الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العراق وغارات روسيا.. "زلزال استراتيجي" يتمدد؟

العراق وغارات روسيا.. "زلزال استراتيجي" يتمدد؟

10.10.2015
رأي القدس
رأي القدس



القدس العربي
الخميس 8/10/2015
يعرف كل من تابع تصريحات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي منذ عدة ايام ان الرجل لم يبذل جهدا كبيرا في إخفاء رغبته في ان توسع روسيا غاراتها في سوريا لتشمل تنظيم «الدولة» في العراق. وفي ظل «عدم ممانعة روسية» بانتظار طلب رسمي «لأن الروس اناس محترمون لا يذهبون الى اي مكان بدون دعوة» حسب تعبير وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الاسبوع الماضي، فإن الامر يبدو «مسألة وقت» او مرهون بانضاج معطيات اساسية في ظل وضع اقليمي شديد التعقيد والسيولة في آن.
وتختلط عند هذا المنحنى دلائل بعضها يخص الوضع في العراق، وبعضها يتجاوز شعار «مكافحة الارهاب» الذي رفعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الى ما يمكن وصفه بـ»زلزال استراتيجي» يقلب توازنات القوى في الشرق الاوسط، ويعيد تعريف قواعد الاشتباك، ورسم الخرائط مسارات الصراعات في الاقليم. وهنا بعض المحطات الرئيسية على هامش هذا التحول:
اولا: ان ضرب تنظيم «الدولة» في العراق لا يحتل أولوية متقدمة في الاجندة الروسية في الوقت الحالي لأسباب عديدة، بينها ان موسكو لا تريد ان تبالغ في استفزاز الولايات المتحدة او اهانتها، بتوسيع نفوذها شرقا على انقاض الفشل المدوي للتحالف الستيني وغاراته التي تجاوزت الاربعة آلاف خلال اكثر من عام في الحاق خسائر حقيقية بالتنظيم. ولا يتناقض هذا مع امكانية توسيع الغارات الروسية في المستقبل المنظور باعتبار انه لا يمكن لمن يرفع شعار «مكافحة الارهاب»، ويريد الاحتفاظ بمصداقيته، ان يحاربه في سوريا، كما يقول، ثم يتغاضى عن وجوده في العراق.
ثانيا: ان تدخلا روسيا في العراق قد يكرس الاستقطاب الطائفي ويزيد الاوضاع تعقيدا، ما قد يرتد على اهداف موسكو الآنية. وبينما تتطلع التنظيمات الشيعية المدعومة من ايران الى جني مكاسب واسعة على الارض نتيجة لتوسيع الغارات، فإن العشائر السنية المتشككة تخشى ان تدفع الثمن الباهظ لها. وبالفعل التقطت واشنطن هذه الرسالة وبدأت في التحذير من استفزاز روسي للأغلبية السنية في الشرق الاوسط، بعد ان نفت سماعها تصريحات وزير الخارجية المصري التي أيدت التدخل الروسي (..). وبين هؤلاء واولئك، ربما يجد العبادي في التدخل الروسي حلا وحيدا في تحقيق تقدم على الارض بعد ان تعثرت عملية تحرير الرمادي، ووصل الى حافة اليأس من فاعلية التحالف مع الولايات المتحدة، سواء من جهة تنفيذ صفقات الاسلحة، او إلحاق هزيمة بالتنظيم.
ثالثا- ان بوتين الذي احتفل امس بعيد ميلاده الثالث والستين بالمشاركة في مباراة في كرة الهوكي، اراد ان يبدو امام العالم، والغرب بشكل خاص، مثل قائد حرب منتصر عندما استقبل وزير دفاعه، وتابع بنفسه العمليات العسكرية في سوريا، فيما كان الاسطول الروسي في بحر قزوين يشن هجمات صاروخية على بعد الف وخمسمائة كيلومتر داخل سوريا. ووفق تقديرات بعض العسكريين فإن هجمات كهذه بدت استعراضية، ضمن حرب نفسية وتوتر مع حلف الناتو، اذ ان الطائرات الروسية كانت قادرة على ضرب تلك الاهداف بسهولة. والخلاصة ان روسيا تشن حربا تليق باستعادة المبادرة في صراع قوى عظمى، وفرض حضور قوي في اقليم حيوي، وليس مجرد مكافحة الارهاب كما تقول او حتى انقاذ نظام بشار الاسد كما يقول منتقدوها.
رابعا – ان عجز الولايات المتحدة وحلف الناتو عن الرد عمليا على التحدي الروسي، قد يكرس توجها استراتيجيا جديدا في الاقليم نحو اعادة التموضع، خاصة مع تكهنات بشأن انضمام مصر والاردن الى التحالف الرباعي الذي تقوده روسيا، وأقام بالفعل مركزا مخابراتيا في بغداد للتنسيق بشأن الحرب.
اما في دول الخليج فإن ثمة قلقا لا يمكن انكاره من امتداد نفوذ موسكو الاقليمي على خط مستقيم ليصل الى شواطئها، فيما تحدثت تسريبات عن تلقيها «تحذيرات روسية» من ادخال مضادات طائرات الى سوريا، بينما تصعد ايران لهجة تهديد غير مسبوقة ضد السعودية.
وفي كل الاحوال، فإن الافعال وحدها اليوم، وليست حرب الكلمات والتصريحات ما يمكن ان يعول عليه في اقليم قد لا يعود ابدا كما كان قبل ايام قليلة.