الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تدخلات واشنطن في سوريا منذ عام 1946!

تدخلات واشنطن في سوريا منذ عام 1946!

10.08.2016
الطاهر إبراهيم


القدس العربي
الثلاثاء 9/8/2016
إذا وضعنا تنظيم الدولة جانبا الذي تأكد للسوريين أنه يبيع ويشتري مع النظام ومع واشنطن وموسكو وطهران وأن المبادئ هي آخر ما يهمه. وما يعرفه السوريون على وجه اليقين أن جبهة النصرة لم تكن تمارس الإرهاب في أي وقت خلال عملياتها في سوريا. فقد قصرت نشاطاتها على قتال جيش بشار الأسد وحزب الله والميليشيات الإيرانية.
وهذا القتال يعرف كل العالم أنه ثورة ضد استبداد بشار وزمرته. وإن وضع واشنطن للجبهة على قائمة الإرهاب في كانون أول/ديسمبر 2012 جاء لتعاظم قوتها في القتال. فقد شنت مئات الهجمات منذ أن انطلقت أواخر كانون أول/ديسمبر عام 2011على نظام بشار، ما لفت أنظار واشنطن لها.
وإلا فإن بيعة الجولاني للظواهري جاءت هروبا من إلحاق البغدادي له. كان ذلك بعد وضع النصرة على قائمة الإرهاب بأربعة أشهر في كانون أول/ديسمبر 2012. فقد كانت البيعة في نيسان/ابريل 2013، ما يبطل حجة واشنطن. تزامن مع ذلك أن قيادات سورية مختلفة نددت بوضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب، مثل برهان غليون أول رئيس للمجلس الوطني السوري، والعميد سليم إدريس قائد الجيش الحر المعين من قبل الإئتلاف السوري. فرغم أن قائدا في النصرة قتل بعض الدروز خطأ، فإن وليد جنبلاط الزعيم الدرزي اللبناني لم يمنعه ذلك من التنديد بوضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب… فأين تكمن مشكلة جبهة النصرة مع واشنطن؟
فلا يكاد طائر يطير في سماء سوريا إلا تعرف واشنطن من أين يطير وأين يحط؟
فمنذ استقلت عام 1946 وضعت واشنطن سوريا على شبكة راداراتها لخدمة سياستها ثم لخدمة إسرائيل. عجمت واشنطن أعواد ساستها ابتداء من رئيسها الأول شكري القوتلي، فوجدت أن قلة منهم من يبيع نفسه للأجنبي. لذا كانت الانقلابات في سوريا من تدبير واشنطن ابتداء من انقلاب حسني الزعيم في آذار/مارس، 1949مرورا بانقلاب سامي الحناوي، ثم انقلاب أديب الشيشكلي الأول ثم الثاني، ومغادرته البلاد عام 1954ليجنب سوريا الاقتتال.
عادت الحياة الدستورية ثانية عام 1955 مع رئيسها الأول شكري القوتلي. رفضت واشنطن التعاون معه وحرضت عليه الضباط البعثيين في الجيش ليفتعلوا خلافا مع الضباط "الشوام"، ما اضطر الرئيس القوتلي للوحدة مع مصر وتنازل عن الرئاسة لعبد الناصر في عام 1958. قامت الوحدة على"دخن"، فوقع الانفصال عام1963، ثم لينقلب البعثيون على حكومة منتخبة عام 1963،ثم انقلاب البعثيين القطريين على البعثيين القوميين عام 1966.
أخيرا رسا المزاد على حافظ الأسد فانقلب على جميع رفاقه البعثيين في تشرين ثاني/نوفمبر 1970، وحكم سوريا هو ووريثه بشار الأسد من بعده، وقاما بحكم سوريا شر قيام كما تحب واشنطن وترضى.
يتبين من هذا الإيجاز التاريخي السريع أن واشنطن كانت ترفض قيام حكم ديمقراطي بسوريا ولو جزئيا، بحيث "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم". ففي كل مرة كانت الفرصة تتهيأ في سوريا أن يكون فيها حكم ديمقراطي كانت واشنطن -من ورائها إسرائيل- تحرك عملاءها في مفاصل البلد كي يفشلوا التحرك الديمقراطي.
عندما قامت الثورة في سوريا في آذار/ مارس2011 كانت واشنطن تعتقد أنها ستنطفئ في مهدها.فقد استطاع حافظ الأسد أن يزرع الخوف القاتل في قلوب الشعب السوري. عندما سقط الشهداء في درعا في أول جمعة، وخرجت المظاهرات في معظم المدن السورية في الجمعة الثانية والثالثة والرابعة … ومع تزايد عدد الشهداء، فقد أحس الشارع السوري أنه كسر حاجز الخوف.
ومع تزايد عدد الشهداء فقد تزايد عدد المنضوين داخل الجبهات المقاتلة خصوصا فئة الشباب. كان معظمهم غير مسيس، كانوا يقدمون على الاستشهاد بحماس منقطع النظير، وكثرت كذلك العمليات ضد جيش بشار الأسد.
رغم أن القادة العلويين الذين رباهم حافظ الأسد على يديه وحارب بهم الإخوان المسلمين، فما زال معظمهم حول بشار ومعه. لكن بشار لم يستطع أن يعوض السفاحين ممن تقدم به العمر أمثال علي دوبا وعلي حيدر،فجاء بمجموعة علوية جديدة مثل صهره آصف شوكت ووضعها تحت إمرة أخيه ماهر الأسد. هؤلاء أثبتوا أنهم أقل حنكة في مواجهة المقاتلين مثل جبهة النصرة وجبهة أحرار الشام. وأصبح بشار الأسد على وشك السقوط.
هنا تدخلت واشنطن لدعم بشار الأسد كما دعمت أباه من قبل. حاولت أن تقطع الدعم العربي عن المقاتلين. بدأت بجبهة النصرة التي ينظّر لها مشايخ في الأردن وفي غيرها. حاولت واشنطن إثارة غبار "القاعدة" في وجه جبهة النصرة لتفسد ما بينها وبين دول الدعم العربي التي تمدها بالسلاح والمال، وضعت النصرة على قائمة الإرهاب. واشنطن لم تجد آذانا صاغية، لأن جبهة النصرة تقاتل عدوا للسوريين وللداعمين العرب وهو بشار وإيران.
عندما قرر الجولاني استبدال فتح الشام بجبهة النصرة فإنه لم يغير أمرا كبيرا في جبهة النصرة أو في فتح الشام. فهو من الشمال السوري. هؤلاء ما كانوا يوما من أنصار القاعدة. بل حتى يوم وقف الإخوان المسلمون في حماة وحلب في الثمانينات في وجه حافظ الأسد وهجروا من سورية تحت التهديد بقانون الذبح 49 لعام 1980، فهم اعتمدوا تربية الفرد المسلم طريقا لهم، فلم يكونوا على نهج القاعدة التي كانت تعتمد المذهب السلفي.
ما يجمع الإخوان المسلمين بجبهة النصرة في موقف واحد، رغم أن إخوان سوريا لم يساهموا في القتال إلا من بعيد،هو الاعتدال الذي تحاربه واشنطن. فواشنطن تعمل على أن يكون عدوها مثل جماعة أبو مصعب الزرقاوي أو تنظيم الدولة ، لأن هؤلاء يجمعون النقيضين في صفوفهم فيقتلون أتباع النظام في سوريا والعراق، وإذا وجدوا أن أهل السنة لا ينهجون نهجهم قتلوهم جماعات وأفرادا.
نخلص إلى نتيجة هامة: أن جبهة فتح الشام ستكون على نهج جبهة النصرة تقاتل العدو القريب ،كما يقول "حسن هنية" الخبير بشؤون الجماعات الجهادية. وهذا العدو القريب هو نظام بشار ومن يدعمه داخل سوريا مثل طهران والميليشيات الفارسية وموسكو. ولن تقاتل واشنطن إلا إذا أرسلت هذه المارينز لقتالها على الأرض السورية، ولا يهم إن كانت تحت سم جبهة النصرة أو جبهة فتح الشام.
٭ كاتب سوري