الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تنظيم الدولة ونفطه الذي يشتريه كل أعدائه

تنظيم الدولة ونفطه الذي يشتريه كل أعدائه

06.12.2015
وائل عصام


وائل عصام
القدس العربي
السبت 5/12/2015
تكشف الاتهامات المتبادلة بين تركيا وروسيا حول ضلوعهما بتجارة النفط مع تنظيم الدولة، حجم التلاعب بالرأي العام الذي يقوم به السياسيون باستخدام انصاف الحقائق وأشباه الدلائل.
كما انها تكريس لأنماط التوصيفات الشعبوية، التي تربط كل الاعداء لطرف ما بخيط مشترك حتى إن كانت العداوة بينهما أشد.
فالروس كما النظام السوري ينظرون للفصائل المعارضة المعتدلة منها والجهادية على أنها حالة واحدة، جميعهم "داعش"، وقد ينضم لهذا الوصف بالنسبة لجمهورهم كل من يعارضهم من خلفيات إسلامية كالإخوان، ومن يؤيدهم من هذه الدول كالسعودية وقطر وتركيا، وإن كانت هذه الدول تدعم المعتدلين فقط وعلى صراع دموي مع الجهاديين، خصوصا تنظيم الدولة، لذلك ترى الإعلام العربي المؤيد للنظام السوري من قنوات لبنانية، أو الإعلام التابع للحكومة العراقية يغذي مشاهديه بأن حكومات تركيا والسعودية هما من يدعم الجهاديين وتنظيم الدولة، رغم ان النزاع الدموي بين الحكومة السعودية و"القاعدة" وتنظيم الدولة ممتد وعميق أكثر ربما من نزاع الحكومة السورية.
والأمر لا يختلف بالنسبة لنظرة فصائل المعارضة والدول الداعمة لها، فبما أنهم اعداء لتنظيم الدولة والنظام السوري والحكومة العراقية في الوقت نفسه، فهم ايضا يبدعون في تأليف الروايات بربط تنظيم الدولة بالنظام، رغم أن العداء الدموي بين التنظيم والحكومتين العراقية والسورية أقدم تاريخيا وأعمق حتى من عداء هذه الفصائل وحكوماتها الداعمة كتركيا والسعودية للاسد والمالكي.
إذن كل يربط اعداءه ويضعهم في سلة واحدة، ولكن هناك من يستغرب ان ينحدر مسؤولون حكومييون لهذا الخطاب والتوصيف الشعبوي، وكأن السياسيين كانوا يوما مصادر معلومات. فلم يكن السياسيون يوما مصدرا للمعرفة، أكثر منهم معنيين بإطلاق مواقف سياسية، والسياسة وصفت يوما بأنها فن الكذب. مجرد الدخول في اتهامات حول شراء نفط من تنظيم يبيع نفطه لتجار سوق سوداء هو حماقة وجهل ببديهيات الامور، فمن يبيع بضاعة بالجملة في سوق لا يعرف اين تصل بضاعته من خلال تجار المفرد، ومن غير الدخول بتفاصيل عملياتية، فالتنظيم يبيع نفطه لتجار النفط، وهم بدورهم يبيعونه للمشترين، ومنهم أعداء للتنظيم، سواء كانوا في مناطق المعارضة بادلب وحلب، وتجار المعارضة بحلب وادلب يبيعون جزءا منه لتجار في مناطق النظام عند معبر مشترك في ريف حماة. ولا معنى أصلا لاتهام التنظيم ببيع النفط للنظام، لانه التنظيم التابع لنظام لا يبيع له النفط بل يعطيه اياه مجانا، ثم ان هذه التهمة هي تكرار لقالب تفكير متكلس وصدئ ما زال يدور حتى الان في نظريات مؤامرة ولم يحسم حتى الان، إن كان تنظيم الدولة صديقا أو عدوا للنظام السوري وايران، رغم آلاف القتلى والمعارك اليومية بينهما في سوريا والعراق!
ويبيعون جزءا منه بالتهريب لتجار مشتقات نفطية داخل تركيا عبر معابر تسيطر عليها فصائل المعارضة، ولا يعني هذا موافقة الحكومة التركية على ذلك، على العكس فحملات التفتيش والمراقبة على الحدود للجم شبكات التهريب زادت كثيرا بالفترة الاخيرة، ولكن تجارة التهريب هذه عبر الحدود هي كالدعارة، قديمة ولا يمكن ضبطها نهائيا. وكذلك الحال في كردستان العراق، فالتجار الذين يشترون النفط من حقول الرقة والموصل يسلمونه لتجار اكراد، يقومون بدمجه مع نفط الحكومة العراقية المصدر لتركيا عبر كردستان، من خلال شبكات مختصة بهذه العمليات، وعندما يدخل النفط لتركيا يكون ضمن شاحنات شركات النفط العراقي، لذلك لا يمكن للحكومة التركية ضبط هذا الامر نهائيا، اذا كان الفساد ينخر شركات النفط في كردستان.. وهو أمر ايضا تصعب السيطرة عليه.. لذلك ما قاله الروس عن ان تنظيم الدولة يبيع النفط لتركيا، هو يتجاهل هذه الحقائق الواضحة التي لا تحتاج لخبير اقتصادي ليشرحها فكيف بمسؤول حكومي! ولكنه التسييس واللعب على الرأي العام يهبط بمستوى التصريحات دوما.
الخرائط التي بثها الروس لأماكن تصدير النفط لتركيا هي اكبر دليل على سذاجة من يصدقهم، فالمنافذ الحدودية كلها التي يدخل منها هي تحت سيطرة فصائل معادية للتنظيم وفصائل كردية في بعض الاحيان، لكنهم تجار النفط كما قلنا، يعملون بلا كلل لإيصال بضاعتهم، وهي مسألة لا يمكن ضبطها من قبل الحكومة التركية نهائيا.
تصريحات الأتراك ايضا تجاهلت واقع السوق السوداء وشبكات تجارة النفط التي تصل لبلادهم من دون علمهم بالطبع، فعندما يقولون إن هناك "وثائق" تثبت تورط تاجر سوري يحمل الجنسية الروسية كجورج حسواني في بيع النفط للنظام، فهم ينزلقون في المأزق نفسه، فتاجر نفط كحسواني اذا صح فعلا انه يشتري نفطا من تنظيم الدولة، فهو يكون قد اشتراه من سوق النفط السوداء التابع لتجار بعضهم في تركيا ايضا.
جورج حسواني نفى قبل ساعات ذلك أيضا، وقال إنه لم يتم بيع أي برميل نفط للنظام من قبل "داعش"، وإن الاتهامات ضده استندت لعقوبات الاتحاد الاوروبي ومقالات على الإنترنت. لا تهمنا صحة اقوال حسواني، فهو ايضا تاجر وقد يكذب اكثر من السياسيين، ولكن هل يستغرب أحد أن مقالات الانترنت أو شهادة أي شخص باتت مصدرا لمسؤول حكومي؟
لا تستغربوا، تذكروا فقط، أن أعظم دولة في العالم، قامت بعرض درامي كاذب وسخيف لساعات في أهم مؤسسة سياسية في العالم، وفي أرفع اجتماع، مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة، ذلك حصل عندما عرض كولن باول وزير الخارجية الأمريكي صورا لشاحنات بطاطس ربما، قال إنها مفاعلات نووية وكيماوية متنقلة في العراق، وملأت صورها الضخمة ارجاء قاعة مجلس الامن، مع شهادات لشخص عراقي تبين لاحقا انه كاذب مدسوس من أحمد الجلبي، في مسعى من الامريكيين لاظهار ما قالوا إنها "وثائق" تثبت تورط العراق بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، فلا تستغربوا كثيرا، السياسيون يكذبون دائما للتأثير في الرأي العام، وتغيير قناعات العوام.
٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"