أتوا إلى ألمانيا وكيف استقبلهم الروس هنا على اعتبار الصلة الوثقى بين الروس والألمان، إنما عن البوسنيين في التسعينيات وقت حربهم مع الصرب… حدثني أحد الإخوة أنه جاءهم أكثر من 500 عائلة في يوم واحد والحكومة لم تقبل لجوءهم… أي ليس لهم أي حق أو مساعدة، فتداعى لهم اخوانهم البوسنيون من المقيمين القدامى وتكفل كل واحد بعائلة كاملة أسكنها معه في بيته. اليوم غير مطلوب من السوريين القدامى ولا سنت واحد… نريد أن يجتمعوا ويزوروا هؤلاء ويشعروهم بمعنى الأخوة ورابطة الدين والبلد، نريد من السوريين أن يلتقوا ويلتفوا حول بعضهم حتى يحفظوا وجودهم وتتنامى معاني المودة بينهم….
 
باحث دكتوراه في العلوم الإسلامية – جامعة إيرلانغن ألمانيا