الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تحركات على رقعة شطرنج الشرق الأوسط

تحركات على رقعة شطرنج الشرق الأوسط

20.10.2016
صادق الطائي


القدس العربي
الاربعاء 19/10/2016
انطلقت عملية تحرير الموصل بعد أكثر من عامين من احتلال ما يعرف بتنظيم الدولة للمدينة الاهم في العراق، تنوع في الجحافل والمخططات والاستراتيجيات يصيب الموقف بضبابية.
تحالفات بين خصوم الغد تظهرهم بمظهر الأصدقاء والحلفاء، وحلفاء الأمس يتهمون بعضهم بعضا، ما يشعر المراقب بأن حربا قريبة ستقوم بينهم، تحالفات استراتيجية تاريخية في طور التكسر وأخرى جديدة تقوم مكانها، رقعة شطرنج الشرق الاوسط تشهد تهيئة للمقبل من الأحداث. تشابك خيوط الوضع يجعلنا نتلمس طريقنا بحذر، وأولى خطواتنا هي محاولة قراءة التصعيد غير المسبوق بين انقرة وبغداد حول وجود قوات تركية في معسكر بعشيقة (12 كم شمال الموصل) عديد القوات التركية يبلغ حوالي 2000 عسكريا، مع بعض الآليات والمدرعات تقدر بقوة كتيبة مدرعة.
ولنبدأ القصة من بدايتها لأن في حل عقدتها حل للكثير من الخيوط المتشابكة اليوم، دخلت القوات التركية إقليم كردستان عندما كان الإقليم مهددا من قبل تنظيم ما يسمى الدولة الاسلامية عام 2015، وكان المعلن أن الدخول تم بطلب من حكومة الاقليم لتدريب قوات البيشمركة الكردية، وهذا الامر تم رفضه من الحكومة العراقية حينها، واعتبر تدخلا سافرا في الشأن العراقي واعتداء على السيادة العراقية. السلطات العراقية أعلنت أن قوات مسلحة تركية يقارب عددها كتيبة دبابات واحدة عبرت الحدود العراقية مستخدمة الدبابات والمدرعات ووصلت إلى مقربة من مدينة الموصل مركز محافظة نينوى من دون الحصول على اذن من السلطات العراقية، لذلك فإن هذا العمل يعتبر انتهاكا صارخا لسيادة العراق. وفي يوم 12 ديسمبر 2015 قام العراق بتقديم احتجاج رسمي لمجلس الأمن الدولي احتجاجاً على تواجد القوات المسلحة التركية قرب مدينة الموصل، وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حينها أن وجود هذه القوات التركية يمثل انتهاكا لسيادة العراق على أراضيه، بينما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن هذه القوات موجودة منذ زمن بناء على اتفاق مسبق مع حكومة الاقليم، في اشارة لدخول بعض القوات التركية بعمق 10 كم من الشريط الحدودي العراقي التركي لمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني المعارض للحكومة التركية المتواجدين داخل الاراضي العراقية. وأضاف بأنه لن يسحب القوات التركية من العراق.
من جانبه قال رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، وهو طرف مهم في هذا الصراع؛ إن هذه القوات كانت موجودة، وأشار إلى أن الإقليم ليس مسؤولا عن وجود هذه القوات وأن الإقليم لا يسمح بانتهاك سيادة العراق على أراضيه من قبل أي دولة. وبقيت هذه القوات في موقعها، وتغيرت مهمتها من تدريب قوات البيشمركة الذي اعلنت عنه الحكومة التركية حينها إلى تدريب ما عرف بقوات الحشد الوطني من ابناء محافظة نينوى، التي يقودها محافظ نينوى السابق اثيل النجيفي، وتزامن هذا الامر مع غض البصر من قبل حكومة الاقليم تجاه هذه القوات الذي فسر على انه عدم قدرة الاكراد على مواجهة الغضب التركي، وسكوت على مضض من قبل حكومة بغداد التي كانت لها اولوياتها المتمثلة في معارك ديالى وصلاح الدين والرمادي والفلوجة. في التصعيد الاخير صعد الرئيس أردوغان، لهجته مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في خضم التوتر الدبلوماسي بين البلدين، حيث قال أمام القمة التاسعة للمجلس الإسلامي في اسطنبول: إن رئيس وزراء العراق حيدر العبادي، يسيء لي شخصيا. وخاطبه قائلا أنت لست ندّا لي ولست بمستواي، وصراخك في العراق ليس مهمًا بالنسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك، وأن تلزم حدك أولًا. وتابع أردوغان: طلب منّا شخصيًا (العبادي) إنشاء قاعدة بعشيقة في عهد (رئيس الوزراء السابق) السيد أحمد داود أوغلو. وتعهد بنشر تفاصيل الاتفاق المسجل بينهما وبثها عبر القنوات التلفزيونية، وأكد أن القوات التركية دخلت بعشيقة على هذا الأساس، وستواصل عملها، وقال لرئيس الوزراء العراقي إن الجيش التركي لم يفقد منزلته لكي يأتمر بأمركم.
في المقابل صرح رئيس الوزراء العراقي عبر بيان مقتضب نشره مكتبه الإعلامي، قال فيه: بالتأكيد لسنا نداً لك، مضيفاً: سنحرر أرضنا بعزم الرجال وليس بالسكايب، مذكراً في هذا الإطار الرئيس التركي، بظهوره على قناة موالية له عبر شاشة هاتف نقال وهو يتحدث عن وأد الانقلاب الذي حصل في بلاده. كما اشار العبادي اثناء زيارته الميدانية لمدينة كركوك التي تشهد تحضيرات عسكرية تشير إلى احتمالية انطلاق عمليات تحرير الحويجة بالتزامن مع عمليات تحرير الموصل، حيث ذكر لن نسمح بمشاركة القوات التركية في معارك تحرير الموصل، نقطة رأس سطر. وتبعت ذلك اجراءات دبلوماسية حيث تم استدعاء السفير التركي في بغداد وتسليمه رسميا مذكرة احتجاج شديدة اللهجة من الخارجية العراقية، تزامن الامر مع تصويت البرلمان العراقي بالاجماع على رفض تواجد هذه القوات على الارض العراقية مع دعاوى بعض البرلمانيين بتطبيق سياسة مقاطعة اقتصادية ضد تركيا مع تحرك في مجلس الأمن عبر المندوب العربي (دولة مصر) لتقديم شكوى رسمية لانتهاك القوات التركية سيادة العراق. صاحب ذلك العديد من النشاطات الشعبية والتظاهرات الرافضة للوجود العسكري التركي في العراق.
ويمكننا القول إن نقطة البداية في تغيرات رقعة شطرنج الإقليم ابتدأت تجلياتها بالظهور مع الانقلاب العسكري الذي احبط في تركيا، حيث سعت حكومة العدالة والتنمية إلى سياسة تصفير الأزمات مع دول الجوار بعدما ساءت علاقاتها مع روسيا واسرائيل وإيران، ودخلت طرفا متهما في النزاع السوري، حيث اتهمت روسيا حكومة اردوغان بالتعاون مع تنظيم الدولة الاسلامية وشراء البترول المهرب من سوريا والعراق منه بأسعار منخفضة جدا، مقابل تسهيل تواجد مقاتلي التنظيم في المناطق التركية المحاذية لسوريا وتوفير معسكرات لمقاتليه والسماح بدخولهم إلى مناطق النزاع في سوريا والعراق، وبينما كانت تركيا حليفا إستراتيجيا للولايات المتحدة الامريكية، وعضوا فاعلا في سياسات الناتو في المنطقة، فجأة تحولت الارادات، وابتدأت الصحافة المقربة من حكومة اردوغان بمهاجمة الولايات المتحدة باعتبارها تأوي المعارض الابرز فتح الله غولن الذي تتهمه الحكومة التركية بالوقوف وراء الانقلاب، وهذا الامر ادى إلى دوران عقارب البوصلة التركية باتجاه التقارب مع روسيا، ابتداء بالاعتذار الرسمي التركي عن إسقاط الطائرة الروسية التي سببت ازمة حقيقية بين البلدين، تبعها تبادل الزيارات بين الرئيسين اردوغان وبوتين، وهذا الامر بدوره دفع إلى تقارب اخر تركي – ايراني، حيث ترتبط ايران بشراكة استراتيجية مع روسيا في الساحة السورية وعلى مستوى التعاون الاقتصادي، ودعم الروس لإيران إبان ازمة الوقود النووي مع المنظمة الدولية للطاقة الذرية.
وهنا لابد من طرح السؤال الذي يمثل العقدة الاساسية، ما هو موقف ايران وروسيا والولايات المتحدة من الازمة المتصاعدة اليوم، لماذا لم يهتم الروس والايرانيون لسيادة العراق وسورية عبر غض البصر عن التمدد التركي؟ علما بأن الروس والايرانيين اعتبروا دخول القوات التركية في عام 2015 خرقا للسيادة العراقية، ولماذا يلعب الأمريكان دور المايسترو المسؤول عن توزيع المهمات بين الجحافل التي ستقاتل في المعركة بدون حتى التلميح لوجود ازمة بين العراق وتركيا، بالمقابل كان الاعلان عن شهوة تركية للعب دور اكبر في الاقليم عبر تحالفاتها الجديدة واضحا في حديث الرئيس اردوغان حين أشار إلى أن دولا بعيدة بآلاف الكيلومترات تأتي إلى أفغانستان وغيرها من الدول بدعوى وجود تهديد ضدها، بينما يقال لتركيا التي لها حدود بطول 911 كم مع سوريا، و350 كم مع العراق، إنه لا يمكنها التدخل لمواجهة الخطر هناك، كما خاطب أردوغان الوزراء خلال جلسة للحكومة الاسبوع الماضي قائلاً الوضع في المنطقة سيتغيّر، وعلينا أن نختار، إما أن نتحرك بجرأة ونتوسّع، وإما ستصغر تركيا. أنا متأكد من ضرورة أن تكبر تركيا في المنطقة، وأجري الاستعدادات اللازمة في هذا الصدد، كما تلا ذلك إعلان رئيس الوزراء بن علي يلدرم أن الوحدات المشاركة في عملية (درع الفرات) في سورية قد تنتقل من الدفاع إلى الهجوم، وقد تقفز إلى شرق نهر الفرات إذا اضطُرت إلى ذلك. فهل ستكون معركة الموصل لحظة وئام غير حقيقية بين قوى متنافسة ومراوغة سيغدر بعضها ببعض فور انتهاء المهمة؟ هذا ما ستكشف عنه الايام المقبلة بعد انجلاء غبار المعركة.
كاتب عراقي