الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا في الخلاف السعودي القطري

تركيا في الخلاف السعودي القطري

01.07.2017
بكر صدقي


القدس العربي
الخميس 29/6/2017
على رغم عمق التحالف القطري ـ التركي، طوال السنوات الماضية، كانت سرعة استجابة الحكومة التركية في الاصطفاف الصريح إلى جانب قطر مفاجئة. ذلك أنها تغامر، بهذا الاصطفاف، بعلاقاتها مع السعودية، وهو ما كانت لا تتمناه بكل تأكيد. صحيح أن الموقف التركي من انقلاب عبد الفتاح السيسي حافظ على حدَّته، طوال السنوات التالية على الانقلاب، لكن أنقرة حرصت على ألا ينعكس ذلك على علاقاتها مع الرياض. وإلى اليوم، ما زالت القيادة التركية تأمل بعدم تحول هذه العلاقة من الفتور إلى العداء الصريح على رغم أن الطرف السعودي يواصل تصعيده الإعلامي ضد الحكومة التركية، وصولاً إلى مغازلة حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) في سوريا الذي تناصبه الحكومة التركية العداء.
غير أن وقوف الحكومة التركية إلى جانب قطر لم يقتصر على تصريحات لفظية أو إعلان موقف، بل تجسد بصورة عملية في المجالين التجاري والعسكري. واليوم فإن أحد الشروط الثلاثة عشر التي يطالب المحور السعودي قطر بالانصياع لها هو تفكيك القاعدة العسكرية التركية التي تم تعزيزها بالجنود بعد نشوب الأزمة الخليجية.
من هنا إلى أين؟
بصرف النظر عن البحث عن الطرف المسؤول عن اندلاع هذه الأزمة، تبدو لائحة الشروط المشار إليها تعجيزية ومهينة لدولة مستقلة ذات سيادة. من هنا يبدو أن التصعيد سيستمر ما لم يتم الوصول إلى حل وسط يقدم فيها القطبان المتواجهان تنازلات متبادلة حفاظاً على المصالح المشتركة. أما الإصرار على تنفيذ جميع تلك الشروط المستحيلة، فهو بمثابة دفع الطرف المستهدف إلى الحائط وإرغامه على اتخاذ خيارات بديلة من المرجح أنه لا يريدها. وأعني بذلك عدم ترك أي مخرج لقطر غير الاحتماء بإيران. ومنذ اللحظة الأولى لظهور الخلاف على السطح وإيران تبدي استعدادها وترحيبها بهذا الاحتمال.
فهل تتجه الأمور، إذن، إلى رسم تحالفات إقليمية جديدة تكون فيها قطر وتركيا مع إيران في صف واحد في مواجهة المحور السعودي ـ الإماراتي ـ المصري؟
إذا عدنا إلى ما يخص تركيا من هذه التطورات لرأينا أنها أصلاً لم تكن في حالة عداء حدي مع إيران، على رغم وقوفهما في خندقين متواجهين في الصراع السوري. ولطالما اتسمت العلاقات بين البلدين بشيء من التعقيد الذي ينطوي، في وقت واحد، على تنافس على الهيمنة الإقليمية وتعاون اقتصادي وتجاري، وحتى سياسي في الشؤون المتعلقة بمواجهة المخاطر المشتركة (تجاه الغرب أساساً). أضف إلى ذلك أن العلاقات التركية – الروسية التي انتقلت من التوتر الشديد، بسبب الصراع الدائر في سوريا، إلى التعاون الوثيق في الملف السوري نفسه، قد بلغت درجة من التقارب سمحت بإدخال إيران شريكاً ثالثاً، مع روسيا وتركيا، في التحكم بمسار الوقائع السورية من خلال "عملية آستانة".
كل ذلك مقابل ابتعاد أنقرة، أكثر وأكثر، عن حليفتها التقليدية، الولايات المتحدة، وكذا الاتحاد الأوروبي. ويعود ذلك، إلى حد كبير، إلى "كعب أخيل" تركيا المتمثل في مشكلتها الكردية المزمنة. ففي حين اختارت واشنطن التعاون مع "وحدات حماية الشعب" الكردية في حربها على داعش في سوريا، تتجه تركيا باطراد إلى شن حرب على المناطق التي يسيطر عليها الحزب الكردي، والبداية من منطقة عفرين، كما تشير آخر الأخبار الواردة من هناك. وفي أحدث تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى وسائل إعلام روسية، تحدث الرجل بصراحة عن استعداد بلاده لـ"عملية عسكرية واسعة" في شمال سوريا، على غرار عملية درع الفرات، لمنع قيام "دولة كردية" هناك، حسب تعبيره. ولم يستثن أردوغان، في تصريحاته المذكورة، منبج والرقة من الاستهداف التركي، والأولى هي الآن تحت سيطرة وحدات الحماية الكردية بمظلة أمريكية، والثانية يتوقع تحريرها قريباً من داعش على يد التحالف الأمريكي ـ الكردي نفسه.
لا تخلو هذه التصريحات، بطبيعة الحال، من التهويل بما أن تركيا لن تلجأ إلى الصدام العسكري مع القوات الأمريكية في شمال سوريا، مهما تصاعد الخلاف بين الحليفين الأطلسيين. ولكن يمكن أخذ التهديد على محمل الجد فيما يتعلق بعفرين ومناطق أخرى خاضعة لسيطرة القوات الكردية غربي نهر الفرات. خاصةً وأن هذه المناطق غير محمية بمظلة أمريكية، بل بمظلة روسية يبدو أنها انحسرت على وقع احتدام الصراع الروسي ـ الأمريكي في الأسابيع الأخيرة. من هنا تكتسب تصريحات أردوغان أهميتها لأنها جاءت عبر وسيلة إعلام روسية.
فإذا كانت تركيا قد قلصت أهدافها، من انخراطها في الصراع الداخلي السوري، من إسقاط نظام بشار الكيماوي إلى إسقاط "الدولة الكردية" المفترضة في الشمال السوري، وتتعاون مع إيران وروسيا في "عملية آستانة" التي تتجه إلى تقسيم الأراضي السورية إلى مناطق نفوذ ثابتة للدول المنخرطة، وتزداد الفجوة عمقاً بينها وبين الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فهذه جميعاً من عوامل تقارب أكثر متانة مع المحور الإيراني. ومن شأن إصرار المحور السعودي ـ الإماراتي ـ المصري على عزل قطر ودفعها إلى الحائط أن يرغم الدوحة على الانضواء في المحور الآخر. وبذلك تكون طهران قد فازت بنقطتين لمصلحتها في صراعها مع جوارها العربي، تركيا وقطر. ولن تقتصر مكاسب إيران على ذلك، بل من المحتمل أن تشمل أيضاً حركة حماس الفلسطينية، وحركة الإخوان المسلمين بصورة عامة، وكلتاهما مستهدفتان مباشرةً من المحور السعودي.
ترى هل هذا ما عناه حسن نصر الله في خطابه الأخير بمناسبة "يوم القدس" حين تحدث عن "عشرات آلاف المجاهدين" الذين هدد بهم إسرائيل؟ أعني هل كان يقصد ما هو أوسع من الميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات، كما فسر أكثر المعلقين اللبنانيين؟
 
٭ كاتب سوري