الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المجتمع المدني السوري: واحد الخميس 30-4-2015 واحد = صفر!!

المجتمع المدني السوري: واحد الخميس 30-4-2015 واحد = صفر!!

02.05.2015
ضياء الرويشدي



القدس العربي
الخميس 30-4-2015
أربعة عقود عاشها السوريون تحت حكم عائلة الأسد، حرص فيها النظام على قتل كل حس بالمبادرة والفكر التطوعي خارج اطار اجهزة المخابرات، حيث كانت التجمعات والنقابات المهنية حكرا على المقربين من نظام الأسد أو أفراد عائلته بشكل شخصي.
بعيد اندلاع الثورة السورية تداعى العديد من الناشطين لتأسيس منظمات وجمعيات ثورية لتنسيق جهودهم، وتنظيم عملهم في وجه نظام الأسد، خاصة مع ازدياد استخدامه للعنف وارتكابه عدة مجازر، كمجزرتي الحولة وبانياس، ولعل أبرز ما عرف في أوساط الشارع السوري من كيانات آنذاك هي "لجان التنسيق المحلية" التي تغيب اليوم عن المشهد الثوري بشكل كامل. وعلى الرغم من ظهور عدد كبير جداً من المنظمات والتجمعات، إلى حد أصبح فيه حصرها ضربا من المستحيل، خاصة في مدينة غازي عنتاب التركية، يبقى السؤال الأبرز الذي يجول في بال معظم المواطنين السوريين، خصوصاً من يعانون يوميا في الداخل السوري، ما هو دور المجتمع المدني الذي انتشر خلال أعوام الثورة كانتشار النار في الهشيم؟
تتباين وجهات النظر بخصوص تقييم دور المجتمع المدني السوري، الذي يعتبر من أبرز مكتسبات الثورة حتى اليوم. وفي رحلة البحث في الموضوع؛ استوقفتني جلسة حوارية نظمتها جامعة جونز هوبكنز في العاصمة الأمريكية واشنطن، تحت عنوان "دور المجتمع المدني في سوريا"، حيث استضافت الجامعة مجموعة من الناشطين السوريين المقيمين في واشنطن لطرح ارائهم وتقييمهم للمجتمع المدني السوري.
الإجماع الوحيد بين المشاركين، هو اعتبار المجتمع المدني خطوة للأمام ومنجزا كبيرا من منجزات الثورة، خاصة بعد منع الناس من التجمع والتنظيم لعقود، واعتقال كل نشاط غير تابع للدولة، ولو كان مجرد حملة تنظيف للشارع. كما اتفق الجميع على أن المجتمع المدني كان غائبا بشكل كامل في سوريا، قبل اظهار مجتمع مدني مزيف مهمته نقل رسالة للمجتمع الدولي بأن النظام السوري "منفتح" واصلاحي، لكن ذلك كان حكرا على السيدة أسماء الأسد وعصابتها بشكل خاص.
وبعكس هذا التوافق على تقييم المجتمع المدني السوري اليوم، انقسمت الآراء بخصوص مدى فاعليته وتطوره خلال الثورة، ولعل أبرزها ثلاثة آراء:
الأول يرى أن المجتمع المدني السوري يسير بخطوات جيدة، ويلعب دوراً فعالاً، إن لم يكن في كل الأمور ففي بعضها، وأن هناك بعض المنظمات التى تطورت بشكل ملحوظ واصبح لديها دور كبير في الواقع الثوري، ولعل أبرزها المنظمات الإغاثية، وأن المستقبل القريب للمجتمع المدني في سوريا وردي اللون، لحد يمكن ان يجعل منه مفتاحا لحل القضية السورية.
الرأي الثاني ذهب الى ان المجتمع المدني يعاني من الضعف، بسبب تغييب دور المرأة، وان دوره البارز يجب أن يكون لتعزيز دور المرأة في المجتمع وتمكينها من المشاركة في الحياة السياسية وصناعة القرار بشكل اكبر.
الثالث يرى أن المجتمع المدني لليوم ما يزال ضعيفاً، حيث اقتصر بشكل كبير على الاعمال الاغاثية، رغم اهميتها، وابتعد عن بقية المجالات التي يمكن ان يكون دوره فيها أكبر وأكثر فاعلية، نظرا للظروف التي تمر بها البلاد، كما ان آليات الشفافية والعمل التنظيمي تكاد تكون معدومة، وبالتالي فقد المجتمع المدني ثقة الداخل السوري بشكل كبير وأصبح الواجب اليوم إعادة بناء هذه الثقة قبل كل شيء.
وبخصوص المعوقات التي تواجه المجتمع المدني السوري فقد اتفق الجميع على أن التمويل هو العثرة الأساسية، خاصة مع محاولة الداعمين الدوليين فرض اجنداتهم على عمل المنظمات المحلية والعمل على مشاريع لا تناسب الثقافة السورية، ولا تتلاءم ومرحلة الثورة، الأمر الذي حذا ببعض الناشطين للتدرب على كتابة مشاريع توافق رؤية المانح، لا طبيعة الثورة، اضافة لاستنزاف الشركات الربحية لبعض الأموال وهدرها.
في الواقع، فإن تباين هذه الآراء للعاملين في المجتمع المدني يعكس حقيقة واحدة جلية، هي أن المجتمع المدني السوري، باستثناء حالات نادرة، مفكك يفتقد لمفاهيم التنسيق والتعاون وتغيب عنه الرؤية. وهذا أمر طبيعي نتيجة لغياب هذه الثقافة لأربعة عقود من حكم استبدادي، إلا أن الأمر الذي يجعلنا نقف عنده طويلا هو عدم ثقة الشارع السوري بدور المجتمع المدني، الأمر الذي يعود بشكل أساسي لظهور عدة مجموعات جعلت من المجتمع المدني غطاء لأعمال ربحية "بزنس"، وتخصيص أجور شهرية تفوق بقدر كبير طبيعة العمل الوظيفي وحاجة المعيشة في تركيا حتى أصبحت الهجرة من الدول الغربية إلى تركيا بحثا عن عمل في المجتمع المدني السوري ظاهرة واضحة. كما يعود سبب فقدان هذه الثقة الى تكرار استخدام آليات النظام، سواء من التوظيف على اساس المحسوبية لا الكفاءة، ووصولا للطائفية/ وذلك من خلال وضع أولوية في سلم التوظيف لمن ينتمون للأقليات، وفقا للتعبير الدارج، وذلك ارضاء للداعمين وحرصا على ترويج إعلامي أكبر.
خلاصة القول إن الاعتراف بأن المجتمع المدني هو انجاز ثوري حقيقي، أتاح للسوريين حق التجمع والتنظيم تحقيقا للخدمة العامة والتغيير الاجتماعي، لا يعني أن يتمتع هذا المجتمع وناشطوه بحصانة من الانتقاد والمساءلة. كما أن ظهور جماعات ربحية مستترة تحت اسم المجتمع المدني، وانتشار المحسوبية واستنساخ صورة النظام في عيون الناس، اضافة لمحاباة ومجاراة الداعمين وانفاق الأموال بشكل غير حكيم، لا يعني أن يبخس حق من عمل بشكل صحيح، رغم قلة هؤلاء، وقدم نموذجاً جيدا من تطوير خلال مراحل الثورة، وبالتالي حقق انجازات وتغييرات حقيقية مهما كانت طفيفة؛ لكنه يعني بأن حقيقة دور المجتمع المدني في سوريا في ظل الثورة تساوي صفرا، إن لم يكن سلبا.
٭ كاتب سوري