الرئيسة \  واحة اللقاء  \  بعد أن يبدأ حديث البنادق

بعد أن يبدأ حديث البنادق

28.11.2017
ميسرة بكور


القدس العربي
الاثنين 27/11/2017
قد تختلف مع سياسة العربية السعودية في كثير من الملفات. على سيبل المثال لا الحصر تراجعها في فترة زمنية عن التواجد في العراق وتركه مشرعاً للإيرانيين يعبثون فيه ويؤسسون الميليشيات التي هددتها علنا. وفي الملف السوري لنا ملاحظات وعلامات استفهام كثيرة على تراجع الدعم السعودي للثورة السورية وتصريحات الجبير حول تطابق الرؤى بين الرياض وموسكو في ما يخص الملف السوري والقرار الحاسم في رحيل نظام الأسد كشرط رئيس لحل مستدام في سوريا ثم التخلي عنه دون مقدمات.
لكن مهما كان حجم وعمق اختلافنا معها لا يمكن لنا بحال من الأحوال أو شكل من الأشكال أن نختلف معها أو أن نخذلها في مشروع تصديها للتوحش الفارسي الإيراني أو أن نقف موقف المتفرجين على مدرجات الصراع في هذه المعركة التي تعتبر معركة أمة بكاملها تريد إيران الفارسية أن تلغيها عن خارطة الجغرافيا المشرقية. ولسنا نتوهم أو نرجم بالغيب أو نبالغ وندعي ماهو غير حقيقي، فلم يستح ساسة ومسؤولون إيرانيون من تفاخرهم بسيطرتهم على أربع عواصم عربية. وفي غير موقف قال قائلهم إنه حان الوقت لتعود المدائن عاصمة للفرس كما كانت قبل"القادسية". وفي أدبياتهم لا يخفون هذا التوجه حيث تعج أمهات كتبهم بمثل هكذا مخططات. لكم أن تلقوا نظرة على نظرية "أم القرى" كما صاغها محمد جواد لاريجاني في كتابه "مقولات في الاستراتيجية الوطنية" ومما جاء فيها "بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران والقيادة الحقة للإمام الخميني ـ أصبحت إيران أم القرى دار الإسلام، وأصبح عليها واجب أن تقود العالم الإسلامي، وعلى الأمة واجب ولايتها، أي أن إيران أصبحت لها القيادة لكل الأمة. بناءً على ذالك فإن الإمام ـ كان له مقامان في الوقت نفسه: الأول مقام القيادة القانونية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي تم تعريفها طبقاً للدستور، والمقام الآخر"ولاية العالم الإسلامي" التي قد أقرها الواجب الشرعي. من هنا علينا أن نفهم الخطر الوجودي الحقيقي الذي تمثله إيران باستراتيجيتها هذه وهو إلغاء الأمة العربية وجعلها ملحقة بطهران كتابع صغير لها.
ولنعطف الماضي على الحاضر قبل أن نغلق الدفاتر، في عصرنا الحالي مازالت إيران تمد مخالبها إلى قلب بلادنا وتدعي كذباً دعم المقاومة وهي التي لم تترك مدينة عربية استطاعت أن تجد فيها موطئ قدم إلا وحولتها مرتعاً للمخدرات والميليشيات التي تمدها بكل وسائل ومقومات الانتشار والتمدد لتشكل سرطاناً خبيثاً ينهش جسد الآمة من داخلها.
حتى البعثات الثقافية الإيرانية المنتشرة في أقطارنا العربية حولتها إلى ذراع سياسي يعمل على نشر الفكر المتطرف الذي يعتنقه ملالي إيران وتوابعهم في المنطقة تحت عنوان (تكامل الحضارات) وهي تبث سمومها في الحاضر والماضي وتستمر في عبثها الثقافي والفكري المتطرف وأوهام السيطرة وإعادة المجد الغابر، وتتجاهل عن حمق أننا في دمشق أسسنا واحدة من أكبر الامبراطوريات عبر التاريخ، ولم تزل أطلال حضارتنا ومدنيتنا في قصور الحمراء والزاهرة والزهراء شاهدة على عمق وجودنا وعظيم أثرنا مقابل مجد غابر تم دثره ودفنه إلى الأبد في غياهب الصحراء.
لا يقول أحدكم إن الطرف السعودي ليس لديه استراتيجية واضحة وليس لديه حلفاء يوثق بهم في حال نشوب نزاع حقيقي، وليس لديها رؤية لما بعد الحرب أي ما هي الخطوة التالية بعد أن يبدأ حديث البنادق، وهل وضعت في حسبانها كيف ستكون عليه إيران بعد الحرب وكم تستطيع الصمود وما حجم الخسائر، وهل ستكتفي بتقليم أظافر إيران فقط أم أن لها نظرة أكثر صرامة وأعمق من ذلك وهي تقسيم إيران إلى ثلاث دول أقلها دعم استقلال عرب الأحواز وإبعادها عن ساحل الخليج العربي بشكل نهائي، فقد خبرت السعودية والعرب والعالم كله أن إيران لاتنفع معها سياسة جز العشب أو تكسير الأجنحة لأنها خلايا سرطانية سرعان ما تنمو وتنقض على الجسد فتقتله بضربة واحدة، وهو كان يظن أنه تخلص منها بشكل نهائي. نعم كل هذا صحيح، ولكن يا سادتي الكرام أنا السوري الموجوع المذبوح الشريد الطريد ليس لدي خيار آخر إلا بدعم هذه المعركة وأسعر نيرانها حتى لو كانت بالثرثرة ورشقات تويترية فيسبوكية، لست اهتم، كل ما يهمني اليوم أن يصرخوا ويتألموا كما فعلو بنا وبملايين السوريين الفارين من جحيم وحمم البراميل المتدحرجة المتساقطة فوق رؤسهم المذبوحين بمدية نصر الله وأبو الفضل العباس وفاطميون وزينبيون. السوري المشوي بنيران طائرات الأسد، المخنوق بغازاته السامة، المكتوي بنيران طائفية الفرس ومحازبيهم ومشايعيهم القادمين من عالم ماوراء التاريخ بعقيدة أقتل سوري تدخل الجنة. يا سادتي الكرام إن لم تتفهموا اليوم حقيقة إيران فانتظروا حتى تلتف على رقابكم وقد علمتم نتائج مقدمات إيران من خلال صنيعها بسوريا والسوريين.
في حال قيام حرب سعودية عربية إيرانية، وسعرت نيرانها وقرعت طبولها على الجميع إما أن يصمت أو يدعم ويساند السعودية في هذه المعركة التي لم تنته فصولها بعد، لعل البعض القليل منكم يعلم أن فصول هذه المعركة ابتدأتها قبائل "إياد العربي" في جاهليتها وما ذي قار في نهاية الجاهلية وبداية الإسلام إلا مشهد آخر من فصولها. وأخطأ من ظن أن القادسية ونهاوند قد أطفأت نيرانهم ولكم في سليمان القانوني وأحفاده أحمد ومراد وقبله بيازيد عبرة. إنها معركة مستمرة عبر آفاق الزمن لم تكتب نهايتها بعد، وإن إيران ومن لف لفها لن يتركوا أي فرصة تلوح لهم إلا وانقضو عليها وتمسكوا بها علها تكون فرصتهم للقضاء على وجودكم ومازال التاريخ يحدثك أخبرها، من مقتل عمر بن الخطاب وبابك الخرمي وابن العلقمي، وطهماز وإسماعيل الصفوي، وخامنئي ومازالت إيران تحبل.
أيها السادة لسنا دعاة حرب ودمار. إننا بناة حضارة وأهل عمران وتحضر، لكن ماذا علينا أن نفعل وقد ابتلينا بهذا الجار الخبيث الذي لا يريح ولا يستريح ولا تحلوا أيامه وتصفوا أوقاته إلا بتحقيق حلم متوحش القضاء على العرب وإزالتهم عن الخارطة الكونية.
باسادتي الكرام لسنا من ذهب إلى طهران أو قم ولم نذبح أطفالهم، هم من أتى إلينا وسرق خبزنا وبات في فراشنا وقتل تطلعات أطفالنا في مهدها الملائكي. لسنا من حول مدينة القصير لأكبر مزرعة للحشيش في المنطقة، ولسنا من هجر داريا تمهيدا للجوء إليها في حال طاردهم الكيان الصهيوني. هل خطر أو دار في مخيلتكم هذا، تفريغ داريا من أهلها كملجأ طوارئ لأشقيائهم.
لست أنا ولا شقيقاي المقتولان بنيران حقدهم الشعوبي من هزم كسراهم ، ولم يكن أبي ولا جدي قد ولد حينها، ويريدون أن يدفعوني والعرب والأمة والتاريخ ثارات انكساراتهم.
لا تخدعوا أنفسكم وأن الصلح خير فتخور الهمم وتتفرق الصفوف. ولو خارت هممكم وعزائمكم وخشيتم على ما في أيديكم الزموا الصمت، فلن تفلحوا بلعب دور الناصح الأمين، فلا نامت أعين الجبناء. نعيد ونؤكد نحن دعاة سلام ودعاة تعايش وصناع سلام وحضارة، لكن إن فرضت علينا الحرب شمرنا لها دون رياء.
٭ كاتب وباحث سوري