الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بشار الكيماوي في موسكو

بشار الكيماوي في موسكو

24.10.2015
بكر صدقي



القدس العربي
الخميس 22/10/2015
يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تعامله مع الغرب، أسلوب الصدمة/ الفرقعة الإعلامية بهدف تكريس روسياه قوة عظمى قادرة على فرض شروطها على خصومها. من ذلك تدخله العسكري في أوكرانيا وقضم جزيرة القرم ومحاولة فصل المقاطعات الشرقية عن أوكرانيا عن طريق دعم الانفصاليين من أصول روسية فيها. ومن ذلك ترتيب زيارة رئيس جهاز الأمن القومي لنظام دمشق علي مملوك إلى السعودية في شهر تموز الماضي. ومن ذلك قرار موسكو بالتدخل العسكري المباشر في سوريا لإنقاذ حليفه من الانهيار. وها هو أخيراً يستدعي بشار الكيماوي إلى موسكو، الثلاثاء 20 تشرين الأول/ أكتوبر، للقول إن التدخل العسكري الروسي قد حقق نتائج مهمة على الأرض بما أتاح للجرذ المختبئ في دمشق الخروج من جحره للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية في آذار 2011.
لاقت هذه الزيارة تجاهلاً لافتاً من وسائل إعلام الدول العربية المنخرطة في الصراع السوري ضد نظام دمشق الكيماوي، واقتصر الأمر على نقل تصريحات بوتين وبشار لوكالة الأنباء الروسية الرسمية. هذا يشير إلى الصدمة التي أحدثتها الزيارة فعلاً لدى قادة تلك الدول، واستيائها المكظوم من الزيارة. بكلمات أخرى، حققت موسكو هدفها من استدعاء بشار وسجلت نقطة، إعلامياً على الأقل، على خصومها في الملف السوري.
وإذا أردنا تلخيص محتوى المحادثات بين بوتين وبشار، وفقاً لما نقله الإعلامان الروسي والأسدي، فهو أولوية "القضاء على الإرهاب" أولاً ليأتي بعده "الحل السياسي" الذي "يقرره الشعب السوري" وفقاً للرطانة الروسية المعهودة. لا جديد في هذا الكلام، ولا فائدة من ترتيب "زيارة اللحظة الأخيرة" هذه لتكرار ما مل الرأي العام من سماعه. وحتى لو كان الأمر يتعلق بالتباحث حول مواضيع أكثر خطورة وجدية تهم الجانبين، بما في ذلك مصير بشار في المرحلة الانتقالية، بعيداً عن الإعلام، لكان كافياً أن يتولى المهمة، كالعادة، وزير خارجية النظام الكيماوي وليد المعلم. لا يبقى من تفسير لهذه المجازفة، إذن، إلا بوصفها رسالة جوابية روسية إلى واشنطن وحلفائها بصدد التسوية المقترحة من قبلهما على موسكو، وفحواها القبول ببقاء بشار في السلطة في مرحلة انتقالية من ستة أشهر "بصلاحيات بروتوكولية" كما جاء في مقترحات المبعوث الأممي ستافان دي مستورا.
أما الرسالة التي أراد النظام إيصالها فهي موجهة إلى قاعدته الاجتماعية، أساساً، ومفادها أن النظام ما زال متماسكاً فلا يخشى رأسه مغادرة دمشق، حتى لو كانت الزيارة سرية ولم يعلن عنها إلا بعد عودة بشار "سالماً" إلى مكانه.
غير أن الرسالتين، كلتيهما، تفشلان في التغطية على الواقع الميداني الذي لا يشير إلى أي إنجاز عسكري حققه النظام بعد التدخل الروسي المباشر في الصراع. فقد سمح هذا التدخل المباشر للطرف الآخر، الدول الاقليمية الداعمة للفصائل العسكرية المعارضة، بفتح صنبور المساعدات العسكرية أكثر من أي وقت مضى، وبضوء أخضر أمريكي. فتحول صاروخ التاو إلى كابوس لقوات النظام التي فتحت أكثر من جبهة هجومية، في حمص وحماه وحلب واللاذقية، في وقت واحد، بأوامر من القيادة العسكرية الروسية. من المحتمل أن الروسي فوجئ بالمستوى القتالي المتدني لقوات بشار وعدم قدرتها على مواكبة مثمرة للحرب الجوية الروسية. أضف إلى ذلك الفضائح العسكرية الروسية نفسها التي بدأت بالصواريخ القادمة من بحر قزوين، وسقط عدد منها، على الطريق، في الأراضي الإيرانية، واستمرت بقصف "مواقع صديقة" أي قوات النظام وقراه الموالية، وأثمرت أخيراً قتلى من القوات الروسية كبداية مبشرة لرحلة توابيت من سوريا إلى روسيا. هذا إذا لم نتحدث عما يتحدث عنه الرأي العام العالمي والحكومات الغربية من أن الغارات الروسية لا تستهدف داعش، كما يزعم بوتين، بل قوات المعارضة التي تساندها غرفتا العمليات الأمريكيتان "الموك" والموم" في عمان واسطنبول.
وفقاً لما نقلته وكالة أنباء رويترز عن مسؤولين تركيين "رفيعي المستوى" وافقت الحكومة التركية على بقاء بشار الكيماوي لفترة انتقالية من ستة أشهر لا يتمتع خلالها بأي سلطات على الجيش وأجهزة المخابرات، وكامل السلطة التنفيذية الانتقالية بالأحرى. وتأتي هذه الموافقة في إطار تفاهمات ضمت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية وقطر. على أن ينقل الأمريكيون هذا المقترح إلى روسيا. تم ذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أواخر أيلول 2015. وبدأ التدخل الروسي العلني في سوريا في 30 أيلول. هذا يعني أن الروسي أراد الجلوس على طاولة التسوية الدولية وحليفه الكيماوي في وضع أقل سوءًا.
زيارة بشار إلى موسكو، بدون أي وفد مرافق، هي "زيارة اللحظة الأخيرة" قبل الدخول في التسوية. أما بوتين فهو ربما ينتظر عروضاً غربية (في أوكرانيا مثلاً) مقابل رأس الجزار الكيماوي.
 
٭ كاتب سوري