الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تدمر واستثمار الهدنة

تدمر واستثمار الهدنة

10.04.2016
هديل عويس


القدس العربي
السبت 9/4/2016
لا يمكن لأي سوري ديمقراطي مناوئ لـ "داعش" والأسد، أن يتعامل مع المعركة الجارية في تدمر على أنها حاصلة في كوالالمبور أو كوستاريكا أي دون أن يعنيه ذلك بشكل مباشر. فتدمر وإرثها الإنساني وما ألحقته "داعش" فيها مِن خراب، زاد على أهميتها الإنسانية والحضارية أهمية أخرى في وجدان السوريين وغير السوريين.
النظام، بكل تأكيد، ليس حريصاً على تدمر بالمعنى التراثي، كما لم يكن حريصاً على كل الآثار المدمَّرة والمسروقة في سوريا، والتي كان له الباع الأكبر في تدميرها. كذلك الأمر بالنسبة لـ "داعش"، فهي ليست غير حريصة وحسب، بل تعمل وبشكل ناشط على تدمير الآثار لما تمثله من معالم "جاهلية" وفقاً للعقيدة "الداعشية".
بناء على ذلك، قد يقع البعض في خطأ تبجيل فعل "استعادة تدمر"، كون الجهة التي أقدمت على ذلك جهة غير "داعشية" لا تعادي الآثار أيديولوجياً كما "داعش"، أي أن التبجيل ينطلق من جزئية الحفاظ على الآثار.
إلا أن فعل "الاستعادة" يحمل الكثير من الجزئيات الأخرى التي علينا إدراكها. فغياب المعارضة الديمقراطية عن هذه المعركة هو خسارة لمعسكر الاعتدال في سوريا. إن النظام، وبكل تأكيد، لم يتمكن من استعادتها لولا وجود المقاتلين الأجانب من لبنان والعراق، إضافة إلى الدعم الروسي الجوي. ناهيك عن دخول ما يعرف بـ "الشبيتس ناز" الروسي، أي القوات الخاصة الروسية لأول مرة في هذه المعركة. ولم يكن دخول "الشبيتس ناز" كما نظريتها الأميركية، أي في الصفوف الخلفية لتقديم الدعم الاستشاري للمعارضة، فجريدة "الواشنطن بوست" في عددها الصادر يوم الاثنين التاسع والعشرين من الجاري، كشفت عن وجود القوات الخاصة الروسية في مقدمة المقاتلين، أي في الصفوف الأمامية.
ما كان للنظام أن يستعيد المدينة التاريخية لولا كل هذه العوامل؛ فهو الذي خسر تدمر أمام "داعش" في بداية الأمر، هذا غير خسائره المتعددة في كل محاولاته استعادتها.
النظام اليوم يستغل الهدنة لتحقيق انتصارات على قوة غير مشمولة بالهدنة مثل "داعش"، حيث إن لاستعادة تدمر أثراً إعلامياً كبيراً يستغله النظام، فهو اليوم يظهر نفسه كحافظ للتراث الإنساني إذا ما قورن بغزاة تدمر "الداعشيين" الذين دمروا المتاحف والآثار على مرأى مِن العالم أجمع. هذه الصورة الأقل سواداً من "داعش"، ستسهل على النظام تكرار ذات السيناريو في مناطق أخرى يسيطر عليها التنظيم.
ورغم أنّ الرقة اليوم هي عاصمة "داعش"، فإن النظام لا يولي اهتماماً بها كما بدير الزور، والتي لا تبعد قواته كثيراً عن حقول نفطها. النظام اليوم، يعمل ضمن خطة إعلامية مدروسة هدفها رفع العقوبات عنه لإنقاذ اقتصاده المنهار، ولاستعادة بعض مصادر الثروة في سوريا. صحيح أنّ النظام فقد شرعيته، لكن أي هزيمة يلحقها بـ "داعش" تزيد مِن شرعيته ومصداقيته عالمياً، حيث لا يمكن للدول الغربية وشعوبها إلا مباركة أي هزيمة أو أذيً يلحقهما بـ "داعش".
تبدو المعارضة السورية اليوم غافلة تماماً عن هذه المرحلة المفصلية. صحيح أن الروس أِشد إخلاصاً لحليفهم الأسد إذا ما قارنّا ذلك بإخلاص حلفاء المعارضة لها، وهذه مسلمة بات الجميع يدركها، لكن عليها الكف عن اللطم والبكاء وتوجيه اللوم إلى الآخرين. كسوريين ديمقراطيين، تمثلهم الهيئة العليا للمفاوضات، عليهم العمل على طرح أنفسهم كبديل عن الأسد و"داعش" في آن. لو تمكن النظام من السيطرة على دير الزور فلن تعود حينها عقارب الساعة إلى ما قبل عام 2011، بل إلى عام 1980. "داعش" منهكة هذه الأيام جرّاء ما لحق بها مِن ضربات…، فهيا إذن إلى دير الزور، ولتنتقل المعارضة من العمل وفقاً لردات الفعل إلى الفعل المخطّط والمدروس.
كاتبة سورية