الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تفجيرات بروكسل… وفشل الحرب على "داعش"

تفجيرات بروكسل… وفشل الحرب على "داعش"

30.03.2016
محمد عايش


القدس العربي
الثلاثاء 29/3/2016
التفجيرات الدموية التي تعرضت لها العاصمة البلجيكية بروكسل، تفتح الباب مجدداً أمام الكثير من الأسئلة الصعبة المتعلقة بتنظيم الدولة الاسلامية، كما أن الذين تكشفت هوياتهم حتى الآن من المتورطين في التفجير، يشيرون إلى ظهور جيل جديد من "الجهاديين"، وهو جيل له خصائص ومميزات جديدة بالغة الخطورة أهمها، أنه يستهدف المدنيين الأبرياء عشوائياً ولا يحرص على ضرب مواقع وأهداف حيوية لخصومه.
التفجيرات التي شهدتها بروكسل، وقبلها التي ضربت اسطنبول وأنقرة، وبالتزامن معها المعركة بين القوات الحكومية وخلية داعشية في شمال الأردن، تدل على أن تنظيم الدولة يتوسع ولا يتقهقر، وعملياته تزداد ولا تنكفئ، وهو ما يعني أن التحالف الدولي الستيني، الذي يُمطر التنظيم ومقاتليه بكل أنواع الصواريخ والقنابل، منذ أكثر من عام ونصف العام، فشل في تحقيق أهدافه، بل إن النتائج التي نراها عكسية، وربما نجح التنظيم في استثمار الضربات التي يتعرض لها من أجل استقطاب مزيد من الشباب من مختلف أنحاء العالم إلى صفوفه، على أساس أنه "يحارب قوى الكفر العالمي"، كما يقوم مقاتلوه بالترويج لأنفسهم.
الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" بشكلها الحالي لا يمكن أن تنجح، بل يكاد يكون من المستحيل للحل العسكري والأمني وحده أن يصيب هدفه، لأننا أمام جيل جديد من "الجهاديين" يختلف عن جيل تنظيم "القاعدة" وجيل الجماعة الاسلامية المسلحة، في أنه غير مترابط تنظيمياً ولا جغرافياً ولا فيزيائياً (لا لقاءات تقليدية تجمع بينهم، كما أن التواصل وتداول الأفكار يتم على الأغلب عبر الفضاء الافتراضي، من خلال شبكة الإنترنت).
القضاء على ظاهرة تنظيم الدولة، يستدعي بالضرورة تجفيف منابع اليأس والإحباط التي تصيب الشباب العرب والمسلمين، وهو الإحباط الذي يدفع إلى اللجوء للقتل الأعمى، وهذه المنابع تتضمن ما يلي:
أولاً: التراجع عن السياسات الخاطئة والمجنونة للقوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، فالانتحاري الذي ضرب محطة قطار بروكسل هو خالد البكراوي المولود عام 1989، أي أنه كان طفلا صغيرا بالكاد يفهم معنى الحياة عندما قام الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش في لحظة جنون باجتياح العراق وتدميره، وبعدها بأعوام قليلة كان الطفل الصغير يكبر، بينما كانت صور جحيم "أبوغريب" تتسرب من العراق الجديد الذي صنعته الولايات المتحدة. كما أن الطفل المولود في عام 1989 كان عمره 12 عاماً فقط عندما جن جنون أرييل شارون واقتحم المسجد الأقصى، وعندما أتم البكراوي الـ15 من عمره كان جنون شارون قد بلغ منتهاه باقتحام مخيم جنين في الضفة الغربية، وكان القتل العشوائي الأعمى الذي تقوم به اسرائيل يحظى بالدعم الأمريكي والغربي.. حينها كان ثمة انتحاري يتكون اسمه خالد البكراوي.
ثانياً: تنظيم "داعش" ليس سوى نتيجة للثورات المضادة التي تجتاح العالم العربي منذ سنوات على أنقاض ثورات "الربيع العربي"، وهي الثورات المضادة التي دمرت آمال الشباب الحالم بالإصلاح والتغيير، وأدت بهم إلى اليأس والإحباط، ومن ثم إلى أحضان تنظيم "داعش" الذي يسوق نفسه على أنه الحل الوحيد لأنظمة لا تتغير بالاحتجاج السلمي، وعليه فمن يريد محاربة "داعش" فعليه اولاً أن يحارب الثورات المضادة، أو على الأقل يرفع الدعم عنها.
ثالثاً: استمرار القمع والاستبداد في العالم العربي، وشيوع فكرة أن هذه الأنظمة المستبدة تستمد شرعيتها من عمالتها للغرب والقوى الكبرى، هو أحد عوامل تغذية الكراهية للعالم، وهي الكراهية التي تتحول تدريجياً عند الشباب المندفع والمتحمس إلى العنف، وعليه فعلى القوى العالمية والدول الغربية الكبرى أن تدعم قيام أنظمة ديمقراطية حرة في بلدان العالم العربي، وتدعم تداول السلطة، حتى يظل لدى الشباب في العالم العربي والإسلامي أمل بالتغيير السلمي والوصول الطبيعي إلى السلطة يوماً ما فلا يجنحوا نحو العنف والإرهاب الأعمى القائم على القتل العشوائي.
خلاصة القول إن مكافحة الإرهاب والحد من توسعه في العالم يحتاج إلى استراتيجية لا تقوم على القصف من السماء، ولا القتال على الأرض، وإنما تقوم على مكافحة حالة اليأس والإحباط التي تجتاح العالم العربي بفعل الثورات المضادة، وبفعل فشل عمليات التغيير السلمي في المنطقة، وتقوم أيضاً على نشر الديمقراطية وتعزيز قيم الحرية والتداول السلمي للسلطة، وإقناع الأنظمة الرجعية المستبدة في العالم العربي بأن عليها أن تحفظ الحقوق والحريات والكرامة لمواطنيها، وتحترم حقهم في الكلام وتنظيم الأنشطة والتغيير، وقبل هذا كله على الولايات المتحدة والعالم المتحضر ان يتوقفا عن دعم الاحتلال الاسرائيلي والانحياز الأعمى له، بعد أن انكشفت عوراته وبانت سوءاته وتأكد العالم بأنه يمارس الجريمة المنظمة والإرهاب الأعمى ضد شعب بأكمله وبشكل جماعي من دون مراعاة للقيم والأخلاق.