الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المعطيات ذاتها فكيف تتغير النتائج؟

المعطيات ذاتها فكيف تتغير النتائج؟

02.03.2016
فاضل الحمصي


القدس العربي
الثلاثاء 1/3/2016
بدأ صباح يوم السبت 27 شباط / فبراير 2016 تطبيق وقف إطلاق النار بين قوات النظام والقوى الثورية. وفعلاً، التزمت الأطراف المعنية بذلك الوقف ليوم كامل، ولم تسجل سوى حالات محدودة من الخروقات، تكاد لا تذكر مقارنة بما تعيشه سوريا منذ سنوات. أما اليوم الثاني فحمل خروقات أوسع من قبل قوات النظام. لكن، هل ستنجح الهدنة وتستمر كما هو مخطط لها؟ أم أن هناك قوى لا ترغب باستمرارها؟
ضغطت الولايات المتحدة بشدة على الأطراف كافة لقبول الهدنة، في محاولة منها للدفع باتجاه تطبيق خطتها للانتقال السياسي في سوريا، والتي من المفترض أن تتم خلال 18 شهراً. أما روسيا، فقد ضغطت أيضاً، فهي تجد في هذه الهدنة فرصة لها لإثبات "نجاحها" في سوريا، حيث تدخلت، كما تزعم، لقتال "المجموعات الإرهابية". وادّعت كذلك أنها ستسعى للوصول إلى اتفاق سياسي بين النظام والمعارضة، واستمرار القتال لا يصب في مصلحة ادعاءاتها ومزاعمها.
مجلس الأمن، وكعادته، كان مجرد مراقب لما توافقت عليه الدول الكبرى، وأصدر قراراً، هو واحد من قرارات عديدة لم تتم الاستفادة منها فعلياً، ولم يتم تطبيقها على أرض الواقع.
وقف إطلاق النار هذا ليس الأول، وقد سبقته عدة محاولات، منها ما كان يفترض أن يشمل سوريا، كهدنة عيد الأضحى التي اقترحها حينها الأخضر الإبراهيمي، ومنها ما كان على مستوى محدود لمنطقة معينة، كهدنة الزبداني.
بالعودة إلى الوقف الأول لإطلاق النار، والذي كان بتاريخ 10 نيسان / أبريل 2012، واقترحها المبعوث الدولي إلى سوريا في ذلك الوقت، كوفي عنان، كان بنداً من خطة تضمنت 6 بنود، ولم تجد طريقها إلى التنفيذ، إذ لم تكن هناك رغبة دولية حقيقية لفرضها. تلك الهدنة، والتي كانت ظروفها أفضل من الظروف الحالية، حيث لم تكن الحرب قد اتسعت إلى هذا الحد من جهة، ولأنها تضمنت إجراءات أفضل، كإرفاقها ببعثة مراقبين، من جهة أخرى، لم تنجح بسبب الآليات التي اتبعت في مراقبتها وفرضها.
ما أذكره، وعايشته، أثناء وجودي في حي الخالدية في مدينة حمص، وعند زيارة أحد المراقبين للحي، الذي شهد معارك وتعرض لقصف مدفعي وكان محاصراً بالدبابات من جميع أطرافه، قول أحد المراقبين: "لا أصدق أن جيش النظام قد فعل هذا"، فسأله أحد الحاضرين: "فلمن هذه الدبابات؟ أيعقل أن تكون من تصنيعنا!" فأجابه المراقب المصري الجنسية: ربما!".
لم يكن جواب المراقب استهزاءً بالحاضرين فحسب، بل كان تعبيراً ضمنياً عن عدم حياديّته وعدم التزامه بأصول مهمته، وأعطى ذلك الجواب حينها شعوراً عاماً للحاضرين بأن الأمم المتحدة لو كانت جادةً لما اختارت أمثال هؤلاء لتطبيق قرار بذلك الحجم.
أما الهدنة الحالية، والتي تفتقر إلى أبسط مقومات النجاح، فيبدو أن مصيرها، كسابقاتها، الفشل. فالقرار الصادر "فضفاض" بدرجة كبيرة، ويحتمل التأويلات والتفسيرات. وهذا، كما خبرنا خلال 5 سنوات، السبب الرئيسي لفشل الأمم المتحدة في تنفيذ قراراتها.
علاوةً على ذلك، هنالك أطراف عدة لا مصلحة لها بنجاحها، وخصوصاً بعض الدول الإقليمية، كتركيا والسعودية، اللتين لا ترغبان برؤية بشار الأسد، أو أي جزء من نظامه، في المرحلة المقبلة، وكذلك إيران، التي لن ترضى بأن يحسب "النصر" لروسيا – لو تحقق – ونجحت بإبقاء بشار الأسد لفترة إضافية، وأن تذهب "تضحياتها" هباءً.
من جانب آخر، إذا استمرت هذه الهدنة، بطريقة أو بأخرى، فالاحتمالات تبدو مفتوحة. ويتخوف البعض من أن تؤدي إلى تشتت المعارضة المسلحة، ودخولها في صراعات داخلية، ما يجعل منها لقمة سائغة لقوات النظام. ولكن، ما أعتقده، أن العكس قد يحصل أيضاً، إذ ستُظهر هذه الهدنة، في مراحل متقدمة، مدى ترهل البنية المركزية للنظام، ومدى عجزه عن السيطرة على الميليشيات التي تقاتل إلى جانبه. وستظهر، كذلك، الصراعات الداخلية في بنية نظام الأسد، الأمر الذي يعرفه النظام جيداً، لذلك سيسعى للتفلّت من هذه الهدنة بأسرع وقت ممكن، مع سعيه، بالتأكيد، لإظهار أن المعارضة هي من نقضتها.
بالعودة إلى الهدنة الأولى، وكدلالة على هذا القول، وبعد فشل الهدنة، قام آصف شوكت، صهر بشار الأسد والمسؤول البارز حينها بعدة زيارات إلى مدينة حمص، وفي اجتماعاته مع ممثلي المدينة، كان شوكت يركز على أن "المسلحين" هم السبب الرئيسي بفشل وقف إطلاق النار، ويؤكد أن النظام أعطى أوامر صارمة بعدم إطلاق النار إلا في حال " الدفاع عن النفس".
كان الجميع يعتبر أن كلام آصف شوكت، كالمعتاد، مجرد دعاية من قبل النظام، ولكن اتضح في ما بعد، ومن قبل ضباط ومسؤولين انشقوا عن النظام في وقت لاحق، أن كلامه كان صحيحاً، وأن الاستهدافات والخروقات كانت تأتي من قبل أفرع أمنية محددة لم ترغب باستمرار وقف إطلاق النار، مع تقارير من قبل تلك الأفرع عن اعتداءات "المسلحين"، والرد على مصادر إطلاق النار.
ختاماً، وإذا نجحت هذه الهدنة، فتمديدها لن ينجح، وبالتالي، لن يكتب للحل السياسي النجاح. فلو كان هذا النظام يرضى بأقل من حكم سوريا بطريقته نفسها، التي اعتمدها منذ وصول الأسد الأب للسلطة، لما بدأت هذه الحرب أساساً. كما أن أطرافاً عدة، بعضها معارض، وآخر من قلب النظام نفسه، سيسعى لإفشالها واستئناف الحرب. وهنا، لا يسعنا إلا انتظار الخطة "ب" التي أعلن وزير الخارجية الأمريكي وانتقال الولايات المتحدة إليها في حال فشل مفاوضات الحل السياسي.