الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الموقف من سوريا يحتاج المراجعة فإذا سقطت لن تكون وحدها!

الموقف من سوريا يحتاج المراجعة فإذا سقطت لن تكون وحدها!

20.09.2015
محمد عبد الحكم دياب



القدس العربي
السبت 19/9/2015
استمرارا في تناول الشأن السورى نتابع إصرارا غربيا مؤيدا من قوى عربية ومسلمة على التخلص من بشار الأسد، ولا بأس لديهم من إسقاط الدولة السورية وشطبها معه!!.. والمؤشرات تقول بأن بشار ليس الهدف.. والهدف الحقيقي هو الوجود السوري ذاته. وها هو يتحول إلى تقليد لن يفلت منه أحد يحل عليه الدور.. وكل الجبهات مفتوحة أمام الفوضى والاقتتال والتسلل والتدخل العسكري والاقتصادي و«الإنساني»!!؛ لينتهي عصر الدولة الوطنية الواحدة.. ويعود العرب إلى حال أشد نكالا من الجاهلية والبداوة الأولى.. ودون «توطين» الحلول وتعريبها، تكتمل المهمة ويقتلع الشعب السوري العزيز؛ لا قدر الله، من أرضه!!.
ويبدو أن «عسكرة» الحراك السوري أتت أكلها وتفرق دمه بين «القبائل الإقليمية والدولية»، التي عاد لها ضميرها الغائب وأخذتها الرحمة الكاذبة بأهله، وجعلوا منه تجسيدا ل«التيه العربي» في القرن الواحد والعشرين.. وكان «التيه اليهودي» محددا بأربعين عاما؛ حسب ما جاء في الكتب السماوية؛ «التيه العربي» يراد له أن يكون أبديا ودائما.. لذا يُعمدونه بالحديد والنار والدم.. ليكون «تيها» وخروجا بلا عودة.. وآذا ما ضُمت مطرقة الثنائيات المضللة إلى سندان «الشخصنة»، فتختزل المصائب والمحن في هذا الحاكم أو ذاك الشخص.. وسبق أن اتخذ مثل هذا في غزو العراق.. وبعده ادعى قادة الغزو أنهم لم يقصدوا.. متجاهلين قذائف اليورانيوم المنضب، وذل التعذيب، وإهدار الكرامة في سجن أبو غريب، ونهب المتاحف والآثار، وتصفية العلماء، وتهجير الخبراء، ونشر القتل على الهوية!!..
حوصر الحراك العربي، وتم اختراقه بعد نجاح تونس في عزل بن علي ومصر في خلع مبارك، وتمت مواجهته ب»العسكرة».. وتزويد فرق معارضة بكل أنواع السلاح؛ واجهت به الدولة وأعملت فيها هدما وتخريبا، وأضحى الممولون محركين للمسلحين.. وصاروا رهائن لدى مصادر التسليح، ونشطت بينهم عصابات تهريب البشر لزوم أعمال التهجير والإبعاد والموت والغرق.. وتغير اتجاه الحراك عن مساره السلمي إلى الاقتتال الأهلي؛ «الكل فيها ضد الكل»، شِرْعتها عمياء، ورصاصها طائش لا يفرق بين نصير أو عدو أو عابر سبيل.
وسواء رحل بشار الأسد أو استمر؛ يكذب من يقول أن السعي لغزو سوريا سيتوقف، وأن تفريغها من سكانها سينتهي.. إلا وقد تحولت مدنها وقراها الجميلة إلى أطلال وخرائب، وكانت مضرب الأمثال في الجمال والتسامح والاندماج والتعايش.. واختزال محنة سوريا في بشار الأسد تبسيط مخل؛ معتمد في الدعاية السوداء والحرب النفسية، التي من خلالها تكشفت الأبعاد الحقيقية لهذا الاستهداف؛ لتنتقل العداوة من شخص بشار الأسد إلى تكفير أتباع المذهب الشيعي وإهدار دمهم؛ خدمة للحرب المعلنة بين الفرق الوهابية والجماعات الشيعية، ومن أجل طي ملف المواجهة العربية الصهيونية، وغلق كتاب تحرير فلسطين في وقت العدوان على المسجد الأقصى..
والجيش السوري مستهدف في عقيدته القتالية.. وتتولى الدعاية السوداء والحرب النفسية الدعوة المستمرة للإبقاء على سوريا ساحة للحرب وميدانا لإرهاب الجماعات المسلحة والميليشيات الدولية (مسلمين وغير مسلمين)؛ واستنزافه وتفكيكه، متناسين أنه جيش نظامي منضبط؛ كان دائما في طليعة الجيوش العربية.. لم يفقد بوصلته يوما.. ولولا خداع السادات في حرب 1973 لاتخذ التاريخ السوري مسارا مختلفا..
ذكر أحمد أبو الغيط وزير خارجية مصر الأسبق في مذكراته أن السادات كان يبحث عن شريك في الحرب.. والمعنى هنا أنه هو الذي طالب السوريين بالمشاركة.. وهم في الحقيقة شركاء مصر منذ ما قبل 1967!!.. ويقول في هذا الصدد أن فكرة السادات الأولى للحرب هي العبور ومن ثم الاحتفاظ بالمواقع دون تعريض القوات المصرية للخطر، وأراد بذلك تغيير المعادلة على الأرض؛ لتبدأ المفاوضات بأسرع ما يمكن؛ حسب قوله.. وأحمد أبو الغيط كان وقتها دبلوماسيا صغيرا في مكتب مستشار الأمن القومي حافظ إسماعيل.
وذكر أن السادات كان مدركا أنه غير قادر على إحداث الصدمة التي تحدث عنها إلى مجلة نيوزويك الأمريكية، وأنه بحاجة إلى شريك في تلك الحرب.. وهذا الشريك لا بد أن يكون سوريا وهو حافظ الأسد، وقال عنه إنه كان وزيرا للدفاع في 1967 واعتبر خسارة هضبة الجولان إهانة شخصية له. ومستعد لأن يفعل المستحيل من أجل استعادتها!. وحطت طائرة الرئيس السوري الراحل في مطار الإسكندرية في 23 نيسان/إبريل 1973 بدعوة من أنور السادات.. ويقول أبو الغيط: «أن السادات حرص على ألا يعلن لحليفه الجديد عن أهدافه الحقيقية، وهي التقدم المحدود على أرض سيناء لأجل إجبار (إسرائيل) على الدخول في المفاوضات».. وأشار أبو الغيط إلى أن الخطة السورية كانت بسيطة للغاية؛ «استعادة الجولان بأكملها». ويستطرد: «ومن جهتي لا أْعتقد أننا في ذلك الوقت قد شرحنا للسوريين بشكل كاف إلى أين سيصل الجيش المصري داخل سيناء!! ولم يكشف السادات للرئيس الأسد أنه يخطط إلى هجوم محدود في الجانب الآخر من القناة!!»
ومن أجل إقناع (أو بمعنى أصح خداع) حافظ الأسد أمر السادات الفريق الراحل سعد الدين الشاذلي بصفته رئيسا للأركان «بوضع خطة حرب أخرى تتضمن تحرير أرض سيناء الكامل».. وذكر الفريق الشاذلي حسب ما جاء عن تقييم حرب 1973 من وجهة النظر المصرية، ومنشور على موقع «مقاتل» الألكتروني؛ أشار نقلا عن مذكرات الشاذلي: «أذهلتني هذه الازدواجية.. لكن وبسبب كوني ضابطا نفذت الأوامر واحتفظت بالسر»..
خدع السادات حافظ الأسد وحجب عنه الخطة الحقيقية للحرب.. وتأكد الخداع في رسالة السادات السرية لهنري كيسنجر (مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي وقتها)؛ بعد أقل من أربعة وعشرين ساعة من بدء القتال.. وأخطر ما جاء فيها عبارة تقول: «لا تعتزم مصر تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع مدى المواجهة».. ومثل ذلك اعترافا موثقا بالخديعة. مكتفيا بما حققته القوات المسلحة المصرية؛ انتظارا للتدخل الأمريكي لبدء المفاوضات المباشرة بين القاهرة وتل أبيب، وشاع وقتها عن الحرب أنها «حرب تحريك لا حرب تحرير»!!.
وعمل حافظ الأسد على تدارك خديعة السادات.. وعدل استراتيجيته على أساس إذا كانت الحرب غير ممكنة بدون مصر فالسلام غير ممكن من غير سوريا، وأضحى حافظ الأسد رقما صعبا في التسوية العربية الصهيونية.
ومن ساعتها ينتقل العرب من خداع إلى خداع.. وصار «خداعا منه فيه» بالمنطق المصري.. أي خداع من العرب وإليهم.
والقوات المسلحة السورية تخوض حربا لم تعد لها.. وتواجه بخطاب تكفيري يحرض عليها ويستهدفها.. وبين يوم وليلة صار المواطن السوري مشردا.. مبعدا عن دياره.. تاركا بلده؛ نهبا للفتن والعنف ولقمة سائغة للترويع والفُرقة، ومرتعا لإرهاب عالمي غير مسبوق.. وتحولت سوريا من قلب العروبة النابض؛ الجاذب والمحتضن لأشقائه؛ في الافراح والاتراح وفي الانفراج والانكسار.. لم يشعر العربي فيها بالغربة ولا عانى من التفرقة والتمييز؛ حملت الحرب الأهلية وجها عبثيا بشعا لا يميز بين حق وباطل.. ولا بين جان وضحية.. وسوريا تدفع ثمن النجاح النسبي في تونس ومصر؛ ليكون ما يحدث لها، ومعها ليبيا واليمن عبرة تحد من مفاجآت من النوعين التونسي والمصري.
وقبول دول غربية كبرى بهجرة السوريين ليس لسواد عيونهم؛ إنه تعجيل بتنفيذ مخطط محكم وموضوع.. وكثير منه منشور؛ لتأمين الدولة الصهيونية، واستنساخ شتات فلسطيني جديد؛ فيتسع ويتمدد على مساحة وطن يقع بين الماء والماء، ويسكنه 400 مليون نسمة..
وإذا سارت التطورات على هذا المنوال فالعرب سيلحقون بالهنود الحمر.. إلا إذا تم توطين الحلول وتعريبها.. ولنبدأ بالسوريين كأهل وأشقاء وذوي رحِم.. فنفتح لهم قلوبنا وبيوتنا وبلادنا.. ومن يفعل غير ذلك فهو آثم.
 
٭ كاتب من مصر يقيم في لندن