الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تشتيت الشعب العربي السوري من المسؤول؟

تشتيت الشعب العربي السوري من المسؤول؟

13.09.2015
عبد الحميد صيام



القدس العربي
السبت 12/9/2015
منظر جسد إيلان الكردي إبن الثلاث سنوات ملقى على وجهه على شاطئ البحر هز مشاعر العالم وكأنه الطفل الأول والأخير الذي يسقط ضحية للحرب القذرة التي مزقت الشعب السوري بكافة أطيافه وانتماءاته. أي نفاق هذا ونحن نرى الذين ساهموا في تأجيج الحرب يتباكون على إيلان وهناك آلاف مثله دفنوا تحت الأنقاض وشوت جلودهم الطائرات والصواريخ والمفخخات والبراميل المتفجرة وغاز السارين وغاز الكلور؟عالم منافق لا يهتز ضميره على تمزيق وطن وتدمير حضارة وتشتيت شعب كامل ثم ينتفض مرة واحدة لغرق "حنظلة" السوري الذي أدان بموته بهذه الطريقة كل من ساهم أو حرض على قتل السوريين أو تأخر عن إنقاذهم.
كلنا مسؤولون عن مأساة سوريا بمن فينا من سخر قلمه وفكره ليدافع عن الطغيان والظلم والقهر والتوريث وأقبية المخابرات مبررا بذلك الجرائم التي ارتكبها النظام المسؤول الأول عما يجري حتى ولو كانت المسؤولية فشله في حماية ملايين المواطنين فقط. إن من يدافع عن طاغية واحد فكأنما يدافع عن الطغاة جميعا. كل أنظمة الطغيان مشتركة في جريمة إبادة الشعب السوري وخاصة تلك التي أججت الصراع وحولته من إحتجاج سلمي إلى مجازر ضد المدنيين وصولا إلى الفظائع التي ترتكبها الجماعات التكفيرية والإرهابية الهمجية.
الشعب السوري يا قوم هو أكثر شعوب المنطقة عروبة وحضارة وكرما وتضحية وأخلاقا. فتح حدوده وبيوته وقلوبه لكل الهاربين من جحيم أوطانهم وأقسم أن يعاملهم معاملة الأخ والإبن والبنت والجار والحبيب. إتكأ عليه الفلسطيني والأرمني واللبناني والعراقي والكردي والدرزي واليزيدي والتركماني والشيشاني فلم يتعب ولم يلن ولم يتأفف ولم يشكُ. فتح بيوته وقلوبه وتقاسم معهم جميعا الخبز والهم والبحث عن حل. أيستحق هذا الشعب العريق هذه المعاملة؟ تغلق حدود الدول وأجواؤها وبرها وبحرها أمامه فيتلقفهم الموج العاتي ليرمي بهم جثثا على الشواطئ. الذين يرسلون الذخائر لاستمرار الحرب لا يفتحون حدودهم لسوري واحد بينما فتحوا في حفر الباطن معسكرات لنصف مليون جندي مدجج هرعوا لتدمير العراق.
أول المسؤولين عن مأساة الشعب السوري هو النظام الذي حول البلاد إلى عقار شخصي يورثها الأب للولد ويملأها تماثيل بكل الأحجام للأب والفارس والطبيب والنسيب وطلب من الناس أن يعبدوها وحول البلاد إلى جمهوملكية فاتحا بذلك شهية العقيد والشاويش والمهيب والمحنط. لقد فشل في حماية الوطن والمواطن وتعامل مع من صرخوا مطالبين بالكرامة والحرية في الساحات وعلى أضواء الشموع وصوت إبراهيم القاشوش الهادرعلى أنهم خونة يجب إستئصالهم بالحديد والنار وعندما فشل في ذلك إستعان بالميليشيات الطائفية لاستكمال عملية القتل والتشريد ولا أعرف كيف تستقيم هوية العروبة مع الطائفية ويتحول مبدأ المواطنة لا لمن ينتمي إلى الوطن أبا عن جد بل لمن يدافع عن سوريا أي عن النظام.
وثاني المسؤولين عن هذه المأساة دول النفط التي دفعت ملايين الدولارات لتحويل الاحتجاج السلمي إلى حركة مسلحة وهو ما سعى إليه النظام ليبرر إطلاق كل أدوات الموت على من صرخ يكفينا 41 سنة من حكم الطغاة. تقاسمت الدول المجاورة وغير المجاورة الأدوار وأنهوا المعارضة السلمية وزجوا في الساحة بكل أنواع المتطرفين الذين توالدوا مزيدا من الفصائل ومزيدا من التطرف ومزيدا من الإرهاب وتحولت البلاد إلى مغناطيس يجذب كل لص ومغامر وتكفيري وقاطع طريق مأخوذين بسحر الفوضى والجنس والسلطة وجز الرقاب فانتهت البلاد إلى دكاكين تتنازع فيما بينها على من يقطع مزيدا من الرؤوس ويشرد ويهتك الأعراض ويدمر مواقع التراث التي تحمل بصمات ستة آلاف سنة من الحضارة المتواصلة. تحول مشهد شباب سوريا الوسيمين وشابات سوريا الجميلات كما يمثلهم أبطال "باب الحارة" و"زهرة النرجس" و "جميل وهنا" و"إخوة التراب" بهؤلاء القبيحين الملتحين المُذنّبين من الخلف، الشُعث الغُبر الأقرب إلى أشكال الننجا ويذكرونني بوصف الشنفرى الأزدي للذئاب المتوحشة "مُهرتةٌ فوهٌ كأن شدوقها – شقوق العصي كالحات وبُسّلُ" وشتان بين المنظرين. أيجوز أن يهان الشعب السوري وآخرون ممن إشتقوا هويتهم بفضل الأمويين أن يبرطعوا في الأبراج والملاهي واليخوت؟
ولا ننسى أن مصر أيضا ملامة عن هذه المأساة لأنها غائبة عن المشهد العربي وربطت سياستها بدول النفط وأصيب موقفها بانفصام خطير، فمن جهة تتعاطف مع النظام السوري في حربه على الإرهاب ومن جهة ترتهن بمواقفها لأصحاب المليارت التي وضعوها تحت تصرف العسكر لاجتثاث أي أثر للإخوان المسلمين فكرا وتنظيما ومؤسسات وإمتدادات حتى لا يشكلوا بديلا للإسلام حسب الطبعة المتخلفة والمتحجرة والتي أنتجت هذا الفكر الظلامي الذي تجسد في طالبان والقاعدة وبوكو حرام وأنصار الشريعة والنصرة وصولا إلى "داعش". مصر أخذت حفنة من اللاجئين أولا ثم أغلقت حدودها أمامهم "ويا دار ما دخلك شر".
واللوم يقع على دول الشمال الأفريقي التي لم تفتح حدودها مؤقتا لإخوة الدم والعروبة والعقيدة. ولن أفهم أبدا تعاطف الحكومة الجزائرية مع الشعب السوري دون أن تعلن أنها على إستعداد لتحمل مسؤولية التخفيف من معاناتهم. كيف ينسى أبناء الأورواس أن أميرهم عبد القادر وقائد ثورتهم الأولى إختار أن تكون دمشق منفاه وظل نائما فيها إلى أن أعيد جثمانه بعد الاستقلال. أما المغرب فمشغول بتدريب الشباب في إسرائيل وتوسيع أفق التعاون مع الكيان تجارة ورياضة وأمنا بينما تبقى حدوده مع الجزائر مغلقة لأكثر من 19 سنة.
اللوم يقع على عاتق ما يسمى مجازا "الجامعة العربية" التي لم تعد لا جامعة ولا عربية. لا تهش ولا تنش ولا تغضب ولا تبكي. غائبة عن السودان ومأساة دارفور وعن اليمن وعن المجازر التي ترتكب بحق المدنيين الفقراء سواء من طائرات التحالف أو من ميليشيات صالح وأتباعه التي تنشر الخراب والدمار أينما حلت. ما يسمى مجازا "الجامعة العربية" غائبة عن المشهدين السوري والعراقي بكل تفاصيل المأساة التي جلبها النظامان لشعبيهما وتفاقم المأساة بقيام خلافة البغدادي المتتلمذ على مدرسة عمرو بن كلثوم في دهدهة الرؤوس ودحرجتها كالمخاريق بأيدي اللاعبين. والجامعة غائبة عن المشهد الليبي الذي كتبت حروفه الأولى يوم أن طالبت بالتدخل الناتوي الذي ترك ستين مليار دولار من الخراب وستين ميليشيا تتقاتل على أشلاء ما تبقى من وطن ورحل وشعاره أقرب إلى شعار سيف الإسلام المكون من حرفين والذي كان يكرره دائما والسبابة مرفوعة. وما يسمى "الجامعة العربية" غائبة عن المشهد اللبناني لأنها تشترك مع الحكومة في إنطباق شعار المظاهرات التي تعم البلاد عليها. تطل الجامعة أحيانا على المشهد الفلسطيني لتعبر عن "قلقها" وتعود لتخلد إلى نوم عميق مما يشير إلى أن القلق كاذب "من أصله".
المسؤول عن مأساة السوريين هي كذبة ما يسمى المجتمع الدولي الذي قسم الأدوار بما يخدم إسرائيل فقط. فهناك إجماع على تدمير الترسانة السورية من الأسلحة الكيميائية في وقت قياسي وإجماع على التعبير عن القلق "وبس" وممنوع على الكوري أن يزيد عن ذلك لكنه يتجرأ أحيانا ويدحش كلمة أو كلمتين قويتين مثل "يدين بأقسى العبارات" أو أنه "أصيب بالهلع". أما الدول دائمة العضوية فهي منقسمة على الملف السوري من اليوم الأول وإلى أن يتفقوا ويجدوا حلا مناسبا للأزمة السورية كما يسمونها وليس "المجزرة السورية".
أما المسؤول الحقيقي عن كل ما يجري في المنطقة هو هذا الكيان السرطاني الذي زرعه الغرب في قلب المنطقة ليلعب دور التخريب والتدمير والتفتيت. إبحث عن أصابع الكيان في كل شيء حتى لو كانت جرائم شرف أو جرائم ثأر لأنه يغذي كل ما هو رجعي ومتخلف ومتحجر. إنه هو الذي يشجع كل هذه التيارات الطائفية والعرقية والإرهابية التي تعتدي على كل الناس وكل الأديان وكل الأعراق وكل الطوائف إلا الكيان وحده في مأمن منها. فكيف؟ من يستطيع أن يفسر هذه الظاهرة؟ لكن ما كان للكيان أن ينجح في إشعال الفتن والحروب لولا توفر شروط ثلاثة: دعم لا محدود من الولايات المتحدة وأوروبا، ودعم قوي بعضه ظاهر وأكثره باطن من الكيانات العربية المرتبطة بوجودها به إبتداء من الكامب وصولا إلى عاصمة النرويج والتي أنتجت سلطة فلسطينية هشة حولت معاني النضال والتضحية والفداء والصمود والتمسك بالحقوق إلى خرق بالية وإستبدلتها بمبدأ المفاوضات في إتجاه واحد يؤدي إلى تراكم المزيد من التنازلات اللامحدودة. هذا الذي أعطى الكيان كل الوقت والإمكانيات فتفرغت الأجهزة الاستخباراتية لحبك المؤامرات وتنفيذها والهادفة إلى تمزيق كيان الأمة العربية وإدخالها في أتون الحروب الطائفية التي قد نعرف تاريخ بدايتها ولكن من الصعب أن نعرف تاريخ إنتهائها. وإلى ذلك الوقت نقول لكنز أحلامنا دمشق "أشكو العروبة أم أشكو لك العرب"؟
٭ محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتعرز بنيوجرزي