الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الفيدرالية في سوريا بعد العراق تعني إقليما للأكراد فقط

الفيدرالية في سوريا بعد العراق تعني إقليما للأكراد فقط

20.03.2016
وائل عصام


القدس العربي
السبت 19/3/2016
كل المفاهيم التي يتم تداولها مثل "الفيدرالية في سوريا" هي مفرغة تماما من مضمونها، ويراد منها فقط إضفاء شرعية قانونية شكلية على وضع قائم لا يمانع الغرب بتثبيته ودعمه، في ما يخص الأكراد فقط، الذين انفصلوا فعليا بمناطقهم عن سلطة دمشق منذ سنوات، فما معنى أن تعلن فيدرالية لا تقبل بها السلطة المركزية؟ بل وتصدر الحكومة السورية موقفا رسميا يعتبرها غير شرعية.
وما معنى أن تحاصر قوات كردية القوات الموالية لنظام الاسد في مربعها الأمني في القامشلي وتعتقل ستين جنديا منهم قبل إعلان "الفيدرالية" بيوم؟
هذا لا يعني سوى شيء واحد، دويلة كردية شمال سوريا منفصلة عن سلطة دمشق بدأت تحت مظلة الحكم الذاتي. أما المواقف الدولية الداعمة للاكراد فلم تكن مفاجئة، ولعل الداعم الاول لها وهم الروس تربطهم علاقات وطيدة بالاكراد على اكثر من صعيد، ويعتبرهم الروس كما الامريكيون حليفا علمانيا قويا لهم، في منطقة تعج بالأعداء، خصوصا الجهاديين الرافضين للنفوذ الغربي في المنطقة، ولكن الروس لديهم بلا شك اعتبارات اضافية تتعلق بالوضع الاقليمي، إن كان في ما يتعلق بجيرانهم الاتراك، أو ساحات الصراع في الشيشان وسوريا، فروسيا التاريخية اصطفت إلى جانب قوى كردية انفصالية ضد الدولة العثمانية، وها هي اليوم تمنحهم ممثلية دبلوماسية خاصة بهم في موسكو، وتصطف إلى جانبهم مرة اخرى ضد تركيا الاردوغانية التي لم تُجدِ كل محاولاتها بالتجمل للعالم الغربي حداثة وديمقراطية بإبعاد شبهة إسلامويتها.
إبراهيم مسلم القيادي الكردي وابن عم زعيم الاكراد السوريين صالح مسلم، يصف ائتلاف الثورة السوري بأنه "سلفي"، فالثوار السنة مهما تجملوا ايضا للغرب ومهما حاربوا الارهاب مع دولهم الداعمة سيبقون "سلفيين"، لذلك فهم غير معنيين بكل الحديث الدائر عن الفيدرالية، التي تعني منح مكونات الشعب حكومات محلية مرتبطة بالمركز، فالسنة لن يمنحوا أقليما ولن يمنحوا حتى حق اختيار مخاتير أحياء مدنهم التي ستبقى تحت سلطة المكون العلوي.
وهكذا فإن مناطق ومحافظات الاكثرية السنية في سوريا ستبقى تحت سيطرة الحاكم العلوي في مركز دمشق.. غير المضطر الآن لأي انحسار في دويلة علوية، قد يحين وقتها إذا ضعفت سيطرته على أرجاء البلاد، الأمر الذي لا يبدو في المنظور القريب. فقد نجح النظام في وأد الثورة المسلحة بفضل تفكك وهزالة قادة فصائلها المرتبطين بأنظمة موالية للغرب، لم تصطف يوما إلى جانب قضايا العرب السنة، ولم تكن تلك القوى الغربية ستتعامل بجدية مع قادة مجاميع من العرب السنة العراقيين، أو السوريين التائهين المصابين باختلال الهوية والمرجعية الذاتية والمشروع الجامع في زمن الحرب. لذلك فإن الحروب الاهلية في العقد الاخير في العراق وسوريا خرجت بمنتصرين اثنين،  يفهمان لغة الحرب، هما ايران وحلفاؤها الشيعة والعلويون. والطرف الثاني هم الاكراد. إيران وحلفاؤها والاكراد امتلكوا قيادات محاربة أمضت عقودا تقاتل في سبيل مشروع قومي محدد، وتعريفا واقعيا لذوات هوياتهم، بنوا على اساسها رابطتهم الجمعية التي شكلت لهم بالدم والقوة دولهم وكياناتهم، بعيدا عن الانشاء العربي والخيالات والتجمل للآخر الغربي بمكياج الحداثة والديمقراطية على حساب خسارة الوجود.
وهكذا فإن سوريا على خطى العراق، حكومة مركزية قوية للشيعة في بغداد والعلويين في دمشق، أما شمالا فالاكراد شمال العراق وسوريا بات لديهم إقليم يتمتع محليا بمواصفات دولة. الاكراد والشيعة والعلويون سيتقاسمون النفوذ والسيطرة بالقوة على محافظات السنة التي ستبقى خاضعة لهم، خصوصا بعد أن وقعت الهدنة والتسوية، ما عدا مناطق الجهاديين كتنظيم الدولة والنصرة وهم الوحيدون الذين يمتلكون مشروع دولة سنية، وقد يحتكرون مستقبلا تمثيل هذا المشروع الواقعي بالنسبة لكثيرين من السنة، وحتى إن تراجعت قوة هذه التنظيمات في العامين المقبلين نتيجة الحرب الشرسة ضدهم، التي ستشن بأدوات سنية هادنت حكومات بغداد ودمشق وأقاليم الشمال.
٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"