الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا وروسيا.. حرب أم حل سلمي؟

تركيا وروسيا.. حرب أم حل سلمي؟

02.12.2015
إبراهيم حياني التزروتي



القدس العربي
الثلاثاء 1/12/2015
كان يمكن لحادث إسقاط الطائرة الروسية على الحدود السورية التركية أن يمر مرور الكرام، وألا يأخذ كل هذه الأبعاد الخطيرة والمثيرة للترقب والانتظار. وكان يمكن أن تنام جميع البورصات بسلام ويطمئن الجميع إلى الأموال والاستثمارات في السوق لو أن روسيا تتعامل مثلا مع رئيس كعبد الفتاح السيسي في مصر أو أي من الدول الضعيفة أو ذات الحكم العسكري الأخرى، وليس مع دولة كتركيا. إذ يكفي أن تملي عليها روسيا شروطها كما أملتها على مصر السيسي، وتحصل على ترضيات من خلال صفقات اقتصادية وعسكرية وحتى تعويضات للضحايا، وتكون المشكلة قد حلت وتعود الأمور إلى مجراها وأحسن، لكن الأمور بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه المرة مختلفة ومعقدة جدا.
بوتين رجل متعجرف وعنيد هذا شيء معروف عنه، لكن المعروف أيضا أن أردوغان أعند من بوتين. تركيا تقول إن الطائرة الروسية اخترقت مجالها الجوي وحذرتها عشر مرات قبل الأمر بإسقاطها. وروسيا تقول إن طائرتها أسقطت في المجال الجوي السوري ولم تخترق المجال التركي أبدا. الطائرة أسقطت وهذا الأهم. لماذا؟ وأين؟ ذلك لن يغير الشيء الكثير، ماذا؟ وكيف؟ تلك النقطة مربط الفرس.
كان يمكن للحادثة أن تجد لها طريقا للحل الدبلوماسي السلمي كأي مشكلة أو خطأ عادي آخر، لكن المشكلة أن روسيا يحكمها بوتين وتركيا يحكمها أردوغان. وفي ظل عقلية الرجلين في الرغبة الدائمة بالظهور بمظهر القائد القوي الفذ الملهم لشعبه وغير القابل للتراجع أو الاستسلام ما يجعل الأمور معقدة أكثر، ويجعل الاصطدام أقرب منه إلى ضبط النفس. يبقى الاختلاف على الشكل والطريقة فقط، خاصة وأن كلا الطرفين يبدو غير مستعد حاليا للتنازل عن موقفه وروايته.
لكن السؤال الأساسي والجوهري الأهم والمطروح من قبل الجميع هو: ما هي السيناريوهات المتوقعة لما بعد حادث إسقاط الطائرة ؟ وما هي احتمالات ردود الفعل "البوتينية"؟ وهل يمكن له أن يتنازل عن غطرسته ويتجرع السم تفاديا لوقوع الأسوأ، أم أنه سيستمر في الانخداع بجنون عظمته، ويرتكب حماقة أكبر، قد لا تكون محسوبة العواقب والنتائج؟
الحرب في الحقيقة وإن كانت غير مستبعدة تماما، إلا أنها ليست كذلك بتلك البساطة التي يمكن لحادث مثل هذا أن يؤدي إلى اندلاعها، فالأمور على درجة كبيرة من التعقيد من ذلك، وذلك لأسباب كثيرة ومتعددة. أولها أن تكلفة الحرب ستكون باهظة ومكلفة جدا للطرفين، كما أنها لوجيستيا صعبة ومعقدة للغاية أيضا، لذلك فأي طرف سيفكر ملايين المرات قبل اتخاذ القرار بشنها. فروسيا رغم أنها قوة عظمى وتملك قدرات عسكرية هائلة إلا أن ذلك غير كاف لشن حرب بذلك الحجم، خاصة وأن أسعار النفط المورد الأساسي لاقتصادها عرفت هبوطا حادا مما أثر على الاقتصاد تأثيرا كبيرا. هذا في حالاته العادية فما بالنا بحالة الحرب حيث ستكون قطاعات أخرى من الاقتصاد متوقفة عن العمل وستتأثر أكيد من الحرب.
وبالنسبة لتركيا فسيناريو الحرب كارثي. إن اندلاع الحرب سيعني توجيه ضربة قوية للاقتصاد الصاعد والذي يعتمد في جزء أساسي في نموه وقوته على عائدات السياحة والخدمات، وهما مجالان لا يمكن أن يحافظا على دورهما وقوتهما في حالة اندلاع حرب، وهو ما يعني تهديدا باحتمال انهيار اقتصادي، وبالتالي فقدان تركيا لأحد أكبر نقاط قوتها الحقيقية، أي الازدهار الاقتصادي، وهو الشيء الذي سيجعل السلطان أردوغان إلى يفكر مليا قبل اتخاذ أي خطوة نحو التصعيد أكثر.
لذلك فقوة وحجم اقتصاد الدولتين يحول دون التوجه إلى هذا السيناريو، كونه لا يوازي الطموحات والتطلعات السياسية العسكرية للزعيمين. هذا ناهيك عن المصالح الاقتصادية الضخمة بين البلدين خاصة في قطاع الغاز والطاقة والتي ستتأثر لا محال في حال اندلاع مواجهة.
ثاني هذه الأسباب وربما الأهم، هو أن تركيا عسكريا مرتبطة بحلف "الناتو"، وأي حرب مع تركيا تلزم الناتو ودوله بالدخول كطرف فيها بموجب اتفاقية الدفاع المشترك. وهذا يعني أن الحرب لن تبقى تركية – روسية، بل ستتحول إلى حرب عالمية. وذلك شأن آخر بالطبع، فقيام حرب عالمية ثالثة هو السيناريو الكارثي والأسوأ على الإطلاق، ليس على المنطقة فحسب لكن على العالم برمته. لذلك وتحسبا لمنع تدهور الأمور لذلك الحد، فالمؤكد أن دولا وقوى أخرى ستتدخل وتهدئ الوضع ما أمكن، وتدفع للوصول إلى حل سلمي.
السيناريو الثالث، وهذا هو الأقرب للتحقق، أنه قد تندلع حرب فعلا، لكن ليس بين روسيا وتركيا مباشرة، إنما حرب بالوكالة وهو أن تدفع روسيا بحليفها بشار الأسد إلى التصعيد وتزويده بالسلاح اللازم حتى، والقيام بهجمات وأعمال على الأراضي التركية، وهو بالطبع ما سيلقى ردا تركيا، يمكن أن يتطور إلى توريطها في وحل حرب برية تدفع فيها الثمن الأكبر، وذلك مادام النظام السوري ليس له ما يخسر في الأصل، وتكون روسيا بذلك ردت جزءا من الثأر من أردوغان، وأعادت له الضربة بألف.
إذن احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة كما يخشى الكل هو احتمال بعيد على الأقل في الوقت الحاضر، ولذلك سيكون الثأر ورد الدين على مستوى أدنى، وتلك ضرورة لحفظ ماء الوجه.