الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا تدفع ثمن التزامها بالرؤية الأمريكية في سوريا

تركيا تدفع ثمن التزامها بالرؤية الأمريكية في سوريا

21.02.2016
وائل عصام



القدس العربي
السبت 20/2/2016
عندما يقول أردوغان إن المسؤولين الامريكيين يخبرونه في الاجتماعات شيئا ثم يطبقون على الارض شيئا اخر، فهذا اقرار بان الولايات المتحدة خدعت، بل وورطت تركيا بالتماهي مع السياسة الامريكية في سوريا ثم تركتها لمواجهة العواقب.
وعندما يخير أردوغان الولايات المتحدة بين الوحدات الكردية او تركيا، فهو يقول بطريقة أخرى إن الولايات المتحدة تميل لصالح خصومه الاكراد في النزاع السوري، على حساب حليفتها السابقة تركيا. ولكن لماذا انتظرت تركيا عدة سنوات لتكتشف ان التماهي مع السياسة الامريكية في سوريا لن يجلب لها الا تقوية اعدائها المباشرين الانفصاليين الاكراد؟!
يبدو انها تاخرت كثيرا، فالميليشيات الكردية المدعومة من الامريكيين والروس، كسرت معظم الخطوط الحمراء التي تحدث عنها المسؤولون الاتراك في الاشهر الماضية، تجاوزت نهر الفرات شرقا، وقطعت طريق تركيا نحو حلب، واحتلت معظم ريف حلب الشمالي، وتكاد تحاصر الخط الاحمر الاخير الذي لا نعرف ما إذا سيتحول للبرتقالي قريبا، اعزاز.
والواقع ان من دعم وشكل قوات سوريا الديمقراطية هم حلفاء تركيا نفسها، الامريكيون، الذين كانوا قد حددوا اعداءهم منذ بداية الثورة، وهم الجهاديون، واستخدموا كل الأطراف لخدمة حربهم عليهم. أما تركيا ومعها الانظمة العربية، فأعلنت مرار وتكرار ان عدوها الاول هو النظام السوري، والميليشيات الكردية هي من تشكل تهديدا امنيا وقوميا للدولة التركية وليس الجهاديين، رغم ذلك وتماشيا مع السياسة الامريكية، لم تهاجم تركيا النظام السوري ابدا، حتى عندما تعرضت قرى التركمان في اللاذقية للإبادة، وايضا ذهبت تهديدات الاتراك سدى، ولم تتحرك ابدا لحماية ابنائها هناك، ولم تهاجم ميليشيات الاكراد الذين باتوا يسيطرون على ثلثي الحدود السورية التركية، وأيضا تلبية لرغبة امريكية ومصلحة البيت الابيض التي ترى أن الاكراد هم حلفاء وحيدون في الحرب ضد تنظيم الدولة، بل ذهبت تركيا إلى ابعد من ذلك في التورط بالاجندة الامريكية في سوريا، عندما دعمت اعداءها ميليشيات الاكراد في كوباني ضد تنظيم الدولة! فسمحت بدخول قوات داعمة للاكراد قادمة من اربيل وادخلت قوات من الثوار السوريين بقيادة العقيد العقيدي لدعم اعدائها الاكراد، الذين انقلبوا الان على الجيش الحر في ريف حلب واحتلوا مدنه. وحتى المنطقة الامنة لحماية اللاجئين من قصف النظام السوري التي كان الاتراك يريدون اقامتها في شريط حدودي ضيق، تراجعوا عنها عندما وجدوا ان ذلك سيؤدي لصدام مع النظام السوري، ومعه حليفتاه القويتان روسيا وايران، لتأتي امريكا وتزج بتركيا في مشروع منطقة آمنة من قوات تنظيم الدولة وليس من قوات النظام السوري.
وهكذا أمضت تركيا اشهرا طويلة تدعم فصائل الجيش الحر الهشة في الريف الحلبي، لاقتطاع منطقة امنة في شريط ضيق يبلغ ستين كيلومترا يسيطر عليه تنظيم الدولة، وتركت مئات الكيلومترات من الشريط الحدودي محميا، وهو الذي يسيطر عليه اعداء تركيا الاساسيين، الميليشيات الانفصالية الكردية، وكما كان متوقعا فشلت فصائل الجيش الحر الهشة من الاستفادة من الدعم الجوي التركي والامريكي في تحقيق أي تقدم على تنظيم الدولة، بل على العكس تمدد التنظيم في مواقع حيوية في مدرسة المشاة.
وماذا كانت النتيجة بعد تلك الشهور من الارتهان للرؤية الامريكية في شمال سوريا؟ فككت الولايات المتحدة بعض فصائل الحر التي كانت تدعمها مع تركيا وكونت منهم فصيلا جديدا هو جيش الثوار، مهمته فقط قتال تنظيم الدولة، وهو يتشكل من مجموعات سابقة من الجيش الحر الذي دعمته تركيا وقطر والسعودية، بالذات من فصائل حزم وجمال معروف وبعض المجموعات القليلة من التوحيد ولواء الاتارب وغيره، وضمت هذا الفصيل كديكور عربي لميليشيات بهيمنة كردية بالكامل، سمتها قوات سوريا الديمقراطية، وقامت هذه الميليشيا بمهاجمة فصائل الجيش الحر في ريف حلب الذي دعمته تركيا لسنوات، واحتلت معظم مدنه الكبرى في ريف حلب الشمالي، كتل رفعت ومنغ، بل غيرت اسماء بعضها لاسماء باللغة الكردية!
اذن حتى الفصائل التي دعمتها تركيا في شمال حلب، جيرت قوتها في النهاية للخطة الامريكية، فلم تعد هي أو داعمتهم تركيا والحكومات العربية تقاتل النظام منذ شهور طويلة، بل تقاتل تنظيم الدولة فقط استجابة لأولويات الامريكيين وليس اولوياتهم هم، وعندما فشلت، انقلب عليهم حلفاؤهم الاكراد والامريكان.
يقال إن اهم عوامل نجاح السياسات هو تحديد العدو من الصديق بوضوح، منذ البداية، هذا ما فعلته ايران وحلفاؤها من النظام السوري حتى العراقي وحزب الله، الذين بفضل سياستهم الثابته والمستندة إلى تحالف وثيق، ومرجعية ذاتية غير خاضعة لاملاءات غربية، استمالوا القوى الاقليمية كروسيا وكذلك استخدموا امريكا والقوى الغربية لجانبهم، بعد ان كانوا على خصومة معها لعقود، بينما تخلت امريكا عن اصدقائها السابقين، تلك الدول التي كانت اصلا تباهي بحلفها الوثيق مع الغرب كالانظمة العربية وتركيا.. ولكنها باتت تكتشف يوما بعد يوم ان هذا التحالف لا يغني شيئا في نزاعات كهذه تحتاج إلى رؤية عميقة للصراع، وان الدول غير المهيئة للحرب اداريا وثقافيا، لا يمكن ان تواجه دولا عقائدية مهيئة للحرب تقاتل منذ عقود ضمن رؤية محددة، وهكذا تتكرر دائما تلك العبارة التي تلخص واقع سياسات الدول السنية في سوريا والعراق.. إن لم يكن لديك مشروع واضح فستتحول لأداة في مشاريع الاخرين، بل أداة في مشاريع اعدائك.
٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"